شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 7052- و من كتاب له ع إلى سهل بن حنيف الأنصاري و هو عامله على المدينة في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاويةأَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِمَّنْ قِبَلَكَ يَتَسَلَّلُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَلَا تَأْسَفْ عَلَى مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ وَ يَذْهَبُ عَنْكَ مِنْ مَدَدِهِمْ فَكَفَى لَهُمْ غَيّاً وَ لَكَ مِنْهُمْ شَافِياً فِرَارُهُمْ مِنَ الْهُدَى وَ الْحَقِّ وَ إِيضَاعُهُمْ إِلَى الْعَمَى وَ الْجَهْلِ فَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْيَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَ مُهْطِعُونَ إِلَيْهَا قَدْ عَرَفُوا الْعَدْلَ وَ رَأَوْهُ وَ سَمِعُوهُ وَ وَعَوْهُ وَ عَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِّ أُسْوَةٌ فَهَرَبُوا إِلَى الْأَثَرَةِ فَبُعْداً لَهُمْ وَ سُحْقاً إِنَّهُمْ وَ اللَّهِ لَمْ يَفِرُّوا مِنْ جَوْرٍ وَ لَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْلٍ وَ إِنَّا لَنَطْمَعُ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يُذَلِّلَ اللَّهُ لَنَا صَعْبَهُ وَ يُسَهِّلَ لَنَا حَزْنَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ
قد تقدم نسب سهل بن حنيف و أخيه عثمان فيما مضى. و يتسللون يخرجون إلى معاوية هاربين في خفية و استتار. قال فلا تأسف أي لا تحزن و الغي الضلال. قال و لك منهم شافيا أي يكفيك في الانتقام منهم و شفاء النفس من عقوبتهم أنهم يتسللون إلى معاوية. شرح نهج البلاغة ج : ص : 53قال ارض لمن غاب عنك غيبته فذاك ذنب عقابه فيه. و الإيضاع الإسراع وضع البعير أي أسرع و أوضعه صاحبه قال
رأى برقا فأوضع فوق بكر فلا يك ما أسال و لا أعاما(19/40)


و مهطعون مسرعون أيضا و الأثرة الاستئثار يقول قد عرفوا أني لا أقسم إلا بالسوية و أني لا أنفل قوما على قوم و لا أعطي على الأحساب و الأنساب كما فعل غيري فتركوني و هربوا إلى من يستأثر و يؤثر. قال فبعدا لهم و سحقا دعاء عليهم بالبعد و الهلاك. و روي أنهم لم ينفروا بالنون من نفر ثم ذكر أنه راج من الله أن يذلل له صعب هذا الأمر و يسهل له حزنه و الحزن ما غلظ من الأرض و ضده السهل
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 7154- و من كتاب له ع إلى المنذر بن الجارود العبديو قد كان استعمله على بعض النواحي فخان الأمانة في بعض ما ولاه من أعماله
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلَاحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ وَ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ وَ تَسْلُكُ سَبِيلَهُ فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لَا تَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَاداً وَ لَا تُبْقِي لآِخِرَتِكَ عَتَاداً تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ آخِرَتِكَ وَ تَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ وَ لَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَ شِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ وَ مَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ أَوْ يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ أَوْ يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَةٍ أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
قال الرضي رضي الله عنه المنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين ع إنه لنظار في عطفيه مختال في برديه تفال في شراكيه(19/41)


شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 55ذكر المنذر و أبيه الجارودهو المنذر بن الجارود و اسم الجارود بشر بن خنيس بن المعلى و هو الحارث بن زيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بيتهم بيت الشرف في عبد القيس و إنما سمي الجارود لبيت قاله بعض الشعراء فيه في آخره.
كما جرد الجارود بكر بن وائل
و وفد الجارود على النبي ص في سنة تسع و قيل في سنة عشر. و ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب أنه كان نصرانيا فأسلم و حسن إسلامه و كان قد وفد مع المنذر بن ساوى في جماعة من عبد القيس و قال
شهدت بأن الله حق و سامحت بنات فؤادي بالشهادة و النهض فأبلغ رسول الله مني رسالة بأني حنيف حيث كنت من الأرضقال و قد اختلف في نسبه اختلافا كثيرا فقيل بشر بن المعلى بن خنيس و قيل بشر بن خنيس بن المعلى و قيل بشر بن عمرو بن العلاء و قيل بشر بن عمرو بن المعلى و كنيته أبو عتاب و يكنى أيضا أبا المنذر. و سكن الجارود البصرة و قتل بأرض فارس و قيل بل قتل بنهاوند مع النعمان بن مقرن و قيل إن عثمان بن العاص بعث الجارود في بعث نحو ساحل فارس فقتل شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 56بموضع يعرف بعقبة الجارود و كان قبل ذلك يعرف بعقبة الطين فلما قتل الجارود فيه عرفه الناس بعقبة الجارود و ذلك في سنة إحدى و عشرين. و قد روي عن النبي ص أحاد و روي عنه و أمه دريمكة بنت رويم الشيبانية. و قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب التاج إن رسول الله ص أكرم الجارود و عبد القيس حين وفدا إليه و قال للأنصار قوموا إلى إخوانكم و أشبه الناس بكم قال لأنهم أصحاب نخل كما أن الأوس و الخزرج أصحاب نخل و مسكنهم البحرين و اليمامة قال أبو عبيدة و قال عمر بن الخطاب لو لا أني
سمعت رسول الله ص يقول إن هذا الأمر لا يكون إلا في قريش(19/42)


