شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 134336وَ مَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّةِهذا حق لأن من لم يوقن بالخلف و يتخوف الفقر يضن بالعطية و يعلم أنه إذا أعطى ثم أعطى استنفد ماله و احتاج إلى الناس لانقطاع مادته و أما من يوقن بالخلف فإنه يعلم أن الجود شرف لصاحبه و أن الجواد ممدوح عند الناس فقد وجد الداعي إلى السماح و لا صارف له عنه لأنه يعلم أن مادته دائمة غير منقطعة فالصارف الذي يخافه من قدمناه ذكره مفقود في حقه فلا جرم أنه يجود بالعطية
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 135337تَنْزِلُ الْمَعُونَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَئُونَةِ جاء في الحديث المرفوع من وسع وسع عليه و كلما كثر العيال كثر الرزق
و كان على بعض الموسرين رسوم لجماعة من الفقراء يدفعها إليهم كل سنة فاستكثرها فأمر كاتبه بقطعها فرأى في المنام كأن له أهواء كثيرة في داره و كأنها تصعدها أقوام من الأرض إلى السماء و هو يجزع من ذلك فيقول يا رب رزقي رزقي فقيل له إنما رزقناك هذه لتصرفها فيما كنت تصرفها فيه فإذ قطعت ذلك رفعناها منك و جعلناها لغيرك فلما أصبح أمر كاتبه بإعادة تلك الرسوم أجمع
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 136338مَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ ما عال أي ما افتقر و قد تقدم لنا قول مقنع في مدح الاقتصاد. و قال أبو العلاءو إن كنت تهوى العيش فابغ توسطا فعند التناهي يقصر المتطاول توقي البدور النقص و هي أهلة و يدركها النقصان و هي كواملو هذا الشعر و إن كان في الاقتصاد في المراتب و الولايات إلا أنه مدح للاقتصاد في الجملة فهو من هذا الباب. و سمع بعض الفضلاء قول الحكماء التدبير نصف العيش فقال بل العيش كله(19/260)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 137339قِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ اليسار الثاني كثرة المال يقول إن قلة العيال مع الفقر كاليسار الحقيقي مع كثرتهم. و من أمثال الحكماء العيال أرضة المال شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 138340التَّوَدُّدُ نِصْفُ الْعَقْلِ دخل حبيب بن شوذب على جعفر بن سليمان بالبصرة فقال نعم المرء حبيب بن شوذب حسن التودد طيب الثناء يكره الزيارة المتصلة و القعدة المنسية. و كان يقال التودد ظاهر حسن و المعاملة بين الناس على الظاهفأما البواطن فإلى عالم الخفيات. و كان يقال قل من تودد إلا صار محبوبا و المحبوب مستور العيوب
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 139341وَ الْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ من كلام بعض الحكماء الهم يشيب القلب و يعقم العقل فلا يتولد معه رأى و لا تصدق معه روية. و قال الشاعرهموم قد أبت إلا التباسا تبت الشيب في رأس الوليدو تقعد قائما بشجا حشاه و تطلق للقيام حبا القعودو أضحت خشعا منها نزار مركبة الرواجب في الخدود
و قال سفيان بن عيينة الدنيا كلها هموم و غموم فما كان منها سرور فهو ربح. و من أمثالهم الهم كافور الغلمة. و قال أبو تمام
شاب رأسي و ما رأيت مشيب الرأس إلا من فضل شيب الفؤادو كذاك القلوب في كل بؤس و نعيم طلائع الأجسادطال إنكاري البياض و لو عمرت شيئا أنكرت لون السواد
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 140342يَنْزِلُ الصَّبْرُ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ وَ مَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ حَبِطَ أَجْرُهُقد مضى لنا كلام شاف في الصبر و كان الحسن يقول في قصصه الحمد لله الذي كلفنا ما لو كلفنا غيره لصرنا فيه إلى معصيته و آجرنا على ما لا بد لنا منه يقول كلفنا الصبر و لو كلفنا الجزع لم يمكنا أن نقيم عليه و آجرنا على الصبر و لا بد لنا من الرجوع إليه. و
من كلام أمير المؤمنين ع كان يقول عند التعزية عليكم بالصبر فإن به يأخذ الحازم و يعود إليه الجازع(19/261)


