و ليس هذا الموضع مما يحسن أن يشرح فيه مثل ذلك
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 125321عِظَمُ الْخَالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ الْمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَلا نسبة للمخلوق إلى الخالق أصلا و خصوصا البشر لأنهم بالنسبة إلى فلك القمر كالذرة و نسبة فلك القمر كالذرة بالنسبة إلى قرص الشمس بل هم دون هذه النسبة مما يعجز الحاسب الحاذق عن حساب ذلك و فلك القمر بالنسبة إلى الفلك المحيط دون هذه النسبة و نسبة الفلك المحيط إلى الباري سبحانه كنسبة العدم المحض و النفي الصرف إلى الموجود البائن بل هذا القياس أيضا غير صحيح لأن المعدوم يمكن أن يصير موجودا بائنا و الفلك لا يتصور أن يكون صانع العالم الواجب الوجود لذاته. و على الجملة فالأمر أعظم من كل عظيم و أجل من كل جليل و لا طاقة للعقول و الأذهان أن تعبر عن جلالة ذلك الجناب و عظمته بل لو قيل إنها لا طاقة لها أن تعبر عن جلال مصنوعاته الأولى المتقدمة علينا بالرتبة العقلية و الزمانية لكان ذلك القول حقا و صدقا فمن هو المخلوق ليقال إن عظم الخالق يصغره في العين و لكن كلامه ع محمول على مخاطبة العامة الذين تضيق أفهامهم عما ذكرناه(19/250)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 126322وَ قَالَ ع وَ قَدْ رَجَعَ مِنْ صِفِّينَ فَأَشْرَفَ عَلَى الْقُبُورِ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ وَ الْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ وَ الْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ يَا أَهْلَ الْغُبَةِ يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ وَ نَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ لَاحِقٌ أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ وَ أَمَّا الْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ وَ أَمَّا الْأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ هَذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ لَأَخْبَرُوكُمْ أَنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى
الفرط المتقدمون و قد ذكرنا من كلام عمر ما يناسب هذا الكلام لما ظعن في القبور و عاد إلى أصحابه أحمر الوجه ظاهر العروق قال قد وقفت على قبور الأحبة فناديتها الحديث إلى آخره فقيل له فهل أجابتك قال نعم قالت إن خير الزاد التقوى. و قد جاء في حديث القبور و مخاطبتها و حديث الأموات و ما يتعلق بذلك شي ء كثير يتجاوز الإحصاء. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 323 في وصية النبي ص أبا ذر رضي الله عنه زر القبور تذكر بها الآخرة و لا تزرها ليلا و غسل الموتى يتحرك قلبك فإن الجسد الخاوي عظة بليغة و صل على الموتى فإن ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله
وجد على قبر مكتوبا
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه لقاؤك لا يرجى و أنت رقيب تزيد بلى في كل يوم و ليلة و تنسى كما تبلى و أنت حبيبو قال الحسن ع مات صديق لنا صالح فدفناه و مددنا على القبر ثوبا فجاء صلة بن أشيم فرفع طرف الثوب و نادى يا فلان
إن تنج منها تنج من ذي عظيمة و إلا فإني لا إخالك ناجيا
و في الحديث المرفوع أنه ع كان إذا تبع الجنازة أكثر الصمات و رئي عليه كآبة ظاهرة و أكثر حديث النفس(19/251)


سمع أبو الدرداء رجلا يقول في جنازة من هذا فقال أنت فإن كرهت فأنا.
سمع الحسن ع امرأة تبكي خلف جنازة و تقول يا أبتاه مثل يومك لم أره فقال بل أبوك مثل يومه لم يره
و كان مكحول إذا رأى جنازة قال اغد فإنا رائحون. و قال ابن شوذب اطلعت امرأة صالحة في لحد فقالت لامرأة معها هذا كندوج العمل يعني خزانته و كانت تعطيها الشي ء بعد الشي ء تأمرها أن تتصدق به فتقول اذهبي فضعي هذا في كندوج العمل. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 324ش
أ جازعة ردينة أن أتاها نعيي أم يكون لها اصطبارإذا ما أهل قبري ودعوني و راحوا و الأكف بها غبارو غودر أعظمي في لحد قبر تراوحه الجنائب و القطارتهب الريح فوق محط قبري و يرعى حوله اللهق النوارمقيم لا يكلمني صديق بقفر لا أزور و لا أزارفذاك النأي لا الهجران حولا و حولا ثم تجتمع الديار
و قال آخر
كأني بإخواني على حافتي قبري يهيلونه فوقي و أدمعهم تجري فيا أيها المذري علي دموعه ستعرض في يومين عني و عن ذكري عفا الله عني يوم أترك ثاويا أزار فلا أدري و أجفي فلا أدرو جاء في الحديث المرفوع ما رأيت منظرا إلا و القبر أفظع منه(19/252)


