شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 119312غَيْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ وَ غَيْرَةُ الرَّجُلِ إِيمَانٌالمرجع في هذا إلى العقل و التماسك فلما كان الرجل أعقل و أشد تماسكا كانت غيرته في موضعها و كانت واجبة عليه لأن النهي عن المنكر واجب و فعل الواجبات من الإيمان و أما المرأة فلما كانت انقص عقلا و أقل صبرا كانت غيرتها على الوهم الباطل و الخيال غير المحقق فكانت قبيحة لوقوعها غير موقعها و سماها ع كفرا لمشاركتها الكفر في القبح فأجرى عليها اسمه. و أيضا فإن المرأة قد تؤدي بها الغيرة إلى ما يكون كفرا على الحقيقة كالسحر فقد ورد في الحديث المرفوع أنه كفر و قد يفضي بها الضجر و القلق إلى أن تتسخط و تشتم و تتلفظ بألفاظ تكون كفرا لا محالة
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 120313لَأَنْسُبَنَّ الْإِسْلَامَ نِسْبَةً لَمْ يَنْسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي الْإِسْلَامُ هُوَ التَّسْلِيمُ وَ التَّسْلِيمُ هُوَ الْيَقِينُ وَ الْيَقِينُ هُوَ التَّصْدِيقُ وَ التَّصْدِيقُ هُوَ الْإِقْرَارُ وَ الْإِقْرَارُ هُوَ الَدَاءُ وَ الْأَدَاءُ هُوَ الْعَمَلُ(19/245)


خلاصة هذا الفصل تقتضي صحة مذهب أصحابنا المعتزلة في أن الإسلام و الإيمان عبارتان عن معبر واحد و أن العمل داخل في مفهوم هذه اللفظة أ لا تراه جعل كل واحدة من اللفظات قائمة مقام الأخرى في إفادة المفهوم كما تقول الليث هو الأسد و الأسد هو السبع و السبع هو أبو الحارث فلا شبهة أن الليث يكون أبا الحارث أي أن الأسماء مترادفة فإذا كان أول اللفظات الإسلام و آخرها العمل دل على أن العمل هو الإسلام و هكذا يقول أصحابنا إن تارك العمل و تارك الواجب لا يسمى مسلما. فإن قلت هب أن كلامه ع يدل على ما قلت كيف يدل على أن الإسلام هو الإيمان قلت لأنه إذا دل على أن العمل هو الإسلام وجب أن يكون الإيمان هو الإسلام لأن كل من قال إن العمل داخل في مسمى الإسلام قال إن الإسلام هو الإيمان شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 314فالقول بأن العمل داخل في مسمى الإسلام و ليس الإسلام هو الإيمان قول لم يقل أحد فيكون الإجماع واقعا على بطلانه. فإن قلت إن أمير المؤمنين ع لم يقل كما تقوله المعتزلة لأن المعتزلة تقول الإسلام اسم واقع على العمل و غيره من الاعتقاد و النطق باللسان و أمير المؤمنين ع جعل الإسلام هو العمل فقط فكيف ادعيت أن قول أمير المؤمنين ع يطابق مذهبهم قلت لا يجوز أن يريد غيره لأن لفظ العمل يشمل الاعتقاد و النطق باللسان و حركات الأركان بالعبادات إذ كل ذلك عمل و فعل و إن كان بعضه من أفعال القلوب و بعضه من أفعال الجوارح و لو لم يرد أمير المؤمنين ع ما شرحناه لكان قد قال الإسلام هو العمل بالأركان خاصة و لم يعتبر فيه الاعتقاد القلبي و لا النطق اللفظي و ذلك مما لا يقوله أحد(19/246)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 121315عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ وَ يَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِي إِيَّاهُ طَلَبَ فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ وَ يُحَاسَبُ فِي الآْخِرَةِ حِسَابَ الْأَغْنِيَاءِ وَ عَجِبْتُ لْمُتَكَبِّرِ الَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ نُطْفَةً وَ يَكُونُ غَداً جِيفَةً وَ عَجِبْتُ لِمَنْ شَكَّ فِي اللَّهِ وَ هُوَ يَرَى خَلْقَ اللَّهِ وَ عَجِبْتُ لِمَنْ نَسِيَ الْمَوْتَ وَ هُوَ يَرَى مَنْ يَمُوتُ وَ عَجِبْتُ لِمَنْ أَنْكَرَ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى وَ هُوَ يَرَى النَّشْأَةَ الْأُولَى وَ عَجِبْتُ لِعَامِرٍ دَارَ الْفَنَاءِ وَ تَارِكٍ دَارَ الْبَقَاءِ
قال أعرابي الرزق الواسع لمن لا يستمتع به بمنزلة الطعام الموضوع على قبر و رأى حكيم رجلا مثريا يأكل خبزا و ملحا فقال لم تفعل هذا قال أخاف الفقر قال فقد تعجلته فأما القول في الكبر و التيه فقد تقدم منه ما فيه كفاية و قال ابن الأعرابي ما تاه على أحد قط أكثر من مرة واحدة أخذ هذا المعنى شاعر فقال و أحسن
هذه منك فإن عدت إلى الباب فمني
و قد تقدم من كلامنا في نظائر هذه الألفاظ المذكورة ما يغني عن الإطالة هاهنا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 122316مَنْ قَصَّرَ فِي الْعَمَلِ ابْتُلِيَ بِالْهَمِّهذا مخصوص بأصحاب اليقين و الاعتقاد الصحيح فإنهم الذين إذا قصروا في العمل ابتلوا بالهم فأما غيرهم من المسرفين على أنفسهم و ذوي النقص في اليقين و الاعتقاد فإنه لا هم يعروهم و إن قصروا في العمل و هذه الكلمة قد جربناها من أنفسنا فوجدنا مصداقها واضحا و ذلك أن الواحد منا إذا أخل بفريضة الظهر مثلا حتى تغيب الشمس و إن كان أخل بها لعذر وجد ثقلا في نفسه و كسلا و قلة نشاط و كأنه مشكول بشكال أو مقيد بقيد حتى يقضي تلك الفريضة فكأنما أنشط من عقال(19/247)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 123317لَا حَاجَةَ لِلَّهِ فِيمَنْ لَيْسَ لِلَّهِ فِي مَالِهِ وَ نَفْسِهِ نَصِيبٌ قد جاء في الخبر المرفوع إذا أحب الله عبدا ابتلاه في ماله أو في نفسه
و جاء في الحديث المرفوع اللهم أني أعوذ بك من جسد لا يمرض و من مال لا يصاب
و روى عبد الله بن أنس عنه ص أنه قال أيكم يحب أن يصح فلا يسقم قالوا كلنا يا رسول الله قال أ تحبون أن تكونوا كالحمر الصائلة ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلايا و أصحاب كفارات و الذي بعثني بالحق إن الرجل لتكون له الدرجة في الجنة فلا يبلغها بشي ء من عمله فيبتليه لله ليبلغه الله درجة لا يبلغها بعمله
و في الحديث أيضا ما من مسلم يمرض مرضا إلا حت الله به خطاياه كما تحت الشجرة ورقها
و روى أبو عثمان النهدي قال دخل رجل أعرابي على رسول الله ص ذو جسمان عظيم فقال له متى عهدك بالحمى قال ما أعرفها قال بالصداع شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 318قال ما أدري ما هو قال فأصبت بمالك قال لا قال فرزئت بولدك قال لا فقال ع إن الله ليكره العفريت النفريت اي لا يرزأ في ولده و لا يصاب في ماله
و جاء في بعض الآثار أشد الناس حسابا الصحيح الفارغ
و في حديث حذيفة رضي الله عنه إن أقر يوم لعيني ليوم لا أجد فيه طعاما سمعت رسول الله ص يقول إن الله ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده بالطعام و إن الله يحمي عبده المؤمن كما يحمي أحدكم المريض من الطعام
و في الحديث المرفوع أيضا إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإذا أحبه الحب البالغ اقتناه قالوا و ما اقتناؤه قال ألا يترك له مالا و لا ولدا
مر موسى ع برجل كان يعرفه مطيعا لله قد مزقت السباع لحمه و أضلاعه و كبده ملقاة فوقف متعجبا فقال أي رب عبدك المطيع لك ابتليته بما أرى فأوحى الله إليه أنه سألني درجة لم يبلغها بعمله فجعلت له بما ترى سبيلا إلى تلك الدرجة(19/248)


