ألا هلك القناص و الحامل الثقلا و من لا يضن عن عشيرته فضلاو حرب أبا عثمان أطفأت نارها و لو لا هشام أوقدت حطبا جزلاو عان تريك يستكين لعلة فككت أبا عثمان عن يده الغلاألا لست كالهلكى فتبكى بكاءهم و لكن أرى الهلاك في جنبه و غلاغداة غدت تبكي ضباعة غيثنا هشاما و قد أعلت بمهلكه ضحلاأ لم تريا أن الأمانة أصعدت مع النعش إذ ولى و كان لها أهلا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 299و قال أيضا يبكيه و يرثيهو أصبح بطن مكة مقشعرا شديد المحل ليس به هشام يروح كأنه أشلاء سوط و فوق جفانه شحم ركام فللكبراء أكل كيف شاءوا و للولدان لقم و اغتنام فبكيه ضباع و لا تملي ثمال الناس إن قحط الغمام و إن بني المغيرة من قريش هم الرأس المقدم و السو ضباعة التي تذكرها الشعراء زوجة هشام و هي من بني قشير. قال الزبير بن بكار فلما قال الحارث ألا لست كالهلكى البيت عظم ذلك على بني عبد مناف فأغروا به حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي حليف بني عبد شمس و كانت قريش رضيت به و استعملته على سقائها ففر منه الحارث و قال
أفر من الأباطح كل يوم مخافة أن ينكل بي حكيم
فهدم حكيم داره فأعطاه بنو هشام داره التي بأجياد عوضا منها. و قال عبد الله بن ثور البكائي يرثيه
هريقي من دموعهما سجاما ضباع و جاوبى نوحا قياماعلى خير البرية لن تراه و لن تلقى مواهبه العظاماجواد مثل سيل الغيث يوما إذا علجانه يعلو الإكاماإذا ما كان عام ذو عرام حسبت قدوره جبلا صياما(19/235)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 300فمن للركب إذا مسوا طروقا و غلقت البيوت فلا هشاماو أوحش بطن مكة بعد أنس و مجد كان فيها قد أقامافلم أر مثله في أهل نجد و لا فيمن بغورك يا تهامقال الزبير و كان فارس قريش في الجاهلية هشام بن المغيرة و أبو لبيد بن عبدة بن حجرة بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي و كان يقال لهشام فارس البطحاء فلما هلكا كان فارسي قريش بعدهما عمرو بن عبد العامري المقتول يوم الخندق و ضرار بن الخطاب المحاربي الفهري ثم هبيرة بن أبي وهب و عكرمة بن أبي جهل المخزوميان قالوا و كان عام مات هشام تاريخا كعام الفيل و عام الفجار و عام بنيان الكعبة و كان هشام رئيس بني مخزوم يوم الفجار. قالوا و منا أبو جهل بن هشام و اسمه عمرو و كنيته أبو الحكم و إنما كناه أبا جهل رسول الله ص كان سيدا أدخلته قريش دار الندوة فسودته و أجلسته فوق الجلة من شيوخ قريش و هو غلام لم يطر شاربه و هو أحد من ساد على الصبا و الحارث بن هشام أخو أبي جهل كان شريفا مذكورا و له يقول كعب بن الأشرف اليهودي الطائي(19/236)


نبئت أن الحارث بن هشام في الناس يبني المكرمات و يجمع ليزور يثرب بالجموع و إنما يبني على الحسب القديم الأروعو هو الذي هاجر من مكة إلى الشام بأهله و ماله في خلافة عمر بن الخطاب فتبعه أهل مكة يبكون فرق و بكى و قال إنا لو كنا نستبدل دارا بدار و جارا شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 301بجار ما أردنا بكم بدلا و لكنها النقلة إلى الله عز و جل فلم يزل حابسا نفسه و من معه باام مجاهدا حتى مات. قال الزبير جاء الحارث بن هشام و سهيل بن عمرو إلى عمر بن الخطاب فجلسا عنده و هو بينهما فجعل المهاجرون الأولون و الأنصار يأتون عمر فينحيهما و يقول هاهنا يا سهيل هاهنا يا حارث حتى صارا في آخر الناس فقال الحارث لسهيل أ لم تر ما صنع بناء عمر اليوم فقال سهيل أيها الرجل إنه لا لوم عليه ينبغي أن نرجع باللوم على أنفسنا دعي القوم و دعينا فأسرعوا و أبطأنا فلما قاما من عند عمر أتياه في غد فقالا له قد رأينا ما صنعت بالأمس و علمنا أنا أتينا من أنفسنا فهل من شي ء نستدرك به فقال لا أعلم إلا هذا الوجه و شار لهما إلى ثغر الروم فخرجا إلى الشام فجاهدا بها حتى ماتا. قالوا و منا عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أمه فاطمة بنت الوليد بن المغيرة و كان شريفا سيدا و هو الذي قال لمعاوية لما قتل حجر بن عدي و أصحابه أين عزب منك حلم أبي سفيان أ لا حبستهم في السجون و عرضتهم للطاعون فقال حين غاب عني مثلك من قومي و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو الذي رغب فيه عثمان بن عفان و هو خليفة فزوجه ابنته. قالوا و منا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كان سيدا جوادا و فقيها عالما و هو الذي قدم عليه بنو أسد بن خزيمة يسألونه في دماء كانت بينهم فاحتمل عنهم أربعمائة بعير دية أربعة من القتلى و لم يكن بيده مال فقال لابنه عبد الله بن أبي بكر اذهب إلى عمك المغيرة بن عبد الرحمن فاسأله المعونة فذهب عبد الله إلى عمه فذكر له ذلك فقال المغيرة لقد أكبر(19/237)


