شرطته قم فقد أوذيت أمير المؤمنين فقال عمر و الله إنك لأشد أذى لي بكلامك هذا منه. و من حمقى العرب و جهلائهم كلاب بن صعصعة خرج إخوته يشترون خيلا فخرج معهم فجاء بعجل يقوده فقيل له ما هذا فقال فرس اشتريته قالوا يا مائق هذه بقرة أ ما ترى قرنيها فرجع إلى منزله فقطع قرنيها ثم قادها فقال لهم قد أعدتها فرسا كما تريدون فأولاده يدعون بني فارس البقرة. و كان شذرة بن الزبرقان بن بدر من الحمقى جاء يوم الجمعة إلى المسجد الجامع فأخذ بعضادتي الباب ثم رفع صوته سلام عليكم أ يلج شذرة فقيل له هذا يوم لا يستأذن فيه فقال أ و يلج مثلي على قوم و لم يعرف له مكانه. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 166و استعمل معاوية عاملا من كلب فخطب يوما فذكر المجوس فقال لعنهم الله ينكحون أمهاتهم و الله لو أعطيت عشرة آلاف درهم ما نكحت أمي لغ ذلك معاوية فقال قبحه الله أ ترونه لو زادوه فعل و عزله. و شرد بعير لهبنقة و اسمه يزيد بن شروان فجعل ينادي لمن أتى به بعيران فقيل له كيف تبذل ويلك بعيرين في بعير فقال لحلاوة الوجدان. و سرق من أعرابي حمار فقيل له أ سرق حمارك قال نعم و أحمد الله فقيل له على ما ذا تحمده قال كيف لم أكن عليه. و خطب وكيع بن أبي سود بخراسان فقال إن الله خلق السماوات و الأرض في ستة أشهر فقيل له إنها ستة أيام فقال و الله لقد قلتها و أنا أستقلها. و أجريت خيل فطلع فيها فرس سابق فجعل رجل من النظارة يكبر و يثبت من الفرح فقال له رجل إلى جانبه يا فتى أ هذا الفرس السابق لك قال لا و لكن اللجام لي. و قيل لأبي السفاح الأعرابي عند موته أوص فقال إنا الكرام يوم طخفة قالوا قل خيرا يا أبا السفاح قال إن أحبت امرأتي فأعطوها بعيرا قالوا قل خيرا قال إذا مات غلامي فهو حر. و قيل لرجل عند موته قل لا إله إلا الله فأعرض فأعادوا عليه مرارا فقال لهم أخبروني عن أبي طالب قالها عند موته قالوا و ما أنت و أبو طالب فقال أرغب بنفسي عن ذلك(19/160)
الشريف.
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 167و قيل لآخر عند موته أ لا توصي فقال أنا مغفور لي قالوا قل إن شاء الله قال قد شاء الله ذلك قالوا يا هذا لا تدع الوصية فقال لابني أخيه يا ابني حريث ارفعا وسادي و احتفظا بالحلة الجياد فإنما حولكما الأعادي. و قيل لمعلم بن معلم ملك أحمق فقال لو لم أكن أحمق لكنت ولد زنا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 41168وَ قَالَ ع لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ فِي عِلَّةٍ اعْتَلَّهَا جَعَلَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْكَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ الْمَرَضَ لَا أَجْرَ فِيهِ وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ السَّيِّئَاتِ وَ يَحُتُّهَا حَتَّ الْأَوَاقِ وَ إِنَّمَا الْأَجْرُ فِي الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَ الْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ الْأَقْدَامِ وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَ السَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْجَنَّةَ
قال الرضي رحمه الله تعالى و أقول صدق ع إن المرض لا أجر فيه لأنه من قبيل ما يستحق عليه العوض لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل الله تعالى بالعبد من الآلام و الأمراض و ما يجري مجرى ذلك و الأجر و الثواب يستحقان على ما كان في مقابل فعل العبد فبينهما فرق قد بينه ع كما يقتضيه علمه الثاقب و رأيه الصائب(19/161)
ينبغي أن يحمل كلام أمير المؤمنين ع في هذا الفصل على تأويل يطابق ما تدل عليه العقول و ألا يحمل على ظاهره و ذلك لأن المرض إذا استحق عليه الإنسان شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 169العوض لم يجز أن يقال إن العوض يحط السيئات بنفسه لا على قول أصحابنا و لا على قول امامية أما الإمامية فإنهم مرجئة لا يذهبون إلى التحابط و أما أصحابنا فإنهم لا تحابط عندهم إلا في الثواب و العقاب فأما العقاب و العوض فلا تحابط بينهما لأن التحابط بين الثواب و العقاب إنما كان باعتبار التنافي بينهما من حيث كان أحدهما يتضمن الإجلال و الإعظام و الآخر يتضمن الاستخفاف و الإهانة و محال أن يكون الإنسان الواحد مهانا معظما في حال واحدة و لما كان العوض لا يتضمن إجلالا و إعظاما و إنما هو نفع خالص فقط لم يكن منافيا للعقاب و جاز أن يجتمع للإنسان الواحد في الوقت الواحد كونه مستحقا للعقاب و العوض إما بأن يوفر العوض عليه في دار الدنيا و إما بأن يوصل إليه في الآخرة قبل عقابه إن لم يمنع الإجماع من ذلك في حق الكافر و إما أن يخفف عليه بعض عقابه و يجعل ذلك بدلا من العوض الذي كان سبيله أن يوصل إليه و إذا ثبت ذلك وجب أن يجعل كلام أمير المؤمنين ع على تأويل صحيح و هو الذي أراده ع لأنه كان أعرف الناس بهذه المعاني و منه تعلم المتكلمون علم الكلام و هو أن المرض و الألم يحط الله تعالى عن الإنسان المبتلى به ما يستحقه من العقاب على معاصيه السالفة تفضلا منه سبحانه فلما كان إسقاط العقاب متعقبا للمرض و واقعا بعده بلا فصل جاز أن يطلق اللفظ بأن المرض يحط السيئات و يحتها حت الورق كما جاز أن يطلق اللفظ بأن الجماع يحبل المرأة و بأن سقي البذر الماء ينبته إن كان الولد و الزرع عند المتكلمين وقعا من الله تعالى على سبيل الاختيار لا على الإيجاب و لكنه أجرى العادة و أن يفعل ذلك عقيب الجماع و عقيب سقي البذر الماء. فإن قلت أ يجوز أن يقال إن الله تعالى يمرض(19/162)
الإنسان المستحق للعقاب و يكون إنما أمرضه ليسقط عنه العقاب لا غير.
