الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول و هي المحل الثاني فإذا هما اجتمعا لنفس مرة بلغت من العلياء كل مكان و لربما طعن الفتى أقرانه بالرأي قبل تطاعن الأقران لو لا العقول لكان أدنى ضيغم أدنى إلى شرف من الإنسان و لما تفاضلت الرجال و دبرت أيدي الكماة عوالي المو من وصايا أبرويز إلى ابنه شيرويه لا تستعمل على جيشك غلاما غمرا ترفا قد كثر إعجابه بنفسه و قلت تجاربه في غيره و لا هرما كبيرا مدبرا قد أخذ الدهر من عقله كما أخذت السن من جسمه و عليك بالكهول ذوي الرأي. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 238و قال لقيط بن يعمر الإيي في هذا المعنى
و قلدوا أمركم لله دركم رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعالا مترفا إن رخاء العيش ساعده و لا إذا عض مكروه به خشعاما زال يحلب هذا الدهر أشطره يكون متبعا طورا و متبعاحتى استمر على شزر مريرته مستحكم الرأي لا قحما و لا ضرعا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 84239عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ وَ مَعَهُ الِاسْتِغْفَارُقالوا الاستغفار حوارس الذنوب. و قال بعضهم العبد بين ذنب و نعمة لا يصلحهما إلا الشكر و الاستغفار. و قال الربيع بن خثعم لا يقولن أحدكم أستغفر الله و أتوب إليه فيكون ذنبا و كذبا إن لم يفعل و لكن ليقل اللهم اغفر لي و تب علي. و قال الفضيل الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين. و قيل من قدم الاستغفار على الندم كان مستهزئا بالله و هو لا يعلم(19/200)
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 85240وَ حَكَى عَنْهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ ع أَنَّهُ كَانَ ع قَالَ كَانَ فِي الْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَ قَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا فَدُونَكُمُ الْآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِهِ أَمَّا الْأَمنُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أَمَّا الْأَمَانُ الْبَاقِي فَالِاسْتِغْفَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
قال الرضي رحمه الله تعالى و هذا من محاسن الاستخراج و لطائف الاستنباط
قال قوم من المفسرين وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ في موضع الحال و المراد نفي الاستغفار عنهم أي لو كانوا ممن يستغفرون لما عذبهم و هذا مثل قوله تعالى وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ فكأنه قال لكنهم لا يستغفرون فلا انتفاء للعذاب عنهم. و قال قوم معناه و ما كان الله معذبهم و فيهم من يستغفروهم المسلمون بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله ص من المستضعفين. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 241ثم قال وَ ما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ أي و لأي سبب لا يعذبهم الله مع وجود ما يقتضي العذاو هو صدهم المسلمين و الرسول عن البيت في عام الحديبية و هذا يدل على أن ترتيب القرآن ليس على ترتيب الوقائع و الحوادث لأن سورة الأنفال نزلت عقيب وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة و صد الرسول ص عن البيت كان في السنة السادسة فكيف يجعل آية نزلت في السنة السادسة في سورة نزلت في السنة الثانية. و في القرآن كثير من ذلك و إنما رتبه قوم من الصحابة في أيام عثمان(19/201)
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 86242مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَصْلَحَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ النَّاسِ وَ مَنْ أَصْلَحَ أَمْرَ آخِرَتِهِ أَصْلَحَ اللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ كَانَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَاعِظٌ كَانَ عَلَيْهِ مِناللَّهِ حَافِظٌ
مثل الكلمة الأولى قولهم رضا المخلوقين عنوان رضا الخالق و
