لما فرغ ع من وصيته بأمور رعيته شرع في وصيته بأداء الفرائض التي شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 90افترضها الله عليه من عبادته و لقد أحسن ع في قوله و إن كانت كلها لله أي أن النظر في أمور الرعية مع صحة النية و سلامة الناس من الظلم من جملة العبادات و الفرائض أيضاثم قال له كاملا غير مثلوم أي لا يحملنك شغل السلطان على أن تختصر الصلاة اختصارا بل صلها بفرائضها و سننها و شعائرها في نهارك و ليلك و إن أتعبك ذلك و نال من بدنك و قوتك. ثم أمره إذا صلى بالناس جماعة ألا يطيل فينفرهم عنها و ألا يخدج الصلاة و ينقصها فيضيعها. ثم روى خبرا عن النبي ص و هو قوله ع له صل بهم كصلاة أضعفهم و قوله و كن بالمؤمنين رحيما يحتمل أن يكون من تتمة الخبر النبوي و يحتمل أن يكون من كلام أمير المؤمنين ع و الظاهر أنه من كلام أمير المؤمنين من الوصية للأشتر لأن اللفظة الأولى عند أرباب الحديث هي المشهور في الخبر(18/78)


وَ أَمَّا بَعْدَ هَذَا فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ وَ قِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ وَ الِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ وَ يَعْظُمُ الصَّغِيرُ وَ يَقْبُحُ الْحَسَنُ وَ يَحْسُنُ الْقَبِيحُ وَ يُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ وَ إِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ وَ لَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 91الْكَذِبِ وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ أَوْ مْتَلًى بِالْمَنْعِ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مَا لَا مَئُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ
نهاه عن الاحتجاب فإنه مظنة انطواء الأمور عنه و إذا رفع الحجاب دخل عليه كل أحد فعرف الأخبار و لم يخف عليه شي ء من أحوال عمله. ثم قال لم تحتجب فإن أكثر الناس يحتجبون كيلا يطلب منهم الرفد. و أنت فإن كنت جوادا سمحا لم يكن لك إلى الحجاب داع و إن كنت ممسكا فسيعم الناس ذلك منك فلا يسألك أحد شيئا. ثم قال على أن أكثر ما يسأل منك ما لا مئونة عليه في ماله كرد ظلامة أو إنصاف من خصم
ذكر الحجاب و ما ورد فيه من الخبر و الشعر(18/79)


و القول في الحجاب كثير حضر باب عمر جماعة من الأشراف منهم سهيل بن عمرو و عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس فحجبوا ثم خرج الآذن فنادى أين عمار أين سلمان أين صهيب شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 92فأدخلهم فتمعرت وجوه القوم فقال سهيل بن عمرو لم تتمعر وجوهكم دعوا و دعا فأسرعوا و أبطأنا و لئن حسدتموهم على باب عمر اليوم لأنتم غدا لهم أحسد. و استأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه فقيل له حجبك فقال لا عدمت من أهلي من إذا شاء حجبني. و حجب معاوية أبا الدرداء فقيل لأبي الدرداء حجبك معاوية فقال من يغش أبواب الملوك يهن و يكرم و من صادف بابا مغلقا عليه وجد إلى جانبه بابا مفتوحا إن سأل أعطي و إن دعا أجيب و إن يكن معاوية قد احتجب فرب معاوية لم يحتجب. و قال أبرويز لحاجبه لا تضعن شريفا بصعوبة حجاب و لا ترفعن وضيعا بسهولته ضع الرجال مواضع أخطارهم فمن كان قديما شرفه ثم ازدرعه و لم يهدمه بعد آبائه فقدمه على شرفه الأول و حسن رأيه الآخر و من كان له شرف متقدم و لم يصن ذلك حياطة له و لم يزدرعه تثمير المغارسة فألحق بآبائه من رفعة حاله ما يقتضيه سابق شرفهم و ألحق به في خاصته ما ألحق بنفسه و لا تأذن له إلا دبريا و إلا سرارا و لا تلحقه بطبقة الأولين و إذا ورد كتاب عامل من عمالي فلا تحبسه عني طرفة عين إلا أن أكون على حال لا تستطيع الوصول إلي فيها و إذا أتاك من يدعي النصيحة لنا فلتكتبها سرا ثم أدخله بعد أن تستأذن له حتى إذا كان مني بحيث أراه فادفع إلي كتابه فإن أحمدت قبلت و إن كرهت رفضت و إن أتاك عالم مشتهر بالعلم و الفضل يستأذن فأذن له فإن العلم شريف و شريف صاحبه و لا تحجبن عني أحدا من أفناء الناس إذا أخذت مجلسي مجلس العامة فإن الملك لا يحجب إلا عن ثلاث عي يكره أن يطلع عليه منه أو بخل يكره أن يدخل عليه من يسأله أو ريبة هو مصر عليها فيشفق من إبدائها شرحنهج البلاغة ج : 17 ص : 93و وقوف الناس عليها و لا بد أن يحيطوا بها(18/80)


