شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 54190الْغِنَى فِي الْغُرْبَةِ وَطَنٌ وَ الْفَقْرُ فِي الْوَطَنِ غُرْبَةٌقد تقدم لنا قول مقنع في الفقر و الغنى و مدحهما و ذمهما على عادتنا في ذكر الشي ء و نقيضه و نحن نذكر هاهنا زيادة على ذلك. قال رجل لبقراط ما أشد فقرك أيها الحكيم قال لو عرفت راحة الفقر لشغلك التوجع لنفسك عن التوجع لي الفقر ملك ليس عليه محاسبة. و كان يقال أضع الناس من لا يحتمل الغنى. و قيل للكندي فلان غني فقال أنا أعلم أن له مالا و لكني لا أعلم أ غني هو أم لا لأنني لا أدري كيف يعمل في ماله. قيل لابن عمر توفي زيد بن ثابت و ترك مائة ألف درهم قال هو تركها لكنها لم تتركه. و قالوا حسبك من شرف الفقر أنك لا ترى أحدا يعصي الله ليفتقر أخذه الشاعر فقال
يا عائب الفقر ألا تزدجر عيب الغنى أكبر لو تعتبرإنك تعصي الله تبغي الغنى و ليس تعصي الله كي تفتقر
و كان يقال الحلال يقطر و الحرام يسيل شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 191و قال بعض الحكماء أ لا ترون ذا الغنى ما أدوم نصبه و أقل راحته و أخس من ماله حظه و أشد من الأيام حذره و أغرى الدهر بنقصه و ثلمه ثم هو بين سلطان يرعاه و حقوق تسترعيه و أكفاء ينافسونه و ولد دون موته قد بعث الغنى عليه من سلطانه العناء و من أكفائه الحسد و من أعدائه البغي و من ذوي الحقوق الذم و من الولد الملالة و تمني الفقد لا كذي البلغة قنع فدام له السرور و رفض الدنيا فسلم من الحسد و رضي بالكفاف فكفي الحقوق
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 55192الْقَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَدُ قال الرضي رحمه الله تعالى و قد روي هذا الكلام عن النبي صقد ذكرنا نكتا جليلة الموقع في القناعة فيما تقدم و نذكر هاهنا زيادة على ذلك. فمن كلام الحكماء قاوم الفقر بالقناعة و قاهر الغنى بالتعفف و طاول عناء الحاسد بحسن الصنع و غالب الموت بالذكر الجميل. و كان يقال الناس رجلان واجد لا يكتفي و طالب لا يجد أخذه الشاعر فقال(19/175)


و ما الناس إلا واجد غير قانع بأرزاقه أو طالب غير واجد
قال رجل لبقراط و رآه يأكل العشب لو خدمت الملك لم تحتج إلى أن تأكل الحشيش فقال له و أنت إن أكلت الحشيش لم تحتج أن تخدم الملك
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 56193الْمَالُ مَادَّةُ الشَّهَوَاتِ قد تقدم لنا كلام في المال مدحا و ذما. و قال أعرابي لبنيه اجمعوا الدراهم فإنها تلبس اليلمق و تطعم الجردق. و قال أعرابي و قد نظر إلى دينار قاتلك الله ما أصغر قمتك و أكبر همتك. و من كلام الحكماما اخترت أن تحيا به فمت دونه. سئل أفلاطون عن المال فقال ما أقول في شي ء يعطيه الحظ و يحفظه اللؤم و يبلعه الكرم. و كان يقال ثلاثة يؤثرون المال على أنفسهم تاجر البحر و المقاتل بالأجرة و المرتشي في الحكم و هو شرهم لأن الأولين ربما سلما و لا سلامة للثالث من اإثم. ثم قالوا و قد سمى الله تعالى المال خيرا في قوله إِنْ تَرَكَ خَيْراً و في قوله وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ. كان عبد الرحمن بن عوف يقول حبذا المال أصون به عرضي و أقرضه ربي شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 194فيضاعفه لي و قالوا في ذم المال المال م الماء غاد و رائح طبعه كطبع الصبي لا يوقف على سبب رضاه و لا سخطه المال لا ينفعك ما لم تفارقه. و فيه قال الشاعر
و صاحب صدق ليس ينفع قربه و لا وده حتى تفارقه عمدا
و أخذ هذا المعنى الحريري فقال
و ليس يغني عنك في المضايق إلا إذا فر فرار الآبق
و قال الشاعر
أ لم تر أن المال يهلك ربه إذا جم آتيه و سد طريقه و من جاوز البحر الغزير بقحمة و سد طريق الماء فهو غريقه شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 57195مَنْ حَذَّرَكَ كَمَنْ بَشَّرَكَ هذا مثل قولهم اتبع أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك و مثله صديقك من نهاك لا من أغراك و مثله رحم الله أمرا أهدى إلي عيوبي. و التحذير هو النصح و النصح واجب و هو تعريف الإنسان ما فيه صلاحه و دفع المة عنه و(19/176)