و في الحديث أيضا القبر أول منزل من منازل الآخرة فمن نجا منه فما بعده أيسر و من لم ينج منه فما بعده شر منه شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 127325وَ قَالَ ع وَ قَدْ سَمِعَ رَجُلًا يَذُمُّ الدُّنْيَا أَيُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْيَا الْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا الْمُنْخَدِعُ بِأَبَاطِيلِهَا أَ تَفْتَتِنُ بِهَا ثُمَّ تَذُمُّهَا أَنْتَ الْمُتَجَرِّمُ عَلَيْهَا أَمْ هِيَ امُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ مَتَى اسْتَهْوَتْكَ أَمْ مَتَى غَرَّتْكَ أَ بِمَصَارِعِ آبَائِكَ مِنَ الْبِلَى أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى كَمْ عَلَّلْتَ بِكَفَّيْكَ وَ كَمْ مَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ تَبْتَغِي لَهُمُ الشِّفَاءَ وَ تَسْتَوْصِفُ لَهُمُ الْأَطِبَّاءَ غَدَاةَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ دَوَاؤُكَ وَ لَا يُجْدِي عَلَيْهِمْ بُكَاؤُكَ لَمْ يَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ وَ لَمْ تُسْعَفْ فِيهِ بِطَلِبَتِكَ وَ لَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِكَ وَ قَدْ مَثَّلَتْ لَكَ بِهِ الدُّنْيَا نَفْسَكَ وَ بِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا وَ دَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا وَ دَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا وَ دَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنِ اتَّعَظَ بِهَا مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللَّهِ وَ مُصَلَّى مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَ مَهْبِطُ وَحْيِ اللَّهِ وَ مَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ اكْتَسَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ وَ رَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَ قَدْ آذَنَتْ بِبَيْنِهَا وَ نَادَتْ بِفِرَاقِهَا وَ نَعَتْ نَفْسَهَا وَ أَهْلَهَا فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلَائِهَا الْبَلَاءَ وَ شَوَّقَتْهُمْ بِسُرُورِهَا إِلَى السُّرُورِ رَاحَتْ بِعَافِيَةٍ وَ ابْتَكَرَتْ بِفَجِيعَةٍ تَرْغِيباً وَ تَرْهِيباً وَ تَخْوِيفاً وَ تَحْذِيراً شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 326فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ(19/253)


النَّدَامَةِ وَ حَمِدَهَا آخَرُونَ يَوْمَ الْقَامَةِ ذَكَّرَتْهُمُ الدُّنْيَا فَذَكَّرُوا وَ حَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا وَ وَعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا
تجرمت على فلان ادعيت عليه جرما و ذنبا و استهواه كذا استزله. و قوله ع فمثلت لهم ببلائها البلاء أي بلاء الآخرة و عذاب جهنم و شوقتهم بسرورها إلى السرور أي إلى سرور الآخرة و نعيم الجنة. و هذا الفصل كله لمدح الدنيا و هو ينبئ عن اقتداره ع على ما يريد من المعاني لأن كلامه كله في ذم الدنيا و هو الآن يمدحها و هو صادق في ذاك و في هذا و قد جاء عن النبي ص كلام يتضمن مدح الدنيا أو قريبا من المدح و هو
قوله ع الدنيا حلوة خضرة فمن أخذها بحقها بورك له فيها
و احتذى عبد الله بن المعتز حذو أمير المؤمنين ع في مدح الدنيا فقال في كلام له الدنيا دار التأديب و التعريف التي بمكروهها توصل إلى محبوب الآخرة و مضمار الأعمال السابقة بأصحابها إلى الجنان و درجة الفوز التي يرتقى عليها المتقون إلى دار الخلد و هي الواعظة لمن عقل و الناصحة لمن قبل و بساط المهل و ميدان العمل و قاصمة الجبارين و ملحقة الرغم معاطس المتكبرين و كاسية التراب أبدان المختالين و صارعة المغترين و مفرقة أموال الباخلين و قاتلة القاتلين و العادلة بالموت على جميع العالمين و ناصرة المؤمنين و مبيرة الكافرين الحسنات فيها مضاعفة و السيئات بآلامها ممحوة و مع عسرها يسران و الله تعالى قد ضمن أرزاق أهلها و أقسم في كتابه بما فيها و رب طيبة شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 327من نعيمها قد حمد الله عليها فتلقتها أيدي الكتبة و وجبت بها الجنة و كم نائبة من نوائبها و حادثة من حوثها قد راضت الفهم و نبهت الفطنة و أذكت القريحة و أفادت فضيلة الصبر و كثرت ذخائر الأجر. و
من الكلام المنسوب إلى علي ع الناس أبناء الدنيا و لا يلام المرء على حب أمه
أخذه محمد بن وهب الحميري فقال(19/254)

96 / 150
ع
En
A+
A-