. و قال بعض الحكماء ينبغي للإنسان أن يوكل بنفسه كالئين أحدهما يكلؤه من أمامه و الآخر يكلؤه من ورائه و هما عقله الصحيح و أخوه النصيح فإن عقله و إن صح فلن يبصره من عيبه إلا بمقدار ما يرى الرجل من وجهه في المرآة و يخفى عليه ما خلفه و أما أخوه النصيح فيبصره ما خلفه و ما أمامه أيضا. و كتب ظريف إلى صديق له أني غير محمود على الانقياد إليك لأني صادقتك من جوهر نفسي و النفس يتبع بعضها بعضا. و
في الحديث المرفوع إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه
و قال الأحنف خير الإخوان من إذا استغنيت عنه لم يزدك ودا و إن احتجت إليه لم ينقصك. و قال أعشى باهلة يرثي المنتشر بن وهب
إما سلكت سبيلا كنت سالكها فاذهب فلا يبعدنك الله منتشرمن ليس في خيره شر ينكده على الصديق و لا في صفوه كدر
و قال آخر يرثي صديقا له
أخ طالما سرني ذكره و أصبحت أشجى لدى ذكره و قد كنت أغدو إلى قصره فأصبحت أغدو إلى قبره و كنت أراني غنيا به عن الناس لو مد في عمره إذا جئته طالبا حاجة فأمري يجوز على أمره
رأى بعض الحكماء مصطحبين لا يفترقان فسأل عنهما فقيل صديقان قال فما بال أحدهما غنيا و الآخر فقيرا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 13115وَ قَالَ ع فِي الَّذِينَ اعْتَزَلُوا الْقِتَالَ مَعَهُ خَذَلُوا الْحَقَّ وَ لَمْ يَنْصُرُوا الْبَاطِلَ(19/105)


قد سبق ذكر هؤلاء فيما تقدم و هم عبد الله بن عمر بن الخطاب و سعد بن أبي وقاص و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و أسامة بن زيد و محمد بن مسلمة و أنس بن مالك و جماعة غيرهم. و قد ذكر شيخنا أبو الحسين في الغرر أن أمير المؤمنين ع لما دعاهم إلى القتال معه و اعتذروا بما اعتذروا به قال لهم أ تنكرون هذه البيعة قالوا لا لكنا لا نقاتل فقال إذا بايعتم فقد قاتلتم قال فسلموا بذلك من الذم لأن إمامهم رضي عنهم. و معنى قوله خذلوا الحق و لم ينصروا الباطل أي خذلوني و لم يحاربوا معي معاوية و بعض أصحابنا البغداديين يتوقف في هؤلاء و إلى هذا القول يميل شيخنا أبو جعفر الإسكافي
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 14116إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلَا تُنَفِّرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ
قد سبق القول في الشكر و نحن نذكر هاهنا زيادة على ذلك. قال بعضهم ما شيبتني السنون بل شكري من أحتاج أن أشكره. و قالوا العفاف زينة الفقر و الشكر زينة الغنى. و قالوا من سعادة المرء أن يضع معروفه عند من يشكره. و من جيد ما قيل في الشكر قول أبي نواس
قد قلت للعباس معتذرا من ضعف شكريه و معترفاأنت امرؤ حملتني نعما أوهت قوى شكري فقد ضعفافإليك مني اليوم معذرة جاءتك بالتصريح منكشفالا تسدين إلى عارفة حتى أقوم بشكر ما سلفا
و قال البحتري
فإن أنا لم أشكر لنعماك جاهدا فلا نلت نعمى بعدها توجب الشكرا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 117و قال أيضا
سأجهد في شكري لنعماك إنني أرى الكفر للنعماء ضربا من الكفر
و قال ابن أبي طاهر
شكرت عليا بره و بلاءه فقصر بي شكري و إني لجاهدو ما أنا من شكري عليا 1بواحد و لكنه في الفضل و الجود واحد
و قال أبو الفتح البستي
لا تظنن بي و برك حي أن شكري و شكر غيري موات أنا أرض و راحتاك سحاب و الأيادي وبل و شكري نبات
و قال أيضا
و خر لما أوليت شكري ساجدا و مثل الذي أوليت يعبده الشكر
البحتري(19/106)


أراك بعين المكتسي ورق الغنى بآلائك اللاتي يعددها الشكرو يعجبني فقري إليك و لم يكن ليعجبني لو لا محبتك الفقر
آخر
بدأت بمعروف و ثنيت بالرضا و ثلثت بالحسنى و ربعت بالكرم و باشرت أمري و اعتنيت بحاجتي و أخرت لا عني و قدمت لي نعم و صدقت لي ظني و أنجزت موعدي و طبت به نفسا و لم تتبع الندم فإن نحن كافأنا بشكر فواجب و إن نحن قصرنا فما الود متهم
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 15118مَنْ ضَيَّعَهُ الْأَقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ الْأَبْعَدُ
إن الإنسان قد ينصره من لا يرجو نصره و إن أهمله أقربوه و خذلوه فقد تقوم به الأجانب من الناس و قد وجدنا ذلك في حق رسول الله ص ضيعه أهله و رهطه من قريش و خذلوه و تمالئوا عليه فقام بنصره الأوس و الخزرج و هم أبعد الناس نسبا منه لأنه من عدنان و هم من قحطان و كل واحد من الفريقين لا يحب الآخر حتى تحب الأرض الدم و قامت ربيعة بنصر علي ع في صفين و هم أعداء مضر الذين هم أهله و رهطه و قامت اليمن بنصر معاوية في صفين و هم أعداء مضر و قامت الخراسانية و هم عجم بنصر الدولة العباسية و هي دولة العرب و إذا تأملت السير وجدت هذا كثيرا شائعا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 16119مَا كُلُّ مَفْتُونٍ يُعَاتَبُ هذه الكلمة قالها علي ع لسعد بن أبي وقاص و محمد بن مسلمة و عبد الله بن عمر لما امتنعوا من الخروج معه لحرب أصحاب الجمل و نظيرها أو قريب منها قول أبي الطيب
فما كل فعال يجازى بفعله و لا كل قوال لدي يجاب و رب كلام مر فوق مسامعي كما طن في لفح الهجير ذباب شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 17120تَذِلُّ الْأُمُورُ لِلْمَقَادِيرِ حَتَّى يَكُونَ الْحَتْفُ فِي التَّدْبِيرِ(19/107)