علما و إن اجتهد في سترها و قد أخذ هذا المعنى الأخير محمود الوراق فقال إذا اعتصم الوالي بإغلاق بابه و رد ذوي الحاجات دون حجابه ظننت به إحدى ثلاث و ربما رجمت بظن واقع بصوابه أقول به مس من العي ظاهر ففي إذنه للناس إظهار ما به فإن لم يكن عي اللسان فغالب من البخل يحمى ماله عن طلابه و إن لم يكن لا ذا و لا ذا فريبة يكتمها مستوريابه
أقام عبد العزيز بن زرارة الكلابي على باب معاوية سنة في شملة من صوف لا يأذن له ثم أذن له و قربه و أدناه و لطف محله عنده حتى ولاه مصر فكان يقال استأذن أقوام لعبد العزيز بن زرارة ثم صار يستأذن لهم و قال في ذلك
دخلت على معاوية بن حرب و لكن بعد يأس من دخول و ما نلت الدخول عليه حتى حللت محلة الرجل الذليل و أغضيت الجفون على قذاها و لم أنظر إلى قال و قيل و أدركت الذي أملت منه و حرمان المنى زاد العجو يقال إنه قال له لما دخل عليه أمير المؤمنين دخلت إليك بالأمل و احتملت جفوتك بالصبر و رأيت ببابك أقواما قدمهم الحظ و آخرين أخرهم الحرمان فليس ينبغي للمقدم أن يأمن عواقب الأيام و لا للمؤخر أن ييأس من عطف الزمان. و أول المعرفة الاختبار فابل و اختبر إن رأيت و كان يقال لم يلزم باب السلطان أحد فصبر على ذل الحجاب و كلام البواب و ألقى الأنف و حمل الضيم و أدام الملازمة إلا وصل إلى حاجته أو إلى معظمها. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 94قال عبد الملك لحاجبه إنك عين أنظر بها و جنة أستلئم بها و قد وليتك ما وراء بابي فما ذتراك صانعا برعيتي قال أنظر إليهم بعينك و أحملهم على قدر منازلهم عندك و أضعهم في إبطائهم عن بابك و لزوم خدمتك مواضع استحقاقهم و أرتبهم حيث وضعهم ترتيبك و أحسن إبلاغهم عنك و إبلاغك عنهم قال لقد وفيت بما عليك و لكن إن صدقت ذلك بفعلك و قال دعبل و قد حجب عن باب مالك بن طوق(18/81)


لعمري لئن حجبتني العبيد لما حجبت دونك القافيه سأرمي بها من وراء الحجاب شنعاء تأتيك بالداهيه تصم السميع و تعمي البصير و يسأل من مثلها العافيو قال آخر
سأترك هذا الباب ما دام إذنه على ما أرى حتى يلين قليلافما خاب من لم يأته مترفعا و لا فاز من قد رام فيه دخولاإذا لم نجد للإذن عندك موضعا وجدنا إلى ترك المجي ء سبيلاو كتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف الكاتب و قد حجبه
و إن عدت بعد اليوم إني لظالم سأصرف وجهي حيث تبغي المكارم متى يفلح الغادي إليك لحاجة و نصفك محجوب و نصفك نائميعني ليله و نهاره. استأذن رجلان على معاوية فأذن لأحدهما و كان أشرف منزلة من الآخر ثم أذن للآخر فدخل فجلس فوق الأول فقال معاوية إن الله قد ألزمنا تأديبكم شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 95كما ألزمنا رعايتكم و أنا لم نأذن له قبلك و نحن نريد أن يكون مجلسه دونك ف لا أقام الله لك وزنا و قال بشار
تأبى خلائق خالد و فعاله إلا تجنب كل أمر عائب و إذا أتينا الباب وقت غدائه أدنى الغداء لنا برغم الحاجبو قال آخر يهجو
يا أميرا على جريب من الأر ض له تسعة من الحجاب قاعد في الخراب يحجب عنا ما سمعنا بحاجب في خرابو كتب بعضهم إلى جعفر بن محمد بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب
أبا جعفر إن الولاية إن تكن منبلة قوسا فأنت لها نبل فلا ترتفع عنا لأمر وليته كما لم يصغر عندنا شأنك العزلو من جيد ما مدح به بشر بن مروان قول القائل
بعيد مراد الطرف ما رد طرفه حذار الغواشي باب دار و لا سترو لو شاء بشر كان من دون بابه طماطم سود أو صقالبة حمرو لكن بشرا يستر الباب للتي يكون لها في غبها الحمد و الأجر
و قال بشار(18/82)

9 / 150
ع
En
A+
A-