جاء في الحديث المرفوع ما من وال رضي الله عنه إلا أرضى عنه رعيته
و مثل الكلمة الثانية دعاء بعضهم في قوله
أنا شاكر أنا مادح أنا حامد أنا خائف أنا جائع أنا عارهي ستة و أنا الضمين بنصفها فكن الضمين بنصفها يا باري
و مثل الكلمة الثالثة قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ(19/202)
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 87243الْفَقِيهُ كُلُّ الْفَقِيهِ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَ لَمْ يُؤْيِسْهُمْ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَ لَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ مَكْرِ اللَّهِقل موضع من الكتاب العزيز يذكر فيه الوعيد إلا و يمزجه بالوعد مثل أن يقول إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ ثم يقول وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ و الحكمة تقتضي هذا ليكون المكلف مترددا بين الرغبة و الرهبة. و يقولون في الأمثال المرموزة لقي موسى و هو ضاحك مستبشر عيسى و هو كالح قاطب فقال عيسى ما لك كأنك آمن من عذاب الله فقال موسى ع ما لك كأنك آيس من روح الله فأوحى الله إليهما موسى أحبكما إلي شعارا فإني عند حسن ظن عبدي بي. و اعلم أن أصحابنا و إن قالوا بالوعيد فإنهم لا يؤيسون أحدا و لا يقنطونه من رحمة الله و إنما يحثونه على التوبة و يخوفونه إن مات من غير توبة و بحق ما قال شيخنا أبو الهذيل لو لا مذهب الإرجاء لما عصي الله في الأرض و هذا لا ريب فيه فإن أكثر العصاة إنما يعولون على الرحمة و قد اشتهر شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 244و استفاض بين الناس أن الله تعالى يرحم المذين فإنه و إن كان هناك عقاب فأوقاتا معدودة ثم يخرجون إلى الجنة و النفوس تحب الشهوات العاجلة فتهافت الناس على المعاصي و بلوغ الشهوات و المآرب معولين على ذلك فلو لا قول المرجئة و ظهوره بين الناس لكان العصيان إما معدوما أو قليلا جدا(19/203)
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 88245أَوْضَعُ الْعِلْمِ مَا وُقِفَ عَلَى اللِّسَانِ وَ أَرْفَعُهُ مَا ظَهَرَ فِي الْجَوَارِحِ وَ الْأَرْكَانِهذا حق لأن العالم إذا لم يظهر من علمه إلا لقلقة لسانه من غير أن تظهر منه العبادات كان عالما ناقصا فأما إذا كان يفيد الناس بألفاظه و منطقه ثم يشاهده الناس على قدم عظيمة من العبادة فإن النفع يكون به عاما تاما و ذلك لأن الناس يقولون لو لم يكن يعتقد حقيقة ما يقوله لما أدأب نفسه هذا الدأب. و أما الأول فيقولون فيه كل ما يقوله نفاق و باطل لأنه لو كان يعتقد حقيقة ما يقول لأخذ به و لظهر ذلك في حركاته فيقتدون بفعله لا بقوله فلا يشتغل أحد منهم بالعبادة و لا يهتم بها
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 89246إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِلو قال إنها تمل كما تمل الأبدان فأحمضوا كما نقل عن غيره لحمل ذلك على أنه أراد نقلها إلى الفكاهات و الأخبار و الأشعار و لكنه لم يقل ذلك و لكن قال فابتغوا لها طرائف الحكمة فوجب أن يحمل كلامه ع على أنه أراد أن القلوب تمل من الأنظار العقلية في البراهين الكلامية على التوحيد و العدل فابتغوا لها عند ملالها طرائف الحكمة أي الأمثال الحكمية الراجعة إلى الحكمة الخلقية كما نحن ذاكروه في كثير من فصول هذا الباب مثل مدح الصبر و الشجاعة و الزهد و العفة و ذم الغضب و الشهوة و الهوى و ما يرجع إلى سياسة الإنسان نفسه و ولده و منزله و صديقه و سلطانه و نحو ذلك فإن هذا علم آخر و فن آخر لا تحتاج القلوب فيه إلى فكر و استنباط فتتعب و تكل بترادف النظر و التأمل عليها و فيه أيضا لذة عظيمة للنفس. و قد جاء في إجمام النفس كثير. قال بعضهم روحوا القلوب برواتع الذكر. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص 247و
عن سلمان الفارسي أنا أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي(19/204)