فأما شسع النعل فضرب المثل بها في الاستهانة مشهور لابتذالها و وطئها الأقدام في التراب. ثم ذكر أنه من كان بصفته فليس بأهل لكذا و لا كذا إلى أن قال أو يشرك في أمانة و قد جعل الله تعالى البلاد و الرعايا أمانة في ذمة الإمام فإذا استعمل العمال على البلاد و الرعايا فقد شركهم في تلك الأمانة. قال أو يؤمن على جباية أي على استجباء الخراج و جمعه و هذه الرواية التي سمعناها و من الناس من يرويها على خيانة و هكذا رواها الراوندي و لم يرو الرواية الصحيحة التي ذكرناها نحن و قال يكون على متعلقة بمحذوف أو بيؤمن نفسها و هو بعيد و متكلف. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 59ثم أمره أن يقبل إليه و هذه كناية عن العزل. فأما الكلمات التي ذكرها الرضي عنه ع في أمر المنذر فهي دالة على أنه نسبه إلى التيه و العجب فقال نظار في عطفيه أي جانبيه ينظر تارة هكذا و تارة هكذا ينظر لنفسه و يستحسن هيئته وبسته و ينظر هل عنده نقص في ذلك أو عيب فيستدركه بإزالته كما يفعل أرباب الزهو و من يدعي لنفسه الحسن و الملاحة. قال مختال في برديه يمشي الخيلاء عجبا قال محمد بن واسع لابن له و قد رآه يختال في برد له ادن فدنا فقال من أين جاءتك هذه الخيلاء ويلك أما أمك فأمة ابتعتها بمائتي درهم و أما أبوك فلا أكثر الله في الناس أمثاله. قوله تفال في شراكيه الشراك السير الذي يكون في النعل على ظهر القدم. و التفل بالسكون مصدر تفل أي بصق و التفل محركا البصاق نفسه و إنما يفعله المعجب و التائه في شراكيه ليذهب عنهما الغبار و الوسخ يتفل فيهما و يمسحهما ليعودا كالجديدين(19/45)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 7260- و من كتاب له ع إلى عبد الله بن العباس رضي الله عنهأَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ لَسْتُ بِسَابِقٍ أَجَلَكَ وَ لَا مَرْزُوقٍ مَا لَيْسَ لَكَ وَ اعْلَمْ بِأَنَّ الدَّهْرَ يَوْمَانِ يَوْمٌ لَكَ وَ يَوْمٌ عَلَيْكَ وَ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ دُوَلٍ فَمَا كَانَ مِنْهَا لَكَ أَتَاكَ عَلَى ضَعْفِكَ وَ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَيْكَ لَمْ تَدْفَعْهُ بِقُوَّتِكَ
قد تقدم شرح مثل هذا الكلام و هذا معنى مطروق قد قال الناس فيه فأكثروا قال الشاعر
قد يرزق العاجز الضعيف و ما شد بكور رحلا و لا قتباو يحرم المرء ذو الجلادة و الرأي و من لا يزال مغتربا
و من جيد ما قيل في هذا المعنى قول أبي يعقوب الخريمي(19/46)


هل الدهر إلا صرفه و نوائبه و سراء عيش زائل و مصائبه يقول الفتى ثمرت مالي و إنما لوارثه ما ثمر المال كاسبه شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 61يحاسب فيه نفسه في حياته و يتركه نهبا لمن لا يحاسبه فكله و أطعمه و خالسه وارثا شحيحا و دهرا تعتريك نوائبه أرى المال و الإنسان للدهر نهبة فلا البخل مبقية و لا الجود خاربه لكل امرئ رزق و للرزق جالب و ليس يفوت المرء ما خط كايب الفتى من حيث يرزق غيره و يعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه يساق إلى ذا رزقه و هو وادع و يحرم هذا الرزق و هو يغالبه و إنك لا تدري أ رزقك في الذي تطالبه أم في الذي لا تطالبه تناس ذنوب الأقربين فإنه لكل حميم راكب هو راكبه له هفوات في الرخاء يشوبها بنصرة يومتوارى كواكبه تراه غدوا ما أمنت و تتقي بجبهته يوم الوغى من يحاربه لكل امرئ إخوان بؤس و نعمة و أعظمهم في النائبات أقارب شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 7362- و من كتاب له ع إلى معاويةأَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي عَلَى التَّرَدُّدِ فِي جَوَابِكَ وَ الِاسْتِمَاعِ إِلَى كِتَابِكَ لَمُوَهِّنٌ رَأْيِي وَ مُخَطِّئٌ فِرَاسَتِي وَ إِنَّكَ إِذْ تُحَاوِلُنِي الْأُمُورَ وَ تُرَاجِعُنِي السُّطُورَ كَالْمُسْتَثْقِلِ النَّائِمِ تَكْذِبُهُ أَحْلَامُهُ وَ الْمُتَحَيِّرِ الْقَائِمِ يَبْهَظُهُ مَقَامُهُ لَا يَدْرِي أَ لَهُ مَا يَأْتِي أَمْ عَلَيْهِ وَ لَسْتَ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ بِكَ شَبِيهٌ وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَوْ لَا بَعْضُ الِاسْتِبْقَاءِ لَوَصَلَتْ مِنِّي إِلَيْكَ قَوَارِعُ تَقْرَعُ الْعَظْمَ وَ تَنْهَسُ اللَّحْمَ وَ اعْلَمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ثَبَّطَكَ عَنْ أَنْ تُرَاجِعَ أَحْسَنَ أُمُورِكَ وَ تَأْذَنَ لِمَقَالِ نَصِيحِكَ وَ السَّلَامُ لِأَهْلِهِ(19/47)


