شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 106273نَحْنُ النُّمْرُقَةُ الْوُسْطَى الَّتِي يَلْحَقُ بِهَا التَّالِي وَ إِلَيْهَا يَرْجِعُ الْغَالِيالنمرق و النمرقة بالضم فيهما وسادة صغيرة و يجوز النمرقة بالكسر فيهما و يقال للطنفسة فوق الرحل نمرقة و المعنى أن كل فضيلة فإنها مجنحة بطرفين معدودين من الرذائل كما أوضحناه آنفا و المراد أن آل محمد ع هم الأمر المتوسط بين الطرفين المذمومين فكل من جاوزهم فالواجب أن يرجع إليهم و كل من قصر عنهم فالواجب أن يلحق بهم. فإن قلت فلم استعار لفظ النمرقة لهذا المعنى قلت لما كانوا يقولون قد ركب فلان من الأمر منكرا و قد ارتكب الرأي الفلاني و كانت الطنفسة فوق الرحل مما يركب استعار لفظ النمرقة لما يراه الإنسان مذهبا يرجع إليه و يكون كالراكب له و الجالس عليه و المتورك فوقه. و يجوز أيضا أن تكون لفظة الوسطى يراد بها الفضلى يقال هذه هي الطريقة الوسطى و الخليقة الوسطى أي الفضلى و منه قوله تعالى قالَ أَوْسَطُهُمْ أي أفضلهم و منه جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 107274لَا يُقِيمُ أَمْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِلَّا مَنْ لَا يُصَانِعُ وَ لَا يُضَارِعُ وَ لَا يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَقد سبق من كلام عمر شي ء يناسب هذا إن لم يكن هو بعينه و المصانعة بذل الرشوة و في المثل من صانع بالمال لم يحتشم من طلب الحاجة. فإن قلت كان ينبغي أن يقول من لا يصانع بالفتح قلت المفاعلة تدل على كون الفعل بين الاثنين كالمضاربة و المقاتلة. و يضارع يتعرض لطلب احاجة و يجوز أن يكون من الضراعة و هي الخضوع أي يخضع لزيد ليخضع زيد له و يجوز أن يكون من المضارعة بمعنى المشابهة أي لا يتشبه بأئمة الحق أو ولاة الحق و ليس منهم. و أما اتباع المطامع فمعروف(19/220)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 108275وَ قَالَ ع وَ قَدْ تُوُفِّيَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ الْأَنْصَارِيُّ بِالْكُوفَةِ بَعْدَ مَرْجِعِهِ مِنْ صِفِّينَ مَعَهُ وَ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ لَوْ أَحَبَّنِي جَبَلٌ لَتَهَافَتَ قال الرضي رحمه الله تعالى و معنى ذلك أن المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه و لا يفعل ذلك إلا بالأتقياء الأبرار المصطفين الأخيار و هذا مثل قوله ع من أحبنا أهل البيت فليستعد للفقر جلبابا و قد يؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره
قد ثبت أن النبي ص قال له لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق
و قد ثبت أن النبي ص قال إن البلوى أسرع إلى المؤمن من الماء إلى الحدور
و في حديث آخر المؤمن ملقى و الكافي موقى
و في حديث آخر خيركم عند الله أعظمكم مصائب في نفسه و ماله و ولده
و هاتان المقدمتان يلزمهما نتيجة صادقة و هي أنه ع لو أحبه جبل لتهافت و لعل هذا هو مراد الرضي بقوله و قد يئول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 109276لَا مَالَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ وَ لَا وَحْدَةَ أَوْحَشُ مِنَ الْعُجْبِ وَ لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ وَ لَا كَرَمَ كَالتَّقْوَى وَ لَا قَرِينَ كَحُسْنِ الْخُلْقِ وَ لَا مِيرَاثَ كَالْأَدَبِ وَ لَا قَائِدَ كَالتَّوْفِيقوَ لَا تِجَارَةَ كَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَ لَا زَرْعَ كَالثَّوَابِ وَ لَا وَرَعَ كَالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ وَ لَا زُهْدَ كَالزُّهْدِ فِي الْحَرَامِ وَ لَا عِلْمَ كَالتَّفَكُّرِ وَ لَا عِبَادَةَ كَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَ لَا إِيمَانَ كَالْحَيَاءِ وَ الصَّبْرِ وَ لَا حَسَبَ كَالتَّوَاضُعِ وَ لَا شَرَفَ كَالْعِلْمِ وَ لَا عِزَّ كَالْحِلْمِ وَ لَا مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ(19/221)