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 170قلت لا لأنه قادر على أن يسقط عنه العقاب ابتداء و لا يجوز إنزال الألم إلا حيث لا يمكن اقتناص العوض المجزى به إليه إلا بطريق الألم و إلا كان فعل الألم عبثا أ لا ترى أنه لا يجوز أن يستحق زيد على عمرو ألف درهم فيضربه و يقول إنمأضربه لأجعل ما يناله من ألم الضرب مسقطا لما استحقه من الدراهم عليه و تذمه العقلاء و يسفهونه و يقولون له فهلا وهبتها له و أسقطتها عنه من غير حاجة إلى أن تضربه و تؤلمه و البحث المستقصى في هذه المسائل مذكور في كتبي الكلامية فليرجع إليها و أيضا فإن الآلام قد تنزل بالأنبياء و ليسوا ذوي ذنوب و معاص ليقال إنها تحطها عنهم. فأما قوله ع و إنما الأجر في القول إلى آخر الفصل فإنه ع قسم أسباب الثواب أقساما فقال لما كان المرض لا يقتضي الثواب لأنه ليس فعل المكلف و إنما يستحق المكلف الثواب على ما كان من فعله وجب أن يبين ما الذي يستحق به المكلف الثواب و الذي يستحق المكلف به ذلك أن يفعل فعلا إما من أفعال الجوارح و إما من أفعال القلوب فأفعال الجوارح إما قول باللسان أو عمل ببعض الجوارح و عبر عن سائر الجوارح عدا اللسان بالأيدي و الأقدام لأن أكثر ما يفعل بها و إن كان قد يفعل بغيرها نحو مجامعة الرجل زوجته إذا قصد به تحصينها و تحصينه عن الزناء و نحو أن ينحي حجرا ثقيلا برأسه عن صدر إنسان قد يقتله و غير ذلك و أما أفعال القلوب فهي العزوم و الإرادات و النظر و العلوم و الظنون و الندم فعبر ع عن جميع ذلك بقوله بصدق النية و السريرة الصالحة و اكتفى بذلك عن تعديد هذه الأجناس. فإن قلت فإن الإنسان قد يستحق الثواب على ألا يفعل القبيح و هذا يخرم الحصر الذي حصره أمير المؤمنين قلت يجوز أن يكون يذهب مذهب أبي علي في أن القادر بقدرة لا يخلو عن الأخذ و الترك(19/163)
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 42171وَ قَالَ ع فِي ذِكْرِ خَبَّابٍ رَحِمَ اللَّهُ خَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ فَلَقَدْ أَسْلَمَ رَاغِباً وَ هَاجَرَ طَائِعاً وَ عَاشَ مُجَاهِداً طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ الْمَعَادَ وَ عَمِلَ لِلْحِسَابِ وَ قَنِعَ بِالْكَفَافِ وَ رَضَ عَنِ اللَّهِ
خباب بن الأرت
هو خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم يكنى أبا عبد الله و قيل أبا محمد و قيل أبا يحيى أصابه سبي فبيع بمكة. و كانت أمه ختانة و خباب من فقراء المسلمين و خيارهم و كان به مرض و كان في الجاهلية قينا حدادا يعمل السيوف و هو قديم الإسلام قيل إنه كان سادس ستة و شهد بدرا و ما بعدها من المشاهد و هو معدود في المعذبين في الله سأله عمر بن الخطاب شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 172أيام خلافته ما لقيت من أهل مكة فقال انظر إلى ظهري فنظر فقال ما رأيت كاليوم ظهر رجل فقال خباب أوقدوا لي نارا سحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري. و جاء خباب إلى عمر فجعل يقول ادنه ادنه ثم قال له ما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا أن يكون عمار بن ياسر نزل خباب إلى الكوفة و مات بها في سنة سبع و ثلاثين و قيل سنة تسع و ثلاثين بعد أن شهد مع أمير المؤمنين علي ع صفين و نهروان و صلى عليه علي ع و كانت سنه يوم مات ثلاثا و سبعين سنة و دفن بظهر الكوفة. و هو أول من دفن بظهر الكوفة و عبد الله بن خباب هو الذي قتلته الخوارج فاحتج علي ع به و طلبهم بدمه و قد تقدم ذكر ذلك(19/164)