حظ له ينفى عنه ما هو حقيقة له فقد رأينا كثيرا من الشعر الجيد ينفى عن قائله استحقارا له لأنه خامل الذكر و ينسب إلى غيره بل رأينا كتبا مصنفة في فنون من العلوم خمل ذكر مصنفيها و نسبت إلى غيرهم من ذوي النباهة و الصيت و كل ذلك منسوب إلى الجد و الإقبال
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 10107خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ وَ إِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ
و قد روي خنوا بالخاء المعجمة من الخنين و هو صوت يخرج من الأنف عند البكاء و إلى تتعلق بمحذوف أي حنوا شوقا إليكم. و قد ورد في الأمر بإحسان العشرة مع الناس الكثير الواسع و قد ذكرنا طرفا من ذلك فيما تقدم. و
في الخبر المرفوع إذا وسعتم الناس ببسط الوجوه و حسن الخلق و حسن الجوار فكأنما وسعتموهم بالمال
و قال أبو الدرداء إنا لنهش في وجوه أقوام و إن قلوبنا لتقليهم. و قال محمد بن الفضل الهاشمي لأبيه لم تجلس إلى فلان و قد عرفت عداوته قال أخبئ نارا و أقدح عن ود. و قال المهاجر بن عبد الله
و إني لأقصى المرء من غير بغضة و أدنى أخا البغضاء مني على عمدليحدث ودا بعد بغضاء أو أرى له مصرعا يردي به الله من يردي
و قال عقال بن شبة التميمي كنت ردف أبي فلقيه جرير بن الخطفى على بغلة شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 108فحياه أبي و ألطفه فلما مضى قلت له أ بعد أن قال لنا ما قال قال يا بني أ فأوسع جرحي. و
قال محمد بن الحنفية ع قد يدفع باحتمال المكروه ما هو أعظم منه
و قال الحسن ع حسن السؤال نصف العلم و مداراة الناس نصف العقل و القصد في المعيشة نصف المئونة
و مدح ابن شهاب شاعرا فأعطاه و قال إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر. و قال الشاعر
و أنزلني طول النوى دار غربة متى شئت لاقيت أمرا لا أشاكله أخا ثقة حتى يقال سجية و لو كان ذا عقل لكنت أعاقله(19/100)


و في الحديث المرفوع للمسلم على المسلم ست يسلم عليه إذا لقيه و يجيبه إذا دعاه و يشمته إذا عطس و يعوده إذا مرض و يحب له ما يحب لنفسه و يشيع جنازته إذا مات
ووقف ص على عجوز فجعل يسألها و يتحفاها و قال إن حسن العهد من الإيمان إنها كانت تأتينا أيام خديجة
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 11109إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ
قد أخذت أنا هذا المعنى فقلت في قطعة لي
إن الأماني أكساب الجهول فلا تقنع بها و اركب الأهوال و الخطراو اجعل من العقل جهلا و اطرح نظرا في الموبقات و لا تستشعر الحذراو إن قدرت على الأعداء منتصرا فاشكر بعفوك عن أعدائك الظفرا(19/101)


و قد تقدم لنا كلام طويل في الحلم و الصفح و العفو. و نحن نذكر هاهنا زيادة على ذلك شجر بين أبي مسلم و بين صاحب مرو كلام أربى فيه صاحب مرو عليه و أغلظ له في القول فاحتمله أبو مسلم و ندم صاحب مرو و قام بين يدي أبي مسلم معتذرا و كان قال له في جملة ما قال يا لقيط فقال أبو مسلم مه لسان سبق و وهم أخطأ و الغضب شيطان و أنا جرأتك علي باحتمالك قديما فإن كنت للذنب معتذرا فقد شاركتك فيه و إن كنت مغلوبا فالعفو يسعك فقال صاحب مرو أيها الأمير إن عظم ذنبي يمنعني من الهدوء فقال أبو مسلم يا عجبا أقابلك بإحسان و أنت مسي ء ثم أقابلك بإساءة و أنت محسن فقال الآن وثقت بعفوك. و أذنب بعض كتاب المأمون ذنبا و تقدم إليه ليحتج لنفسه فقال يا هذا قف شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 110مكانك فإنما هو عذر أو يمين فقد وهبتهما لك و قد تكرر منك ذلك فلا تزال تسي ء و نحسن و تذنب و نغفر حتى يكون العفو هو الذي يصلحك. و كان يقال أحسن أفعال القادر العفو و أقبحها الانتقام. و كان يقال ظفر الكريم عفو و عفو اللئيم عقوبة. و كان يقال رب ذنب مقدار العقوبة عليه إعلام المذنب به و لا يجاوز به حد الارتفاع إلى الإيقاع. و كان يقال ما عفا عن الذنب من قرع به. و من الحلم الذي يتضمن كبرا مستحسنا ما روي أن مصعب بن الزبير لما ولي العراق عرض الناس ليدفع إليهم أرزاقهم فنادى مناديه أين عمرو بن جرموز فقيل له أيها الأمير إنه أبعد في الأرض قال أ و ظن الأحمق أني أقتله بأبي عبد الله قولوا له فليظهر آمنا و ليأخذ عطاءه مسلما. و أكثر رجل من سب الأحنف و هو لا يجيبه فقال الرجل ويلي عليه و الله ما منعه من جوابي إلا هواني عنده. و قال لقيط بن زرارة
فقل لبني سعد و ما لي و ما لكم ترقون مني ما استطعتم و أعتق أ غركم أني بأحسن شيمة بصير و أني بالفواحش أخرق و أنك قد ساببتني فقهرتني هنيئا مريئا أنت بالفحش أحذق(19/102)