قد تقدم الكلام في جميع هذه الحكم. أما المال فإن العقل أعود منه لأن الأحمق ذا المال طالما ذهب ماله بحمقه فعاد أحمق فقيرا و العاقل الذي لا مال له طالما اكتسب المال بعقله و بقي عقله عليه. و أما العجب فيوجب المقت و من مقت أفرد عن المخالطة و استوحش منه و لا ريب أن التدبير هو أفضل العقل لأن العيش كله في التدبير. و أما التقوى فقد قال الله إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 277و أما الأدب فقالت الحكماء ما ورثت الآباء أبناءها كالأدب. و أما التوفيق فمن لم يكن قائده ضل. و أما الل الصالح فإنه أشرف التجارات فقد قال الله تعالى هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. ثم عد الأعمال الصالحة. و أما الثواب فهو الربح الحقيقي و أما ربح الدنيا فشبيه بحلم النائم. و أما الوقوف عند الشبهات فهو حقيقة الورع و لا ريب أن من يزهد في الحرام أفضل ممن يزهد في المباحات كالمآكل اللذيذة و الملابس الناعمة و قد وصف الله تعالى أرباب التفكر فقال وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و قال أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا و لا ريب أن العبادة بأداء الفرائض فوق العبادة بالنوافل و الحياء مخ الإيمان و كذلك الصبر و التواضع مصيدة الشرف و ذلك هو الحسب و أشرف الأشياء العلم لأنه خاصة الإنسان و به يقع الفضل بينه و بين سائر الحيوان. و المشورة من الحزم فإن عقل غيرك تستضيفه إلى عقلك و من كلام بعض الحكماء إذا استشارك عدوك في الأمر فامحضه النصيحة في الرأي فإنه إن عمل برأيك و انتفع ندم على إفراطه في مناواتك و أفضت عداوته إلى المودة و إن خالفك و استضر عرف قدر أمانتك بنصحه و بلغت مناك في مكروهه(19/222)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 110278إِذَا اسْتَوْلَى الصَّلَاحُ عَلَى الزَّمَانِ وَ أَهْلِهِ ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ حَوْبَةٌ فَقَدْ ظَلَمَ وَ إِذَا اسْتَوْلَى الْفَسَادُ عَلَى الزَّمَانِ وَ أَهْلِهِ فَأَحْسَنَ رَجُلٌ الَنَّ بِرَجُلٍ فَقَدْ غَرَّرَ
يريد أن يتعين على العاقل سوء الظن حيث الزمان فاسد و لا ينبغي له سوء الظن حيث الزمان صالح و قد جاء في الخبر المرفوع النهي عن أن يظن المسلم بالمسلم ظن السوء و ذلك محمول على المسلم الذي لم تظهر منه حوبة كما أشار إليه علي ع و الحوبة المعصية و
الخبر هو ما رواه جابر قال نظر رسول الله ص إلى الكعبة فقال مرحبا بك من بيت ما أعظمك و أعظم حرمتك و الله إن المؤمن أعظم حرمة منك عند الله عز و جل لأن الله حرم منك واحدة و من المؤمن ثلاثة دمه و ماله و أن يظن به ظن السوء
و من كلام عمر ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجي ء ما يغلبك منه و لا تظنن بكلمة خرجت من في أخيك المسلم سوءا و أنت تجد لها في الخير محملا و من عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن. شاعر أسأت إذ أحسنت ظني بكم و الحزم سوء الظن بالناس
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 279قيل لعالم من أسوأ الناس حالا قال من لا يثق بأحد لسوء ظنه و لا يثق به أحد لسوء فعله. شاعرو قد كان حسن الظن بعض مذاهبي فأدبني هذا الزمان و أهله
قيل لصوفي ما صناعتك قال حسن الظن بالله و سوء الظن بالناس. و كان يقال ما أحسن حسن الظن إلا أن فيه العجز و ما أقبح سوء الظن إلا أن فيه الحزم. ابن المعتز(19/223)


تفقد مساقط لحظ المريب فإن العيون وجوه القلوب و طالع بوادره في الكلام فإنك تجني ثمار العيوب شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 111280وَ قِيلَ لَهُ ع كَيْفَ تَجِدُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ كَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ يَفْنَى بِبَقَائِهِ وَ يَسْقَمُ بِصِحَّتِهِ وَ يُؤْتَى مِنْ مَأْمَنِهِهذا مثل قول عبدة بن الطبيب
أرى بصري قد رابني بعد صحة و حسبك داء أن تصح و تسلماو لن يلبث العصران يوم و ليلة إذا طلبا أن يدركا من تيمما
و قال آخر
كانت قناتي لا تلين لغامز فألانها الإصباح و الإمساءو دعوت ربي بالسلامة جاهدا ليصحني فإذا السلامة داء
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 112281كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَ مَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ وَ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ وَ مَا ابْتَلَى اللَّهُ أَحَداً بِمِثْلِ الْإِمْلَاءِ لَهُقد تقدم القول في الاستدراج و الإملاء. فأما القول في فتنة الإنسان بحسن القول فيه فقد ذكرنا أيضا طرفا صالحا يتعلق بها.
و قال رسول الله ص لرجل مدح رجلا و قد مر بمجلس رسول الله ص فلم يسمع و لكن قال ويحك لكدت تضرب عنقه لو سمعها لما أفلح
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 113282هَلَكَ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ غَالٍ وَ مُبْغِضٌ قَالٍقد تقدم القول في مثل هذا و
قد قال رسول الله ص و الله لو لا أني أشفق أن تقول طوائف من أمتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بأحد من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة(19/224)

90 / 150
ع
En
A+
A-