و قال أبو خراش الهذلي يذكر أخاه عروة
تقول أراه بعد عروة لاهيا و ذلك رزء لو علمت جليل فلا تحسبي أني تناسيت عهده و لكن صبري يا أميم جميلو قال عمرو بن معديكرب
كم من أخ لي صالح بوأته بيدي لحدا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 343ألبسته أكفانه و خلقت يوم خلقت جلدو كان يقال من حدث نفسه بالبقاء و لم يوطنها على المصائب فهو عاجز الرأي. و كان يقال كفى باليأس معزيا و بانقطاع الطمع زاجرا. و قال الشاعر
أيا عمرو لم أصبر و لي فيك حيلة و لكن دعاني اليأس منك إلى الصبرتصبرت مغلوبا و إني لموجع كما صبر القطان في البلد القفر
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 141344كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَ الظَّمَأُ وَ كَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ وَ الْعَنَاءُ حَبَّذَا نَوْمُ الْأَكْيَاسِ وَ إِفْطَارُهُمْالأكياس هاهنا العلماء العارفون و ذلك لأن عباداتهم تقع مطابقة لعقائدهم الصحيحة فتكون فروعا راجعة إلى أصل ثابت و ليس كذلك الجاهلون بالله تعالى لأنهم إذا لم يعرفوه و لم تكن عباداتهم متوجهة إليه فلم تكن مقبولة و لذلك فسدت عبادة النصارى و اليهود. و فيهم ورد قوله تعالى عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 142345سُوسُوا إِيمَانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَ حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ وَ ادْفَعُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِقد تقدم الكلام في الصدقة و الزكاة و الدعاء فلا معنى لإعادة القول في ذلك(19/262)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 143346وَ مِنْ كَلَامٍ لَهُ ع لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ قَالَ كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ أَخَذَ بِيَدِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع فَأَخْرَجَنِي إِلَى الْجَبَّانِ فَلَمَّا أَصْحَرَ تَنَفَّسَ الصُّدَاءَ ثُمَّ قَالَ يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ النَّاسُ ثَلَاثَةٌ فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ وَ مُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَ هَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ وَ لَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ يَا كُمَيْلُ الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَ أَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ وَ الْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ وَ الْعِلْمُ يَزْكُوا عَلَى الْإِنْفَاقِ وَ صَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ بِهِ يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ وَ جَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَ الْعِلْمُ حَاكِمٌ وَ الْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ هَلَكَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَ هُمْ أَحْيَاءٌ وَ الْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وَ أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ هَا إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً وَ أَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً بَلَى أُصِيبُ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ مُسْتَعْمِلًا آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا وَ مُسْتَظْهِراً بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَ بِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 347أَوْ مُنْقَاد لِحَمَلَةِ الْحَقِّ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ يَنْقَدِحُ(19/263)


الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ أَلَا لَا ذَا وَ لَا ذَاكَ أَوْ مَنْهُوماً بِاللَّذَّةِ سَلِسَ الْقِيَادِ لِلشَّهْوَةِ أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَ الِادِّخَارِ لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْ ءٍ أَقْرَبُ شَيْ ءٍ شَبَهاً بِهِمَا الْأَنْعَامُ السَّائِمَةُ كَذَلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ اللَّهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وَ إِمَّا خَائاً مَغْمُوراً لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَ بَيِّنَاتُهُ وَ كَمْ ذَا وَ أَيْنَ أُولَئِكَ وَ اللَّهِ الْأَقَلُّونَ عَدَداً وَ الْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْراً يَحْفَظُ اللَّهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَ بَيِّنَاتِهِ حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ وَ يَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ وَ بَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ وَ اسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ وَ أَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ وَ صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ الدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ انْصَرِفْ يَا كُمَيْلُ إِذَا شِئْتَ(19/264)

98 / 150
ع
En
A+
A-