و جاء في الحديث أن زكريا لم يزل يرى ولده يحيى مغموما باكيا مشغولا بنفسه فقال يا رب طلبت منك ولدا أنتفع به فرزقتنيه لا نفع لي فيه فقال له إنك طلبته وليا و الولي لا يكون إلا هكذا مسقاما فقيرا مهموما
و قال سفيان الثوري كانوا لا يعدون الفقيه فقيها من لا يعد البلاء نعمة و الرخاء مصيبة.
جابر بن عبد الله يرفعه يود أهل العافية يوم القيامة أن لحومهم كانت تقرض بالمقاريض لما يرون من ثواب أهل البلاء
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 124319تَوَقَّوُا الْبَرْدَ فِي أَوَّلِهِ وَ تَلَقَّوْهُ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي الْأَبْدَانِ كَفِعْلِهِ فِي الْأَشْجَارِ أَوَّلُهُ يُحْرِقُ وَ آخِرُهُ يُوِرُقهذه مسألة طبيعية قد ذكرها الحكماء قالوا لما كان تأثير الخريف في الأبدان و توليده الأمراض كالزكام و السعال و غيرهما أكثر من تأثير الربيع مع أنهما جميعا فصلا اعتدال و أجابوا بأن برد الخريف يفجأ الإنسان و هو معتاد لحر الصيف فينكأ فيه و يسد مسام دماغه لأن البرد يكثف و يسد المسام فيكون كمن دخل من موضع شديد الحرارة إلى خيش بارد. فأما المنتقل من الشتاء إلى فصل الربيع فإنه لا يكاد برد الربيع يؤذيه ذلك الأذى لأنه قد اعتاد جسمه برد الشتاء فلا يصادف من برد الربيع إلا ما قد اعتاد ما هو أكثر منه فلا يظهر لبرد الربيع تأثير في مزاجه فأما لم أورقت الأشجار و أزهرت في الربيع دون الخريف فلما في الربيع من الكيفيتين اللتين هما منبع النمو و النفس النباتية و هما الحرارة و الرطوبة و أما الخريف فخال من هاتين الكيفيتين و مستبدل بهما ضدهما شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 320و هما البرودة اليبس المنافيان للنشوء و حياة الحيوان و النبات فأما لم كان الخريف باردا يابسا و الربيع حارا رطبا مع أن نسبة كل واحد منهما إلى الفصلين الخارجين عن الاعتدال و هما الشتاء و الصيف نسبة واحدة فإن تعليل ذلك مذكور في الأصول الطبية و الكتب الطبيعية(19/249)

95 / 150
ع
En
A+
A-