فما شرب أحد منهم حتى راحوا إلا من قرب المغيرة. و ذكر الزبير أن ابنا لهشام بن عبد الملك كان يسوم المغيرة ماله بالمكان المسمى بديعا فلا يبيعه فغزا ابن هشام أرض الروم و معه المغيرة فأصابت الناس مجاعة في غزاتهم فجاء المغيرة إلى ابن هشام فقال إنك كنت تسومني مالي ببديع فآبى أن أبيعكه فاشتر الآن مني نصفه بعشرين ألف دينار فأطعم المغيرة بها الناس فلما رجع ابن هشام بالناس من غزوته تلك و قد بلغ هشاما الخبر قال لابنه قبح الله رأيك أنت أمير الجيش و ابن أمير المؤمنين يصيب الناس معك مجاعة فلا تطعمهم حتى يبيعك رجل سوقة ماله و يطعم به الناس ويحك أ خشيت أن تفتقر إن أطعمت الناس. قالوا و لنا عكرمة بن أبي جهل الذي قام له رسول الله ص قائما و هو بعد مشرك لم يسلم و لم يقم رسول الله ص لرجل داخل عليه من الناس شريف و لا مشرف إلا عكرمة و عكرمة هو الذي اجتهد في نصرة الإسلام بعد أن كان شديد العداوة و هو الذي سأله أبو بكر أن يقبل منه معونة على الجهاد فأبى شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 305و قال لا آخذ على الجهاد أجرا و لا معونة و هو الشهيد يوم أجنادين و هو الذي قال رسول الله ص لا تسألني اليوم شيئا إلا أعطيتك فقالإني أسألك أن تستغفر لي و لم يسأل غير ذلك و كل قريش غيره سألوا المال كسهيل بن عمرو و صفوان بن أمية و غيرهما. قالوا و لنا الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة كان شاعرا مجيدا مكثرا و كان أمير مكة استعمله عليها يزيد بن معاوية و من شعره
من كان يسأل عنا أين منزلنا فالأقحوانة منا منزل قمن إذ نلبس العيش غضا لا يكدره قرب الوشاة و لا ينبو بنا الزمنو أخوه عكرمة بن خالد كان من وجوه قريش و روى الحديث و روى عنه. و من ولد خالد بن العاص بن هاشم بن المغيرة خالد بن إسماعيل بن عبد الرحمن كان جوادا متلافا و فيه قال الشاعر(19/240)
لعمرك إن المجد ما عاش خالد على العمر من ذي كبدة لمقيم و تندى البطاح البيض من جود خالد و يخصبن حتى نبتهن عميمقالوا و لنا الأوقص و هو محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن المغيرة كان قاضي مكة و كان فقيها. قالوا و من قدماء المسلمين عبد الله بن أمية بن المغيرة أخو أم سلمة زوج رسول الله شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 306ص كان شديد الخلاف على المسلمين ثم خرج مهاجرا و شهد فتح م و حنين و قتل يوم الطائف شهيدا. و الوليد بن أمية غير رسول الله ص اسمه فسماه المهاجر و كان من صلحاء المسلمين. قالوا و منا زهير بن أبي أمية بن المغيرة و بجير بن أبي ربيعة بن المغيرة غير رسول الله ص اسمه فسماه عبد الله كانا من أشراف قريش و عباس بن أبي ربيعة كان شريفا قالوا و منا الحارث القباع و هو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة كان أمير البصرة و عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة الشاعر المشهور ذي الغزل و التشبيب. قالوا و من ولد الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة الفقيه المشهور و هو المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث كان فقيه المدينة بعد مالك بن أنس و عرض عليه الرشيد جائزة أربعة آلاف دينار فامتنع و لم يتقلد له القضاء. قالوا و من يعد ما تعده مخزوم و لها خالد بن الوليد بن المغيرة سيف الله كان مباركا ميمون النقيبة شجاعا و كان إليه أعنة الخيل على عهد رسول الله ص و شهد معه فتح مكة و جرح يوم حنين فنفث رسول الله ص على جرحه فبرأ و هو الذي قتل مسيلمة و أسر طليحة و مهد خلافة أبي بكر و قال يوم موته لقد شهدت كذا و كذا زحفا و ما في جسدي موضع إصبع إلا و فيه طعنة أو ضربه و ها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء و مر عمر بن الخطاب على دور بني مخزوم و النساء يندبن خالدا و قد وصل خبره إليهم شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 307و كان مات بحمص فوقف و قال ما على النساء أن يندبن أبا سليمان و هل تقوم حرة عن مثله ثم أنشدأ تبكي ما وصلت به(19/241)
الندامى و لا تبكي فوارس كالجبال أولئك إن بكيت أشد فقدا من الأنعام و العكر الحلال تمنى بعدهم قوم مداهم فما بلغوا لغايات الكماو كان عمرو مبغضا لخالد و منحرفا عنه و لم يمنعه ذلك من أن صدق فيه. قالوا و منا الوليد بن الوليد بن المغيرة كان رجل صدق من صلحاء المسلمين. و منا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و كان عظيم القدر في أهل الشام و خاف معاوية منه أن يثب على الخلافة بعدهم فسمه أمر طبيبا له يدعى ابن أثال فسقاه فقتله. و خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد قاتل ابن أثال بعمه عبد الرحمن و المخالف على بني أمية و المنقطع إلى بني هاشم و إسماعيل بن هشام بن الوليد كان أمير المدينة و إبراهيم و محمد ابنا هشام بن عبد الملك و أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد و كان من رجال قريش و من ولده هشام بن إسماعيل بن أيوب و سلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد ولي شرطة المدينة. قالوا و من ولد حفص بن المغيرة عبد الله بن أبي عمر بن حفص بن المغيرة هو أول خلق الله حاج يزيد بن معاوية. قالوا و لنا الأزرق و هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة والي اليمن لابن الزبير و كان من أجود العرب و هو ممدوح أبي دهبل الجمحي. