شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 284أَزْرَى بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ وَ رَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ عَنْ ضُرِّهِ وَ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَلَيْهَا لِسَانَهُ
هذه ثلاثة فصول الفصل الأول في الطمع قوله ع أزرى بنفسه أي قصر بها من استشعر الطمع أي جعله شعاره أي لازمه. و
في الحديث المرفوع أن الصفا الزلزال الذي لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع
و في الحديث أنه قال للأنصار إنكم لتكثرون عند الفزع و تقلون عند الطمع
أي عند طمع الرزق. و كان يقال أكثر مصارع الألباب تحت ظلال الطمع. و قال بعضهم العبيد ثلاثة عبد رق و عبد شهوة و عبد طمع. و
سئل رسول الله ص عن الغنى فقال اليأس عما في أيدي الناس و من مشى منكم إلى طمع الدنيا فليمش رويدا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 85و قال أبو الأسود
البس عدوك في رفق و في دعة طوبى لذي إربة للدهر لباس و لا تغرنك أحقاد مزملة قد يركب الدبر الدامي بأحلاس و استغن عن كل ذي قربى و ذي رحم إن الغني الذي استغنى عن الناس
قال عمر ما الخمر صرفا بأذهب لعقول الرجال من الطمع و
في الحديث المرفوع الطمع الفقر الحاضر
قال الشاعر
رأيت مخيلة فطمعت فيها و في الطمع المذلة للرقاب(19/85)
الفصل الثاني في الشكوى قال ع من كشف للناس ضره أي شكا إليهم بؤسه و فقره فقد رضي بالذل. كان يقال لا تشكون إلى أحد فإنه إن كان عدوا سره و إن كان صديقا ساءه و ليست مسرة العدو و لا مساءة الصديق بمحمودة. سمع الأحنف رجلا يقول لم أنم الليلة من وجع ضرسي فجعل يكثر فقال يا هذا لم تكثر فو الله لقد ذهبت عيني منذ ثلاثين سنة فما شكوت ذلك إلى أحد و لا أعلمت بها أحدا. الفصل الثالث في حفظ اللسان قد تقدم لنا قول شاف في ذلك و كان يقال حفظ اللسان راحة الإنسان و كان يقال رب كلمة سفكت دما و أورثت ندما. و في الأمثال العامية قال اللسان للرأس كيف أنت قال بخير لو تركتني. و في وصية المهلب لولده يا بني تباذلوا تحابوا فإن بني الأعيان يختلفون فكيف ببني العلات إن البر ينسأ في الأجل و يزيد في العدد و إن القطيعة تورث القلة و تعقب شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 86النار بعد الذلة اتقوا زلة اللسان فإن الرجل تزل رجله فينتعش و يزل لسانه فيهلك و عليكم في الحرب بالمكيدة فإنها أبلغ من النجدة و إن القتال إذا وقع وقع القضاء فإن ظفر الرجل ذو الكيد و الحزم سعد و إن ظفر به لم يقولوا فرط. و قال الشاعر في هذا المعنى
يموت الفتى من عثرة بلسانه و ليس يموت المرء من عثرة الرجل
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 387الْبُخْلُ عَارٌ وَ الْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ وَ الْفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حَاجَتِهِ وَ الْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ(19/86)
هذه ثلاثة فصول الفصل الأول في البخل و قد تقدم لنا كلام مقنع في ذلك. و من كلام بعض الحكماء في ذلك ما أقل من يحمده الطالب و تستقل به العشائر و يرضى عنه السائل و ما زالت أم الكرم نزورا و أم اللؤم ذلولا و أكثر الواجدين من لا يجود و أكثر الأجواد من لا يجد. و ما أحسن قول القائل كفى حزنا أن الجواد مقتر عليه و لا معروف عند بخيل. و كان يقال البخل مهانة و الجود مهابة. و من أحسن ما نقل من جود عبد الله المأمون أن عمر بن مسعدة كاتبه مات في سنة سبع عشرة و مائتين و خلف تركة جليلة فبعث أخاه أبا إسحاق المعتصم و