أسرة المرء والداه و فيما بين حضنيهما الحياة تطيب و إذا وليا عن المرء يوما فهو في الناس أجنبي غريبو قال آخر
إذا ما مضى القرن الذي كنت فيهم و خلفت في قرن فأنت غريب
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 64211فَوْتُ الْحَاجَةِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِهَا إِلَى غَيْرِ أَهْلِهَاقد سبق هذا المعنى و ذكرنا كثيرا مما قيل فيه. و كان يقال لا تطلبوا الحوائج إلى ثلاثة إلى عبد يقول الأمر إلى غيري و إلى رجل حديث الغنى و إلى تاجر همته أن يستربح في كل عشرين دينارا حبة واحدة
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 65212لَا تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ الْقَلِيلِ فَإِنَّ الْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُهذا نوع من الحث على الإفضال و الجود لطيف و قد استعمل كثيرا في الهدية و الاعتذار لقلتها و قد تقدم منا قول شاف في مدح السخاء و الجود. و كان يقال أفضل على من شئت تكن أميره و احتج إلى من شئت تكن أسيره و استغن عمن شئت تكن نظيره. و سئل أرسطو هل من جود يستطاع أن يتناول به كل أحد قال نعم أن تنوي الخير لكل أحد
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 66213الْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ وَ الشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَىمن الأبيات المشهورة
فإذا افتقرت فلا تكن متخشعا و تجمل
و من أمثالهم المشهورة تجوع الحرة و لا تأكل بثدييها. و أنشد الأصمعي لبعضهم
أقسم بالله لمص النوى و شرب ماء القلب المالحه أحسن بالإنسان من ذله و من سؤال الأوجه الكالحه فاستغن بالله تكن ذا غنى مغتبطا بالصفقة الرابحه طوبى لمن تصبح ميزانه يوم يلاقي ربه راجو قال بعضهم وقفت على كنيف و في أسفله كناف و هو ينشد
و أكرم نفسي عن أمور كثيرة ألا إن إكرام النفوس من العقل(19/185)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 214و أبخل بالفضل المبين على الألى رأيتهم لا يكرمون ذوي الفضل و ما شانني كنس الكنيف و إنما يشين الفتى أن يجتدي نائل النذل و أقبح مما بي وقوفي مؤملا نوال فتى مثلي و أي فتى مو أما كون الشكر زينة الغنى فقد تقدم من القول ما هو كاف. و كان يقال العلم بغير عمل قول باطل و النعمة بغير شكر جيد عاطل
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 67215إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلَا تُبَلْ كَيْفَ كُنْتَقد أعجم تفسير هذه الكلمة على جماعة من الناس و قالوا المشهور في كلام الحكماء إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون و لا معنى لقوله فلا تبل كيف كنت و جهلوا مراده ع. و مراده إذا لم يكن ما تريد فلا تبل بذلك أي لا تكترث بفوت مرادك و لا تبتئس بالحرمان و لو وقف على هذا لتم الكلام و كمل المعنى و صار هذا مثل
قوله فلا تكثر على ما فاتك منها أسفا
و مثل قول الله تعالى لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ لكنه تمم و أكد فقال كيف كنت أي لا تبل بفوت ما كنت أملته و لا تحمل لذلك هما كيف كنت و على أي حال كنت من حبس أو مرض أو فقر أو فقد حبيب و على الجملة لا تبال الدهر و لا تكترث بما يعكس عليك من غرضك و يحرمك من أملك و ليكن هذا الإهوان به و الاحتقار له مما تعتمده دائما على أي حال أفضى بك الدهر إليها و هذا واضح(19/186)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 68216لَا يُرَى الْجَاهِلُ إِلَّا مُفْرِطاً أَوْ مُفَرِّطاًالعدالة هي الخلق المتوسط و هو محمود بين مذمومين فالشجاعة محفوفة بالتهور و الجبن و الذكاء بالغباوة و الجربزة و الجود بالشح و التبذير و الحلم بالجمادية و الاستشاطة و على هذا كل ضدين من الأخلاق فبينهما خلق متوسط و هو المسمى بالعدالة فلذلك لا يرى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا كصاحب الغيرة فهو إما أن يفرط فيها فيخرج عن القانون الصحيح فيغار لا من موجب بل بالوهم و بالخيال و بالوسواس و إما أن يفرط فلا يبحث عن حال نسائه و لا يبالي ما صنعن و كلا الأمرين مذموم و المحمود الاعتدال. و من كلام بعض الحكماء إذا صح العقل التحم بالأدب كالتحام الطعام بالجسد الصحيح و إذا مرض العقل نبا عنه ما يستمع من الأدب كما يقي ء الممعود ما أكل من الطعام فلو آثر الجاهل أن يتعلم شيئا من الأدب لتحول ذلك الأدب جهلا كما يتحول ما خالط جوف المريض من طيب الطعام داء شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 69217إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلَامُقد سبق القول في هذا المعنى. و كان يقال إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت و يهرب من الناس فاقربوا منه فإنه يلقى الحكمة
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 70218الدَّهْرُ يُخْلِقُ الْأَبْدَانَ وَ يُجَدِّدُ الآْمَالَ وَ يُقَرِّبُ الْمَنِيَّةَ وَ يُبَاعِدُ الْأُمْنِيَّةَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ نَصِبَ وَ مَنْ فَاتَهُ تَعِبَقد سبق لنا قول طويل عريض في ذكر الدهر و الدنيا و نذكر الآن شيئا آخر قال بعض الحكماء الدنيا تسر لتغر و تفيد لتكيد كم راقد في ظلها قد أيقظته و واثق بها قد خذلته بهذا الخلق عرفت و على هذا الشرط صوحبت. و كتب الإسكندر إلى أرسطوطاليس عظني فكتب إليه إذا صفت لك السلامة فجدد ذكر العطب و إذا اطمأن بك الأمن فاستشعر الخوف و إذا بلغت نهاية الأمل فاذكر الموت و إذا أحببت نفسك فلا تجعل لها نصيبا في الإساءة و قال شاعر فأحسن(19/187)