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 308قالوا و لنا شريك رسول الله ص و هو عبد الله بن السائب بن أبي السائب و اسم أبي السائب صيفي بن عائبن عبد الله بن عمر بن مخزوم كان شريك النبي ص في الجاهلية فجاءه يوم الفتح فقال له أ تعرفني قال أ لست شريكي قال بلى قال لقد كنت خير شريك لا تشاري و لا تماري. قالوا و منا الأرقم بن أبي الأرقم الذي استتر رسول الله في داره بمكة في أول الدعوة و اسم أبي الأرقم عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. و منا أبو سلمة بن عبد الأسد و اسمه عبد الله و هو زوج أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة قبل رسول الله ص شهد أبو سلمة بدرا و كان من صلحاء المسلمين. قالوا لنا(19/242)
هبيرة بن أبي وهب كان من الفرسان المذكورين و ابنه جعدة بن هبيرة و هو ابن أخت علي بن أبي طالب ع أمه أم هانئ بنت أبي طالب و ابنه عبد الله بن جعدة بن هبيرة هو الذي فتح القهندر و كثيرا من خراسان فقال فيه الشاعر
لو لا ابن جعدة لم تفتح قهندركم و لا خراسان حتى ينفخ الصور
قالوا و لنا سعيد بن المسيب الفقيه المشهور و أما الجواد المشهور فهو الحكم بن المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم. و قد اختصرنا و اقتصرنا على من ذكرنا و تركنا كثيرا من رجال مخزوم خوف الإسهاب. و ينبغي أن يقال في الجواب إن أمير المؤمنين ع لم يقل هذا الكلام احتقارا لهم و لا استصغارا لشأنهم و لكن أمير المؤمنين ع كان أكثر همة يوم المفاخرة أن يفاخر بني عبد شمس لما بينه و بينهم فلما ذكر مخزوما بالعرض قال فيهم ما قال و لو كان يريد مفاخرتهم لما اقتصر لهم على ما ذكره عنهم على أن أكثر هؤلاء الرجال إسلاميون بعد عصر علي ع و علي ع إنما يذكر من قبله لا من يجي ء بعده. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 309فإن قلت إذا كان قد قال في بني عبد شمس إنهم أمنع لما وراء ظهورهم ثم قال في بني هاشم إنهم أسمح عند الموت بنفوسهم فقد تناقض الوصفان. قلت لا مناقضة بينهما لأنه أراد كثرةي عبد شمس فبالكثرة تمنع ما وراء ظهورها و كان بنو هاشم أقل عددا من بني عبد شمس إلا أن كل واحد منهم على انفراده أشجع و أسمح بنفسه عند الموت من كل واحد على انفراده من بني عبد شمس فقد بان أنه لا مناقضة بين القولين
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 117310شَتَّانَ مَا بَيْنَ عَمَلَيْنِ عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَ تَبْقَى تَبِعَتُهُ وَ عَمَلٍ تَذْهَبُ مَئُونَتُهُ وَ يَبْقَى أَجْرُهُأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال
تفنى اللذاذة ممن نال بغيته من الحرام و يبقى الإثم و العارتبقي عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار(19/243)
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 118311وَ قَالَ ع وَ قَدْ تَبِعَ جِنَازَةً فَسَمِعَ رَجُلًا يَضْحَكُ فَقَالَ كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ وَ كَأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ وَ كَأَنَّ الَّذِي نَرَى مِنَ الْأَمْوَاتِ سَفْرٌ عََا قَلِيلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ نُبَوِّئُهُمْ أَجْدَاثَهُمْ وَ نَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ بَعْدَهُمْ قَدْ نَسِينَا كُلَّ وَاعِظٍ وَ وَاعِظَةٍ وَ رُمِينَا بِكُلِّ جَائِحَةٍ طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ وَ طَابَ كَسْبُهُ وَ صَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ وَ حَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ وَ أَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ وَ أَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ لِسَانِهِ وَ عَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ وَ وَسِعَتْهُ السُّنَّةُ وَ لَمْ يُنْسَبْ إِلَى بِدْعَةٍ
قال الرضي رحمه الله تعالى أقول و من الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول الله ص
الأشهر الأكثر في الرواية أن هذا الكلام من كلام رسول الله ص و مثل قوله كأن الموت فيها على غيرنا كتب
قول الحسن ع ما رأيت حقا لا باطل فيه أشبه بباطل لا حق فيه من الموت
و الألفاظ التي بعده واضحة ليس فيها ما يشرح و قد تقدم ذكر نظائرها(19/244)