علينا أبوك فانصرف عنه عبد الله و أقام أياما شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 302لا يذكر لأبيه شيئا و كان يقود أباه إلى المسجد و قد ذهب بصره فقال له أبوه يوما أ ذهبت إلى عمك قال نعم و سكت فعرف حين سكت أنه لن يجد عند عمه ما يحب فقال له يا بني أ لا تخبرني ما قال لك قال أ يفعل أبو هاشم و كانت كنية المغيرة بما فعل و لكن اغد غدا إلى السوق فخذ لي عينة فغدا عبد الله فتعين عينة من السوق لأبيه و باعها فأقام أيام لا يبيع أحد في السوق طعاما و لا زيتا غير عبد الله بن أبي بكر من تلك العينة فلما فرغ أمره أبوه أن يدفعها إلى الأسديين فدفعها إليهم. و كان أبو بكر خصيصا بعبد الملك بن مروان و قال عبد الملك لابنه الوليد لما حضرته الوفاة إن لي بالمدينة صديقين فاحفظني فيهما عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. و كان يقال ثلاثة أبيات من قريش توالت بالشرف خمسة خمسة و عدوا منها أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة. قالوا و منا المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كان أجود الناس بالمال و أطعمهم للطعام و كانت عينه أصيبت مع مسلمة بن عبد الملك في غزوة الروم و كان المغيرة ينحر الجزور و يطعم الطعام حيث نزل و لا يرد أحدا فجاء قوم من الأعراب فجلسوا على طعامه فجعل أحدهم يحد النظر إليه فقال له المغيرة ما لك تحد النظر إلي قال إني ليريبني عينك و سماحك بالطعام قال و مم ارتبت قال أظنك الدجال لأنا روينا أنه أعور و أنه أطعم الناس للطعام فقال المغيرة ويحك إن الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله و للمغيرة يقول الأقيشر الأسدي لما قدم الكوفة فنحر الجزر و بسط الأنطاع و أطعم الناس و صار صيته في العرب شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 30أتاك البحر طم على قريش معيرتي فقد راع ابن بشرو راع الجدي جدي التيم لما رأى المعروف منه غير نزرو من أوتار عقبة قد شفاني و رهط الحاطبي و رهط صخرفلا يغررك(19/238)


حسن الزي منهم و لا سرح ببزيون و نمر
فابن بشر عبد الله بن بشر بن مروان بن الحكم و جدي التيم حماد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله و أوتار عقبة يعني أولاد عقبة بن أبي معيط و الحاطبي لقمان بن محمد بن حاطب الجمحي و رهط صخر بنو أبي سفيان بن حرب بن أمية و كل هؤلاء كانوا مشهورين بالكوفة فلما قدمها المغيرة أخمل ذكرهم و المغيرة هذا هو الذي بلغه أن سليم بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري أراد أن يبيع المنزل الذي نزل فيه رسول الله ص مقدمه المدينة على أبي أيوب بخمسمائة دينار فأرسل إليه ألف دينار و سأله أن يبيعه إياه فباعه فلما ملكه جعله صدقة في يومه. قال الزبير و كان يزيد بن المغيرة بن عبد الرحمن يطاف به بالكوفة على العجل و كان ينحر في كل يوم جزورا و في كل جمعة جزورين و رأى يوما إحدى جفناته مكللة بالسنام تكليلا حسنا فأعجبه فسأل فقال من كللها قيل اليسع ابنك فسر و أعطاه ستين دينارا. و مر إبراهيم بن هشام على بردة المغيرة و قد أشرقت على الجفنة فقال لعبد من عبيد المغيرة يا غلام على أي شي ء نصبتم هذا الثريد على العمد قال لا و لكن على أعضاد الإبل فبلغ ذلك المغيرة فأعتق ذلك الغلام. و المغيرة هو الذي مر بحرة الأعراب فقاموا إليه فقالوا يا أبا هاشم قد فاض شرح نهجبلاغة ج : 18 ص : 304معروفك على الناس فما بالنا أشقى الخلق بك قال إنه لا مال معي و لكن خذوا هذا الغلام فهو لكم فأخذوه فبكى الغلام فقال يا مولاي خدمتي و حرمتي فقال أ تبيعوني إياه قالوا نعم فاشتراه منهم بمال ثم أعتقه و قال له و الله لا أعرضك لمثلها أبدا اذهب فأنت حر فلما عاد إلى الكوفة حمل ذلك المال إليهم. و كان المغيرة يأمر بالسكر و الجوز فيدقان و يطعمهما أصحاب الصفة المساكين و يقول إنهم يشتهون كما يشتهي غيرهم و لا يمكنهم فخرج المغيرة في سفر و معه جماعة فوردوا غديرا ليس لهم ماء غيره و كان ملحا فأمر بقرب العسل فشقت في الغدير و خيضت بمائه(19/239)

93 / 150
ع
En
A+
A-