و كان أبو أيوب السختياني يقول إذا بلغني موت أخ كان لي فكأنما سقط عضو مني. و كان يقال الإخوان ثلاث طبقات طبقة كالغذاء لا يستغني عنه و طبقة كالدواء يحتاج إليه عند المرض و طبقة كالداء لا يحتاج إليه أبدا. و كان يقال صاحبك كرقعة في قميصك فانظر بما ترقع قميصك. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 113و كان يونس بن عبيد يقول اثنان ما في الأرض أقل منهما و لا يزدادان إلا قلة درهم يوضع في حق و أخ يسكن إليه في الله. و قال الشاعر
أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح و إن ابن عم المرء فاعلم جناحه و هل ينهض البازي بغير جناح
و قال آخر
و لن تنفك تحسد أو تعادى فأكثر ما استطعت من الصديق و بغضك للتقي أقل ضرا و أسلم من مودة ذي الفسوق
و أوصى بعضهم ابنه فقال يا بني إذا نازعتك نفسك إلى مصاحبة الرجال فاصحب من إذا صحبته زانك و إذا خدمته صانك و إذا عرضت لك مؤنة أعانك و إن قلت صدق قولك و إن صلت شد صولك و إن مددت يدك لأمر مدها و إن بدت لك عورة سدها و إن رأى منك حسنة عدها و إن سألته أعطاك و إن سكت ابتدأك و إن نزلت بك ملمة واساك من لا تأتيك منه البوائق و لا تحتار عليك منه الطرائق و لا يخذلك عند الحقائق. و
من الشعر المنسوب إلى علي ع
إن أخاك الحق من كان معك و من يضر نفسه لينفعك و من إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 114و من الشعر المنسوب إليه ع أيضا
أخوك الذي إن أجرضتك ملمة من الدهر لم يبرح لها الدهر واجماو ليس أخوك بالذي إن تشعبت عليك أمور ظل يلحاك لائما(19/80)
. و قال بعض الحكماء ينبغي للإنسان أن يوكل بنفسه كالئين أحدهما يكلؤه من أمامه و الآخر يكلؤه من ورائه و هما عقله الصحيح و أخوه النصيح فإن عقله و إن صح فلن يبصره من عيبه إلا بمقدار ما يرى الرجل من وجهه في المرآة و يخفى عليه ما خلفه و أما أخوه النصيح فيبصره ما خلفه و ما أمامه أيضا. و كتب ظريف إلى صديق له أني غير محمود على الانقياد إليك لأني صادقتك من جوهر نفسي و النفس يتبع بعضها بعضا. و
في الحديث المرفوع إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه
و قال الأحنف خير الإخوان من إذا استغنيت عنه لم يزدك ودا و إن احتجت إليه لم ينقصك. و قال أعشى باهلة يرثي المنتشر بن وهب
إما سلكت سبيلا كنت سالكها فاذهب فلا يبعدنك الله منتشرمن ليس في خيره شر ينكده على الصديق و لا في صفوه كدر
و قال آخر يرثي صديقا له
أخ طالما سرني ذكره و أصبحت أشجى لدى ذكره و قد كنت أغدو إلى قصره فأصبحت أغدو إلى قبره و كنت أراني غنيا به عن الناس لو مد في عمره إذا جئته طالبا حاجة فأمري يجوز على أمره
رأى بعض الحكماء مصطحبين لا يفترقان فسأل عنهما فقيل صديقان قال فما بال أحدهما غنيا و الآخر فقيرا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 13115وَ قَالَ ع فِي الَّذِينَ اعْتَزَلُوا الْقِتَالَ مَعَهُ خَذَلُوا الْحَقَّ وَ لَمْ يَنْصُرُوا الْبَاطِلَ(19/81)
قد سبق ذكر هؤلاء فيما تقدم و هم عبد الله بن عمر بن الخطاب و سعد بن أبي وقاص و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و أسامة بن زيد و محمد بن مسلمة و أنس بن مالك و جماعة غيرهم. و قد ذكر شيخنا أبو الحسين في الغرر أن أمير المؤمنين ع لما دعاهم إلى القتال معه و اعتذروا بما اعتذروا به قال لهم أ تنكرون هذه البيعة قالوا لا لكنا لا نقاتل فقال إذا بايعتم فقد قاتلتم قال فسلموا بذلك من الذم لأن إمامهم رضي عنهم. و معنى قوله خذلوا الحق و لم ينصروا الباطل أي خذلوني و لم يحاربوا معي معاوية و بعض أصحابنا البغداديين يتوقف في هؤلاء و إلى هذا القول يميل شيخنا أبو جعفر الإسكافي
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 14116إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلَا تُنَفِّرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ
قد سبق القول في الشكر و نحن نذكر هاهنا زيادة على ذلك. قال بعضهم ما شيبتني السنون بل شكري من أحتاج أن أشكره. و قالوا العفاف زينة الفقر و الشكر زينة الغنى. و قالوا من سعادة المرء أن يضع معروفه عند من يشكره. و من جيد ما قيل في الشكر قول أبي نواس
قد قلت للعباس معتذرا من ضعف شكريه و معترفاأنت امرؤ حملتني نعما أوهت قوى شكري فقد ضعفافإليك مني اليوم معذرة جاءتك بالتصريح منكشفالا تسدين إلى عارفة حتى أقوم بشكر ما سلفا
و قال البحتري
فإن أنا لم أشكر لنعماك جاهدا فلا نلت نعمى بعدها توجب الشكرا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 117و قال أيضا