جماعة معه من الكتاب ليحصروا مبلغها فجاء المعتصم إليه و هو في مجلس الخلافة و معه الكتاب فقال ما رأيتم فقال المعتصم معظما لما رآه وجدنا عينا و صامتا و ضياعا قيمة ذلك أجمع ثمانية آلاف ألف دينار و مد صوته فقال المأمون إنا لله و الله ما كنت أرضاها شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 88لتابع من أتباعه ليوفر هذا على مخلفيه فخجل المعتصم حتى ظهر خجله للحاضرين الفصل الثاني في الجبن و قد تقدم قولنا في فضل الشجاعة. و قال هشام بن عبد الملك لمسلمة أخيه يا أبا سعيد هل دخلك ذعر في حرب قط شهدتها قال ما سلمت في ذلك عن ذعر ينبه على حيلة و لا غشيني ذعر سلبني رأيي فقال له هشام هذه و الله البسالة قال أبو دلامة و كان جبانا
إني أعوذ بروح أن يقدمني إلى القتال فتشقى بي بنو أسدإن المهلب حب الموت أورثكم و لم أرث رغبة في الموت عن أحد
قال المنصور لأبي دلامة في حرب إبراهيم تقدم ويلك قال يا أمير المؤمنين شهدت مع مروان بن محمد أربعة عساكر كلها انهزمت و كسرت و إني أعيذك بالله أن يكون عسكرك الخامس. الفصل الثالث في الفقر و قد تقدم القول فيه أيضا. و مثل قوله الفقر يخرس الفطن عن حاجته قول الشاعر(19/87)
سأعمل نص العيس حتى يكفني غنى المال يوما أو غنى الحدثان فللموت خير من حياة يرى لها على الحر بالإقلال وسم هوان متى يتكلم يلغ حكم كلامه و إن لم يقل قالوا عديم بيان كأن الغنى عن أهله بورك الغنى بغير لسان ناطق بلسان
و مثل قوله ع و المقل غريب في بلدته قول خلف الأحمر
لا تظني أن الغريب هو النائي و لكنما الغريب المقل
و كان يقال مالك نورك فإن أردت أن تنكسف ففرقه و أتلفه. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 89قيل للإسكندر لم حفظت الفلاسفة المال مع حكمتها و معرفتها بالدنيا قال لئلا تحوجهم الدنيا إلى أن يقوموا مقاما لا يستحقونه. و قال بعض الزهاد ابدأ برغيفيك فاحرزهما ثم تعبد. و
قال الحسن ع من زعم أنه لا يحب المال فهو عندي كاذب فإن علمت صدقه فهو عندي أحمق
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 490الْعَجْزُ آفَةٌ وَ الصَّبْرُ شَجَاعَةٌ وَ الزُّهْدُ ثَرْوَةٌ وَ الْوَرَعُ جُنَّةٌ وَ نِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَا(19/88)
فهذه فصول خمسة الفصل الأول قوله ع العجز آفة و هذا حق لأن الآفة هي النقص أو ما أوجب النقص و العجز كذلك. و كان يقال العجز المفرط ترك التأهب للمعاد. و قالوا العجز عجزان أحدهما عجز التقصير و قد أمكن الأمر و الثاني الجد في طلبه و قد فات. و قالوا العجز نائم و الحزم يقظان. الفصل الثاني في الصبر و الشجاعة قد تقدم قولنا في الصبر. و كان يقال الصبر مر لا يتجرعه إلا حر. و كان يقال إن للأزمان المحمودة و المذمومة أعمارا و آجالا كأعمار الناس و آجالهم فاصبروا لزمان السوء حتى يفنى عمره و يأتي أجله. و كان يقال إذا تضيفتك نازلة فاقرها الصبر عليها و أكرم مثواها لديك بالتوكل شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 91و الاحتساب لترحل عنك و قد أبقت عليك أكثر مما سلبت منك و لا تنسها عند رخائك فإن تذكرك لها أوقات الرخاء يبعد السوء عن فعلك و ينفى القساوة عن قلبك و يوزعك حمد الله و تقواه. الفصل الثالث قوله و الزهد ثروة و هذا حق لأن الثروة ما استغنى به الإنسان عن الناس و لا غناء عنهم كالزهد في دنياهم فالزهد على الحقيقة هو الغنى الأكبر. و
روي أن عليا ع قال لعمر بن الخطاب أول ما ولي الخلافة إن سرك أن تلحق بصاحبيك فقصر الأمل و كل دون الشبع و ارقع القميص و اخصف النعل و استغن عن الناس بفقرك تلحق بهما(19/89)