و من كلام عمر المدح هو الذبح قالوا لأن المذبوح ينقطع عن الحركة و الأعمال و كذلك الممدوح يفتر عن العمل. و يقول قد حصل في القلوب و النفوس ما استغنى به عن الحركة و الجد. و من أمثال الفلاحين إذا طار لك صيت بين الحصادة فاكسر منجلك. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 7و قال مطرف بن الشخير ما سمعت من ثناء أحد علي أو مدحة أحد لي إلا و تصاغرت إلي نفسي و قال زياد بن أبي مسلم ليس أحد سمع ثناء أحد عليه إلا و تراءى له شيطان و لكن المؤمن يراجع. فلما ذكر كلامهما لابن المبارك قال صدقا أما قول زياد فتلك قلوب العوام و أما قول مطرف فتلك قلوب الخواص
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 97258وَ قَالَ ع لَا يَسْتَقِيمُ قَضَاءُ الْحَوَائِجِ إِلَّا بِثَلَاثٍ بِاسْتِصْغَارِهَا لِتَعْظُمَ وَ بِاسْتِكْتَامِهَا لِتَظْهَرَ وَ بِتَعْجِيلِهَا لِتَهْنُؤَقد تقدم لنا قول مستقصى في هذا النحو و في الحوائج و قضائها و استنجاحها. و
قد جاء في الحديث المرفوع استعينوا على حاجاتكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود
و قال خالد بن صفوان لا تطلبوا الحوائج في غير حينها و لا تطلبوها إلى غير أهلها و لا تطلبوا ما لستم له بأهل فتكونوا للمنع خلقاء. و كان يقال لكل شي ء أس و أس الحاجة تعجيل أروح من التأخير. و قال رجل لمحمد بن الحنفية جئتك في حويجة قال فاطلب لها رجيلا. و قال شبب بن شبة بن عقال أمران لا يجتمعان إلا وجب النجح و هما العاقل لا يسأل إلا ما يجوز و العاقل لا يرد سائله عما يمكن. و كان يقال من استعظم حاجة أخيه إليه بعد قضائها امتنانا بها فقد استصغر نفسه. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 259و قال أبو تمام في المطلو كان المطل في بدء و عود دخانا للصنيعة و هي نارنسيب البخل مذ كانا و إلا يكن نسب فبينهما جوارلذلك قيل بعض المنع أدنى إلى جود و بعض الجود عار(19/210)
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 98260يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُقَرَّبُ فِيهِ إِلَّا الْمَاحِلُ وَ لَا يُظَرَّفُ فِيهِ إِلَّا الْفَاجِرُ وَ لَا يُضَعَّفُ فِيهِ إِلَّا الْمُنْصِفُ يَعُدُّونَ الصَّدَقَةَ فِيهِ غُرْماً وَ صِلَةَ الرَّحِمِ مَنّاً وَ الِبَادَةَ اسْتِطَالَةً عَلَى النَّاسِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ السُّلْطَانُ بِمَشُورَةِ الْإِمَاءِ وَ إِمَارَةِ الصِّبْيَانِ وَ تَدْبِيرِ الْخِصْيَانِ
المحل المكر و الكيد يقال محل به إذا سعى به إلى السلطان فهو ماحل و محول و المماحلة المماكرة و المكايدة. قوله و لا يظرف فيه إلا الفاجر لا يعد الناس الإنسان ظريفا إلا إذا كان خليعا ماجنا متظاهرا بالفسق. و قوله و لا يضعف فيه إلا المنصف أي إذا رأوا إنسانا عنده ورع و إنصاف في معاملته الناس عدوه ضعيفا و نسبوه إلى الركة و الرخاوة و ليس الشهم عندهم إلا الظالم. ثم قال يعدون الصدقة غرما أي خسارة و يمنون إذا وصلوا الرحم شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 261و إذا كانوا ذوي عبادة استطالوا بها على الناس و تبجحوا بها و أعجبتهم فسهم و احتقروا غيرهم. قال فعند ذلك يكون السلطان و الحكم بين الرعايا بمشورة الإماء إلى آخر الفصل و هو من باب الإخبار عن الغيوب و هي إحدى آياته و المعجزات المختص بها دون الصحابة(19/211)
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 99262وَ قَالَ ع وَ قَدْ رُئِيَ عَلَيْهِ إِزَارٌ خَلَقٌ مَرْقُوعٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ يَخْشَعُ لَهُ الْقَلْبُ وَ تَذِلُّ بِهِ النَّفْسُ وَ يَقْتَدِي بِهِ الْمُؤْمِنُونَقد تقدم القول في هذا الباب و ذكرنا أن الحكماء و العارفين فيه على قسمين منهم من آثر لبس الأدنى على الأعلى و منهم من عكس الحال و كان عمر بن الخطاب من أصحاب المذهب الأول و كذلك أمير المؤمنين و هو شعار عيسى ابن مريم ع كان يلبس الصوف و غليظ الثياب و كان رسول الله ص يلبس النوعين جميعا و أكثر لبسه كان الجيد من الثياب مثل أبراد اليمن و ما شاكل ذلك و كانت ملحفته مورسة حتى أنها لتردع على جلده كما جاء في الحديث. و رئي محمد بن الحنفية ع واقفا بعرفات على برذون أصفر و عليه مطرف خز أصفر و