كأنك لم تسمع بأخبار من مضى و لم تر بالباقين ما صنع الدهرفإن كنت لا تدري فتلك ديارهم عفاها محال الريح بعدك و القطرو هل أبصرت عيناك حيا بمنزل على الدهر إلا بالعراء له قبرفلا تحسبن الوفر مالا جمعته و لكن ما قدمت من صالح وفر
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 219مضى جامعوا الأموال لم يتزودوا سوى الفقر يا بؤسى لمن زاده الفقرفحتام لا تصحو و قد قرب المدى و حتام لا ينجاب عن قلبك السكربلى سوف تصحو حين ينكشف الغطا و تذكر قولي حين لا ينفع الذكرو ما بين ميلاد الفتى و وفاته إذا انتصح الأقواأنفسهم عمرلأن الذي يأتيه شبه الذي مضى و ما هو إلا وقتك الضيق النزرفصبرا على الأيام حتى تجوزها فعما قليل بعدها يحمد الصبر
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 71220مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ وَ لْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ وَ مُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَ مُؤَدِّبُهَا أَحَُ بِالْإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَ مُؤَدِّبِهِمْ(19/188)


الفروع تابعة للأصول فإذا كان الأصل معوجا استحال أن يكون الفرع مستقيما كما قال صاحب المثل و هل يستقيم الظل و العود أعوج فمن نصب نفسه للناس إماما و لم يكن قد علم نفسه ما انتصب ليعلمه الناس كان مثل من نصب نفسه ليعلم الناس الصياغة و النجارة و هو لا يحسن أن يصوغ خاتما و لا ينجر لوحا و هذا نوع من السفه بل هو السفه كله ثم قال ع و ينبغي أن يكون تأديبه لهم بفعله و سيرته قبل تأديبه لهم بلسانه و ذلك لأن الفعل أدل على حال الإنسان من القول. ثم قال و معلم نفسه و مؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس و مؤدبهم و هذا حق لأن من علم نفسه محاسن الأخلاق أعظم قدرا ممن تعاطى تعليم الناس ذلك و هو غير عامل بشي ء منه فأما من علم نفسه و علم الناس فهو أفضل و أجل ممن اقتصر على تعليم نفسه فقط لا شبهة في ذلك شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 72221نَفَسُ الْمَرْءِ خُطَاهُ إِلَى أَجَلِهِوجدت هذه الكلمة منسوبة إلى عبد الله بن المعتز في فصل أوله الناس وفد البلاء و سكان الثرى و أنفاس الحي خطاه إلى أجله و أمله خادع له عن عمله و الدنيا أكذب واعديه و النفس أقرب أعاديه و الموت ناظر إليه و منتظر فيه أمرا يمضيه فلا أدري هل هي لابن المعتز أم أخذها من أمير المؤمنين ع. و الظاهر أنها لأمير المؤمنين ع فإنها بكلامه أشبه و لأن الرضي قد رواها عنه و خبر العدل معمول به(19/189)

83 / 150
ع
En
A+
A-