روي نوازع جمع نازعة أي جاذبة قالعة و روي تهلس اللحم و تلهس بتقديم اللام و تهلس بكسر اللام تذيبه حتى يصير كبدن به الهلاس و هو السل و أما تلهس فهو بمعنى تلحس أبدلت الحاء هاء و هو عن لحست كذا بلساني بالكسر ألحسه أي تأتي على اللحم حتى تلحسه لحسا لأن الشي ء إنا يلحس إذا ذهب و بقي أثره و أما ينهس و هي الرواية المشهورة فمعناه يعترق. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 63و تأذن بفتح الذال أي تسمع. قوله ع إني لموهن رأيي بالتشديد أي إني لائم نفسي و مستضعف رأيي في أن جعلتك نظيرا أكتب و تجيبني و تكتب و أجيبك و إنما كان ينبغين يكون جواب مثلك السكوت لهوانك. فإن قلت فما معنى قوله على التردد. قلت ليس معناه التوقف بل معناه الترداد و التكرار أي أنا لائم نفسي على أني أكرر تارة بعد تارة أجوبتك عما تكتبه ثم قال و إنك في مناظرتي و مقاومتي بالأمور التي تحاولها و الكتب التي تكتبها كالنائم يرى أحلاما كاذبة أو كمن قام مقاما بين يدي سلطان أو بين قوم عقلاء ليعتذر عن أمر أو ليخطب بأمر في نفسه قد بهظه مقامه ذلك أي أثقله فهو لا يدري هل ينطق بكلام هو له أم عليه فيتحير و يتبلد و يدركه العمى و الحصر. قال و إن كنت لست بذلك الرجل فإنك شبيه به أما تشبيهه بالنائم ثم ذي الأحلام فإن معاوية لو رأى في المنام في حياة رسول الله ص أنه خليفة يخاطب بإمرة المؤمنين و يحارب عليا على الخلافة و يقوم في المسلمين مقام رسول الله ص لما طلب لذلك المنام تأويلا و لا تعبيرا و لعده من وساوس الخيال و أضغاث الأحلام و كيف و أنى له أن يخطر هذا بباله و هو أبعد الخلق منه و هذا كما يخطر للنفاط أن يكون ملكا و لا تنظرن إلى نسبه في المناقب بل انظر إلى أن شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 64الإمامة هي نبوة مختصره و أن الطليق المعدود من المؤلفة قلوبهم المكذب بقلبه و أن أقر بلسانه الناقص المنزلعند المسلمين القاعد في أخريات الصف إذا دخل إلى مجلس فيه أهل السوابق(19/48)


من المهاجرين كيف يخطر ببال أحد أنها تصير فيه و يملكها و يسمه الناس وسمها و يكون للمؤمنين أميرا و يصير هو الحاكم في رقاب أولئك العظماء من أهل الدين و الفضل و هذا أعجب من العجب أن يجاهد النبي ص قوما بسيفه و لسانه ثلاثا و عشرين سنة و يلعنهم و يبعدهم عنه و ينزل القرآن بذمهم و لعنهم و البراءة منهم فلما تمهدت له الدولة و غلب الدين على الدنيا و صارت شريعة دينية محكمة مات فشيد دينه الصالحون من أصحابه و أوسعوا رقعة ملته و عظم قدرها في النفوس فتسلمها منهم أولئك الأعداء الذين جاهدهم النبي ص فملكوها و حكموا فيها و قتلوا الصلحاء و الأبرار و أقارب نبيهم الذين يظهرون طاعته و آلت تلك الحركة الأولى و ذلك الاجتهاد السابق إلى أن كان ثمرته لهم فليته كان يبعث فيرى معاوية الطليق و ابنه و مروان و ابنه خلفاء في مقامه يحكمون على المسلمين فوضح أن معاوية فيما يراجعه و يكاتبه به كصاحب الأحلام. و أما تشبيهه إياه بالقائم مقاما قد بهظه فلأن الحجج و الشبه و المعاذير التي يذكرها معاوية في كتبه أوهن من نسج العنكبوت فهو حال ما يكتب كالقائم ذلك المقام يخبط خبط العشواء و يكتب ما يعلم هو و العقلاء من الناس أنه سفه و باطل. فإن قلت فما معنى قوله ع لو لا بعض الاستبقاء و هل كانت الحال تقتضي أن يستبقي و ما تلك القوارع التي أشار إليها.(19/49)

55 / 150
ع
En
A+
A-