سأجهد في شكري لنعماك إنني أرى الكفر للنعماء ضربا من الكفر
و قال ابن أبي طاهر
شكرت عليا بره و بلاءه فقصر بي شكري و إني لجاهدو ما أنا من شكري عليا بواحد و لكنه في الفضل و الجود واحد
و قال أبو الفتح البستي
لا تظنن بي و برك حي أن شكري و شكر غيري موات أنا أرض و راحتاك سحاب و الأيادي وبل و شكري نبات
و قال أيضا
و خر لما أوليت شكري ساجدا و مثل الذي أوليت يعبده الشكر
البحتري(19/82)
أراك بعين المكتسي ورق الغنى بآلائك اللاتي يعددها الشكرو يعجبني فقري إليك و لم يكن ليعجبني لو لا محبتك الفقر
آخر
بدأت بمعروف و ثنيت بالرضا و ثلثت بالحسنى و ربعت بالكرم و باشرت أمري و اعتنيت بحاجتي و أخرت لا عني و قدمت لي نعم و صدقت لي ظني و أنجزت موعدي و طبت به نفسا و لم تتبع الندم فإن نحن كافأنا بشكر فواجب و إن نحن قصرنا فما الود متهم
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 15118مَنْ ضَيَّعَهُ الْأَقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ الْأَبْعَدُ
إن الإنسان قد ينصره من لا يرجو نصره و إن أهمله أقربوه و خذلوه فقد تقوم به الأجانب من الناس و قد وجدنا ذلك في حق رسول الله ص ضيعه أهله و رهطه من قريش و خذلوه و تمالئوا عليه فقام بنصره الأوس و الخزرج و هم أبعد الناس نسبا منه لأنه من عدنان و هم من قحطان و كل واحد من الفريقين لا يحب الآخر حتى تحب الأرض الدم و قامت ربيعة بنصر علي ع في صفين و هم أعداء مضر الذين هم أهله و رهطه و قامت اليمن بنصر معاوية في صفين و هم أعداء مضر و قامت الخراسانية و هم عجم بنصر الدولة العباسية و هي دولة العرب و إذا تأملت السير وجدت هذا كثيرا شائعا
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 16119مَا كُلُّ مَفْتُونٍ يُعَاتَبُ هذه الكلمة قالها علي ع لسعد بن أبي وقاص و محمد بن مسلمة و عبد الله بن عمر لما امتنعوا من الخروج معه لحرب أصحاب الجمل و نظيرها أو قريب منها قول أبي الطيب
فما كل فعال يجازى بفعله و لا كل قوال لدي يجاب و رب كلام مر فوق مسامعي كما طن في لفح الهجير ذباب
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 79باب الحكم و المواعظ
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 81 باب المختار من حكم أمير المؤمنين و مواعظه و يدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله و الكلام القصير الخارج من سائر أغراضه(19/83)
اعلم أن هذا الباب من كتابنا كالروح من البدن و السواد من العين و هو الدرة المكنونة التي سائر الكتاب صدفها و ربما وقع فيه تكرار لبعض ما تقدم يسير جدا و سبب ذلك طول الكتاب و بعد أطرافه عن الذهن و إذا كان الرضي رحمه الله قدسها فكرر في مواضع كثيرة في نهج البلاغة على اختصاره كنا نحن في تكرار يسير في كتابنا الطويل أعذر شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 82
1كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ لَا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ وَ لَا ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ
ابن اللبون ولد الناقة الذكر إذا استكمل السنة الثانية و دخل في الثالثة و يقال للأنثى ابنة اللبون و ذلك لأن أمهما في الأغلب ترضع غيرهما فتكون ذات لبن و اللبون من الإبل و الشاة ذات اللبن غزيرة كانت أو بكيئة فإذا أرادوا الغزيرة قالوا لبنة و يقال ابن لبون و ابن اللبون منكرا أو معرفا قال الشاعر
و ابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس
و ابن اللبون لا يكون قد كمل و قوي ظهره على أن يركب و ليس بأنثى ذات ضرع فيحلب و هو مطرح لا ينتفع به. و أيام الفتنة هي أيام الخصومة و الحرب بين رئيسين ضالين يدعوان كلاهما إلى ضلالة كفتنة عبد الملك و ابن الزبير و فتنة مروان و الضحاك و فتنة الحجاج و ابن الأشعث و نحو ذلك فأما إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة كالجمل و صفين و نحوهما بل يجب الجهاد مع صاحب الحق و سل السيف و النهي عن المنكر و بذل النفس في إعزاز الدين و إظهار الحق. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 83قال ع أخمل نفسك أيام الفتنة و كن ضعيفا مغمورا بين الناس لا تصلح لهم بنفسك و لا بمالك و لا تنصر هؤلاء و هؤلاء. و قوله فيركب فيحلب منصوبان لأنهما جواب النفي و في الكلام محذوف تقديره له و هو يستحق الرفع لأنه خبر المبتدإ مثل قولك لا إله إلا الله تقديره لنا أو في الوجود(19/84)