و قال المأمون لإبراهيم بن المهدي لما ظفر به إني قد شاورت في أمرك فأشير علي بقتلك إلا أني وجدت قدرك فوق ذنبك فكرهت قتلك للازم حرمتك فقال إبراهيم يا أمير المؤمنين إن المشير أشار بما تقتضيه السياسة و توجيه العادة إلا أنك أبيت أن شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 111تطلب النصر إلا من حيث عودته من العفو فإن قتلت فلك نظراء و إن عفوت فلا نظير لك قال قد عفوت فاذهب آمنا. ضل الأعشى في طريقه فأصبح بأبيات علقمة بن علاثة فقال قائده و قد نظر إلى قباب الأدم وا سوء صباحاه يا أبا بصير هذه و الله أبيات علقمة فخرج فتيان الحي فقبضوا على الأعشى فأتوا به علقمة فمثل بين يديه فقال الحمد لله الذي أظفرني بك من غير ذمة و لا عقد قال الأعشى أ و تدري لم ذلك جعلت فداك قال نعم لانتقم اليوم منك بتقوالك علي الباطل مع إحساني إليك قال لا و الله و لكن أظفرك الله بي ليبلو قدر حلمك في فأطرق علقمة فاندفع الأعشى فقال
أ علقم قد صيرتني الأمور إليك و ما كان بي منكص كساكم علاثة أثوابه و ورثكم حلمه الأحوص فهب لي نفسي فدتك النفوس فلا زلت تنمي و لا تنقص
فقال قد فعلت أما و الله لو قلت في بعض ما قلته في عامر بن عمر لأغنيتك طول حياتك و لو قلت في عامر بعض ما قلته في ما أذاقك برد الحياة. قال معاوية لخالد بن معمر السدوسي على ما ذا أحببت عليا قال على ثلاث حلمه إذا غضب و صدقه إذا قال و وفاؤه إذا وعد
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 12112أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الْإِخْوَانِ وَ أَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ
قد ذكرنا قطعة صالحة من الإخوانيات فيما تقدم و
في الحديث المرفوع أن النبي ص بكى لما قتل جعفر بمؤتة و قال المرء كثير بأخيه
و قال جعفر بن محمد ع لكل شي ء حلية و حلية الرجل أوداؤه
و أنشد ابن الأعرابي
لعمرك ما مال الفتى بذخيرة و لكن إخوان الصفاء الذخائر(19/103)


و كان أبو أيوب السختياني يقول إذا بلغني موت أخ كان لي فكأنما سقط عضو مني. و كان يقال الإخوان ثلاث طبقات طبقة كالغذاء لا يستغني عنه و طبقة كالدواء يحتاج إليه عند المرض و طبقة كالداء لا يحتاج إليه أبدا. و كان يقال صاحبك كرقعة في قميصك فانظر بما ترقع قميصك. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 113و كان يونس بن عبيد يقول اثنان ما في الأرض أقل منهما و لا يزدادان إلا قلة درهم يوضع في حق و أخ يسكن إليه في الله. و قال الشاعر
أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح و إن ابن عم المرء فاعلم جناحه و هل ينهض البازي بغير جناح
و قال آخر
و لن تنفك تحسد أو تعادى فأكثر ما استطعت من الصديق و بغضك للتقي أقل ضرا و أسلم من مودة ذي الفسوق
و أوصى بعضهم ابنه فقال يا بني إذا نازعتك نفسك إلى مصاحبة الرجال فاصحب من إذا صحبته زانك و إذا خدمته صانك و إذا عرضت لك مؤنة أعانك و إن قلت صدق قولك و إن صلت شد صولك و إن مددت يدك لأمر مدها و إن بدت لك عورة سدها و إن رأى منك حسنة عدها و إن سألته أعطاك و إن سكت ابتدأك و إن نزلت بك ملمة واساك من لا تأتيك منه البوائق و لا تحتار عليك منه الطرائق و لا يخذلك عند الحقائق. و
من الشعر المنسوب إلى علي ع
إن أخاك الحق من كان معك و من يضر نفسه لينفعك و من إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 114و من الشعر المنسوب إليه ع أيضا
أخوك الذي إن أجرضتك ملمة من الدهر لم يبرح لها الدهر واجماو ليس أخوك بالذي إن تشعبت عليك أمور ظل يلحاك لائما(19/104)

66 / 150
ع
En
A+
A-