جاء فرقد السبخي إلى الحسن و على الحسن مطرف خز فجعل ينظر إليه و على فرقد ثياب صوف فقال الحسن ما بالك تنظر إلي و علي ثياب أهل الجنة شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 263و عليك ثياب أهل النار إن أحدكم ليجعل الزهد في ثيابه و الكبر في صدره فلهو أشد عجبا بصوفه من صاحالمطرف(19/212)
و قال ابن السماك لأصحاب الصوف إن كان لباسكم هذا موافقا لسرائركم فلقد أحببتم أن يطلع الناس عليها و لئن كان مخالفا لها لقد هلكتم. و كان عمر بن عبد العزيز على قاعدة عمر بن الخطاب في ملبوسه و كان قبل الخلافة يلبس الثياب المثمنة جدا كان يقول لقد خفت أن يعجز ما قسم الله لي من الرزق عما أريده من الكسوة و ما لبست ثوبا جديدا قط إلا و خيل لي حين يراه الناس أنه سمل أو بال فلما ولي الخلافة ترك ذلك كله. و روى سعيد بن سويد قال صلى بنا عمر بن عبد العزيز الجمعة ثم جلس و عليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه و من خلفه فقال له رجل إن الله أعطاك يا أمير المؤمنين فلو لبست فنكس مليا ثم رفع رأسه فقال إن أفضل القصد ما كان عند الجدة و أفضل العفو ما كان عند المقدرة. و روى عاصم بن معدلة كنت أرى عمر بن عبد العزيز قبل الخلافة فأعجب من حسن لونه و جودة ثيابه و بزته ثم دخلت عليه بعد أن ولي و إذا هو قد احترق و اسود و لصق جلده بعظمه حتى ليس بين الجلد و العظم لحم و إذا عليه قلنسوة بيضاء قد اجتمع قطنها و يعلم أنها قد غسلت و عليه سحق أنبجانية قد خرج سداها و هو على شاذكونة قد لصقت بالأرض تحت الشاذكونة عباءة قطوانية من مشاقة الصوف و عنده رجل يتكلم فرفع صوته فقال له عمر اخفض قليلا من صوتك فإنما يكفي الرجل من الكلام قدر ما يسمع صاحبه. و روى عبيد بن يعقوب أن عمر بن عبد العزيز كان يلبس الفرو الغليظ من الثياب و كان سراجه على ثلاث قصبات فوقهن طين
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 100264إِنَّ الدُّنْيَا وَ الآْخِرَةَ عَدُوَّانِ مُتَفَاوِتَانِ وَ سَبِيلَانِ مُخْتَلِفَانِ فَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وَ تَوَلَّاهَا أَبْغَضَ الآْخِرَةَ وَ عَادَاهَا وَ هُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ مَاشٍ بَيَهُمَا كُلَّمَا قَرُبَ مِنْ وَاحِدٍ بَعُدَ مِنَ الآْخَرِ وَ هُمَا بَعْدُ ضَرَّتَانِ(19/213)
هذا الفصل بين في نفسه لا يحتاج إلى شرح و ذلك لأن عمل كل واحد من الدارين مضاد لعمل الأخرى فعمل هذه الاكتساب و الاضطراب في الرزق و الاهتمام بأمر المعاش و الولد و الزوجة و ما ناسب ذلك و عمل هذه قطع العلائق و رفض الشهوات و الانتصاب للعبادة و صرف الوجه عن كل ما يصد عن ذكر الله تعالى و معلوم أن هذين العملين متضادان فلا جرم كانت الدنيا و الآخرة ضرتين لا يجتمعان
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 101265وَ عَنْ نَوْفٍ الْبَكَّائِيِّ وَ قِيلَ الْبَكَالِيِّ بِاللَّامِ وَ هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع ذَاتَ لَيْلَةٍ وَ قَدْ خَرَجَ مِنْ فِرَاشِهِ فَنَظَرَ إِلَى النُّجُومِ فَقَالَ يَا نَوْفُ أَ رَاقٌ أَنْتَ أَمْ رَامِقٌ قُلْتُ بَلْ رَامِقٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ يَا نَوْفُ طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبِينَ فِي الآْخِرَةِ أُولَئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطاً وَ تُرَابَهَا فِرَاشاً وَ مَاءَهَا طِيباً وَ الْقُرْآنَ شِعَاراً وَ الدُّعَاءَ دِثَاراً ثُمَّ قَرَضُوا الدُّنْيَا قَرْضاً عَلَى مِنْهَاجِ الْمَسِيحِ يَا نَوْفُ إِنَّ دَاوُدَ ع قَامَ فِي مِثْلِ هَذِهِ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ إِنَّهَا لَسَاعَةٌ لَا يَدْعُو فِيهَا عَبْدٌ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَشَّاراً أَوْ عَرِيفاً أَوْ شُرْطِيّاً أَوْ صَاحِبَ عَرْطَبَةٍ وَ هِيَ الطُّنْبُورُ أَوْ صَاحِبَ كُوبَةٍ وَ هِيَ الطَّبْلُ وَ قَدْ قِيلَ أَيْضاً إِنَّ الْعَرْطَبَةَ الطَّبْلُ وَ الْكُوبَةَ الطُّنْبُورُ
قال صاحب الصحاح نوف البكالي كان صاحب علي ع. و قال ثعلب هو منسوب إلى قبيلة تدعى بكالة و لم يذكر من أي العرب هي و الظاهر أنها من اليمن و أما بكيل فحي من همدان و إليهم أشار الكميت بقوله
فقد شركت فيه بكيل و أرحب(19/214)