قد جاء في الخبر الصحيح الدين النصيحة فقيل يا رسول الله لمن فقال لعامة المسلمين
و أول ما يجب على الإنسان أن يحذر نفسه و ينصحها فمن غش نفسه فقلما يحذر غيره و ينصحه و حق من استنصح أن يبذل غاية النصح و لو كان في أمر يضره و إلى ذلك وقعت الإشارة في الكتاب العزيز بقوله سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ و قال سبحانه وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى. و معنى قوله ع كمن بشرك أي ينبغي لك أن تسر بتحذيره لك كما تسر لو بشرك بأمر تحبه و أن تشكره على ذلك كما تشكره لو بشرك بأمر تحبه لأنه لو لم يكن يريد بك الخير لما حذرك من الوقوع في الشر
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 58196اللِّسَانُ سَبُعٌ إِنْ خُلِّيَ عَنْهُ عَقَرَقد تقدم لنا كلام طويل في هذا المعنى. و كان يقال إن كان في الكلام درك ففي الصمت عافية. و قالت الحكماء النطق أشرف ما خص به الإنسان لأنه صورته المعقولة التي باين بها سائر الحيوانات و لذلك قال سبحانه خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ و لم يقل و علمه بالواو لأنه سبحانه جعل قوله عَلَّمَهُ الْبَيانَ تفسيرا لقوله خَلَقَ الْإِنْسانَ لا عطفا عليه تنبيها على أن خلقه له و تخصيصه بالبيان الذي لو توهم مرتفعا لارتفعت إنسانيته و لذلك قيل ما الإنسان لو لا اللسان إلا بهيمة مهملة أو صورة ممثلة. و قال الشاعر
لسان الفتى نصف و نصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم و الدم
قالوا و الصمت من حيث هو صمت مذموم و هو من صفات الجمادات فضلا شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 197عن الحيوانات و كلام أمير المؤمنين ع و غيره من العلماء في مدح الصمت محمول على من يسي ء الكلام فيقع منه جنايات عظيمة في أمور الدين و الدنيا كما رو في الخبر أن الإنسان إذا أصبح قالت أعضاؤه للسانه اتق الله فينا فإنك إن استقمت نجونا و إن زغت هلكنا(19/177)


فأما إذا اعتبر النطق و الصمت بذاتيهما فقط فمحال أن يقال في الصمت فضل فضلا عن أن يخاير و يقايس بينه و بين الكلام
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 59198الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ اللسبة اللسعة لسبته العقرب بالفتح لسعته و لسبت العسل بالكسر أي لعقته. و قيل لسقراط أي السباع أجسر قال المرأة. و نظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة فقال ليت كل شجرة تحمل مثل هذه الرة. مرت بسقراط امرأة و هي تتشوف فقالت يا شيخ ما أقبحك فقال لو لا أنك من المرايا الصدئة لغمني ما بان من قبح صورتي فيك. و رأى بعضهم مؤدبا يعلم جارية الكتابة فقال لا تزد الشر شرا إنما تسقى سهما سما لترمي به يوما ما. و رأى بعضهم جارية تحمل نارا فقال نار على نار و الحامل شر من المحمول. و تزوج بعضهم امرأة نحيفة فقيل له في ذلك فقال اخترت من الشر أقله. كتب فيلسوف على بابه ما دخل هذا المنزل شر قط فقال له بعضهم اكتب إلا المرأة. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 199و رأى بعضهم امرأة غريقة في الماء فقال زادت الكدر كدرا و ال بالشر يهلك. و
في الحديث المرفوع استعيذوا بالله من شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر
و في كلام الحكماء أعص هواك و النساء و افعل ما شئت. دعا بعضهم لصاحبه فقال أمات الله عدوك فقال لو قلت زوج الله عدوك لكان أبلغ في الانتقام. و من الكنايات المشهورة عنهن سلاح إبليس. و
في الحديث المرفوع أنهن ناقصات عقل و دين
و قد تقدم من كلام أمير المؤمنين ع في هذا الكتاب ما هو شرح و إيضاح لهذا المعنى. و
جاء في الحديث أيضا شاوروهن و خالفوهن
و في الحديث أيضا النساء حبائل الشيطان
و في الحديث أيضا ما تركت بعدي فتنة أضر من النساء على الرجال
و في الحديث أيضا المرأة ضلع عوجاء إن داريتها استمتعت بها و إن رمت تقويمها كسرتها
و قال الشاعر في هذا المعنى(19/178)


هي الضلع العوجاء لست تقيمها ألا إن تقويم الضلوع انكسارهاأ يجمعن ضعفا و اقتدارا على الفتى أ ليس عجيبا ضعفها و اقتدارها
و من كلام بعض الحكماء ليس ينبغي للعاقل أن يمدح امرأة إلا بعد موتها. و في الأمثال لا تحمدن أمة عام شرائها و لا حرة عام بنائها. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 200و من كلام عبد الله المأمون أنهن شر كلهن و شر ما فيهن ألا غنى عنهن. و قال بعض السلف إن كيد النساء أم من كيد الشيطان لأن الله تعالى ذكر الشيطان فقال إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً. و ذكر النساء فقال إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ. و كان يقال من الفواقر امرأة سوء إن حضرتها لسبتك و إن غبت عنها لم تأمنها. و قال حكيم أضر الأشياء بالمال و النفس و الدين و العقل و العرض شدة الإغرام بالنساء و من أعظم ما يبتلى به المغرم بهن أنه لا يقتصر على ما عنده منهن و لو كن ألفا و يطمح إلى ما ليس له منهن. و قال بعض الحكماء من يحصي مساوئ النساء اجتمع فيهن نجاسة الحيض و الاستحاضة و دم النفاس و نقص العقل و الدين و ترك الصوم و الصلاة في كثير من أيام العمر ليست عليهن جماعة و لا جمعة و لا يسلم عليهن و لا يكون منهن إمام و لا قاض و لا أمير و لا يسافرن إلا بولي. و كان يقال ما نهيت امرأة عن أمر إلا أتته. و في هذا المعنى يقول طفيل الغنوي(19/179)

81 / 150
ع
En
A+
A-