إذا تأملت أحوال العالم وجدت صدق هذه الكلمة ظاهرا و لو شئنا أن نذكر الكثير من ذلك لذكرنا ما يحتاج في تقييده بالكتابة إلى مثل حجم كتابنا هذا و لكنا نذكر لمحا و نكتا و أطرافا و دررا من القول. فرش مروان بن محمد و قد لقي عبد الله بن علي أنطاعا و بسط عليها المال و قال من جاءني برأس فله مائة درهم فعجزت الحفظة و الحراس عن حمايته و اشتغلت طائفة من الجند بنهبه و تهافت الجيش عليه لينتهبوه فغشيهم عبد الله بن علي بعساكره فقتل منهم ما لا يحصى و هزم الباقون. و كسر إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن جيش أبي جعفر المنصور بباخمرى و أمر أصحابه باتباعهم فحال بينهم و بين أصحاب أبي جعفر ماء ضحضاح فكره إبراهيم و جيشه خوض ذلك الماء و كان واسعا فأمر صاحب لوائه أن يتعرج باللواء على مسناة كانت على ذلك الماء يابسة فسلكها صاحب اللواء و هي تفضي بانعراج و انعكاس إلى الأرض اليبس فلما رأى عسكر أبي جعفر أن لواء القوم قد تراجع شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 121القهقرى ظنوهم منهزمين فعطفوا عليهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة و جاء سهم غرب فأصاب إبراهيم فقتله. و قد دبرت من قبل قريش في حماية العير بأن نفرت على الصعب و الذلول لتدفع رسول الله ص عن اللطيمة فكان هلاكها في تدبيرها. و كسرت الأنصار يوم أحد بأن أخرجت النبي ص عن المدينة ظنا منها أن الظفر و النصرة كانت بذلك و كان سبب عطبها و ظفر قريش بها و لو أقامت بين جدران المدينة لم تظفر قريش منها بشي ء. و دبر أبو مسلم الدولة الهاشمية و قام بها حتى كان حتفه في تدبيره. و كذلك جرى لأبي عبد الله المحتسب مع عبد الله المهدي بالمغرب. و دبر أبو القاسم بن المسلمة رئيس الرؤساء في إخراج البساسيري عن العراق حتى كان هلاكه على يده و كذلك أيضا انعكس عليه تدبيره في إزالة الدولة البويهية من الدولة السلجوقية ظنا منه أنه يدفع الشر بغير الشر فدفع الشر بما هو شر منه. و أمثال هذا و نظائره أكثر(19/108)


من أن تحصى
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 18122وَ سُئِلَ ع عَنْ قَوْلِ الرَّسُولِ ص غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَ لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ فَقَالَ ع إِنَّمَا قَالَ ص ذَلِكَ وَ الدِّينُ قُلٌّ فَأَمَّا الآْنَ وَ قَدِ اتَّسَعَ نِطَاقُهُ وَ ضَرَبَ بِجِرَانِهِ فَامْرُؤٌ وَ مَا اخْتَارَ
اليهود لا تخضب و كان النبي ص أمر أصحابه بالخضاب ليكونوا في مرأى العين شبابا فيجبن المشركون عنهم حال الحرب فإن الشيخ مظنة الضعف. قال علي ع كان ذلك و الإسلام قل أي قليل و أما الآن و قد اتسع نطاقه و ضرب بجرانه فقد سقط ذلك الأمر و صار الخضاب مباحا غير مندوب. و النطاق ثوب تلبسه المرأة لبسة مخصوصة ليس بصدرة و لا سراويل و سميت أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين لأنها قطعت من ثوبها ذلك قطعة شدت بها سفرة لها حملها أبو بكر معه حين خرج من مكة مع النبي ص يوم الهجرة فقال النبي ص لقد أبدلها الله بها نطاقين في الجنة و كان نفر الشام ينادون عبد الله ابنها حين حصره الحجاج بمكة يشتمونه كما زعموا يا ابن ذات النطاقين فيضحك عبد الله منهم و قال لابن أبي عتيق أ لا تسمع يظنونه ذما ثم يقول شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 123
و تلك شكاة ظاهر عنك عارها
و استعار أمير المؤمنين ع هذه اللفظة لسعة رقعة الإسلام و كذلك استعار قوله و ضرب بجرانه أي أقام و ثبت و ذلك لأن البعير إذا ضرب بجرانه الأرض و جرانه مقدم عنقه فقد استناخ و برك. و امرؤ مبتدأ و إن كان نكرة كقولهم شر أهر ذا ناب لحصول الفائدة و الواو بمعنى مع و هي و ما بعدها الخبر و ما مصدرية أي امرؤ مع اختياره
نبذ مما قيل في الشيب و الخضاب(19/109)

67 / 150
ع
En
A+
A-