لما عدلت بالخلافة عن الجارود بن بشر بن المعلى و لا تخالجني في ذلك الأمور. قال أبو عبيدة و لعبد القيس ست خصال فاقت بها على العرب منها أسود العرب بيتا و أشرفهم رهطا الجارود هو و ولده. و منها أشجع العرب حكيم بن جبلة قطعت رجله يوم الجمل فأخذها بيده و زحف على قاتله فضربه بها حتى قتله و هو يقول
يا نفس لا تراعي إن قطعت كراعي إن معي ذراعيفلا يعرف في العرب أحد صنع صنيعه. و منها أعبد العرب هرم بن حيان صاحب أويس القرني. و منها أجود العرب عبد الله بن سواد بن همام غزا السند في أربعة آلاف ففتحها و أطعم الجيش كله ذاهبا و قافلا فبلغه أن رجلا من الجيش مرض فاشتهى خبيصا شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 5أمر باتخاذ الخبيص لأربعة آلاف إنسان فأطعمهم حتى فضل و تقدم إليهم ألا يوقد أحد منهم نارا لطعام في عسكره مع ناره. و منها أخطب العرب مصقلة بن رقبة به يضرب المثل فيقال أخطب من مصقلة. و منها أهدى العرب في الجاهلية و أبعدهم مغارا و أثرا في الأرض في عدوه و هو دعيميص الرمل كان يعرف بالنجوم هداية و كان أهدى من القطا يدفن بيض النعام في الرمل مملوءا ماء ثم يعود إليه فيستخرجه. فأما المنذر بن الجارود فكان شريفا و ابنه الحكم بن المنذر يتلوه في الشرف و المنذر غير معدود في الصحابة و لا رأى رسول الله ص و لا ولد له في أيامه و كان تائها معجبا بنفسه و في الحكم ابنه يقول الراجز
يا حكم بن المنذر بن الجارود أنت الجواد ابن الجواد المحمودسرادق المجد عليك ممدود
و كان يقال أطوع الناس في قومه الجارود بن بشر بن المعلى لما قبض رسول الله ص فارتدت العرب خطب قومه فقال أيها الناس إن كان محمد قد مات فإن الله حتى لا يموت فاستمسكوا بدينكم و من ذهب له في هذه الفتنة دينار أو درهم أو بقرة أو شاة فعلي مثلاه فما خالفه من عبد القيس أحد.(19/43)


قوله ع إن صلاح أبيك غرني منك قد ذكرنا حال الجارود و صحبته و صلاحه و كثيرا ما يغتر الإنسان بحال الآباء فيظن أن الأبناء على منهاجهم فلا يكون و الأمر كذلك يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ. قوله فيما رقي بالتشديد أي فيما رفع إلي و أصله أن يكون الإنسان في موضع عال شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 58فيرقى إليه شي ء و كان العلو هاهنا هو علو المرتبة بين الإمام و الأمير و نحوه قولهم تعال باعتبار علو رتبة الآمر على المأمور و اللام في لهواك متعلقة بمحذوف دل عليه انقيادا و لا يتعلق بنانقياد لأن المتعلق من حروف الجر بالمصدر لا يجوز أن يتقدم على المصدر. و العتاد العدة. قوله و تصل عشيرتك كان فيما رقي إليه عنه أنه يقتطع المال و يفيضه على رهطه و قومه و يخرج بعضه في لذاته و مآربه. قوله لجمل أهلك العرب تضرب بالجمل المثل في الهوان قال
لقد عظم البعير بغير لب و لم يستغن بالعظم البعيريصرفه الصبي بكل وجه و يحبسه على الخسف الجريرو تضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه و لا نكير(19/44)

54 / 150
ع
En
A+
A-