روي أن عبدا لموسى بن جعفر ع قدم إليه صحفة فيها طعام حار فعجل فصبها على رأسه و وجهه فغضب فقال له وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ قال قد كظمت قال وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ قال قد عفوت قال وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ قال أنت حر لوجه الله و قد نحلتك ضيعتي الفلانية
و منها قوله و احلم عند الغضب هذه مناسبة الأولى و قد تقدم منا قول كثير في الحلم و فضله و كذلك القول في قوله ع و تجاوز عند القدرة و كان يقال القدرة تذهب الحفيظة. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 47و منها قوله و اصفح مع الدولة تكن لك العاقبة هذه كانت شيمة رسول ال ص و شيمة علي ع أما شيمة رسول الله ص فظفر بمشركي مكة و عفا عنهم كما سبق القول فيه في عام الفتح و أما علي ع فظفر بأصحاب الجمل و قد شقوا عصا الإسلام عليه و طعنوا فيه و في خلافته فعفا عنهم مع علمه بأنهم يفسدون عليه أمره فيما بعد و يصيرون إلى معاوية إما بأنفسهم أو بآرائهم و مكتوباتهم و هذا أعظم من الصفح عن أهل مكة لأن أهل مكة لم يبق لهم لما فتحت فئة يتحيزون إليها و يفسدون الدين عندها. و منها قوله و استصلح كل نعمة أنعمها الله عليك معنى استصلحها استدمها لأنه إذا استدامها فقد أصلحها فإن بقاءها صلاح لها و استدامتها بالشكر. و منها قوله و لا تضيعن نعمة من نعم الله عندك أي واس الناس منها و أحسن إليهم و اجعل بعضها لنفسك و بعضها للصدقة و الإيثار فإنك إن لم تفعل ذلك تكن قد أضعتها. و منها قوله و لير عليك أثر النعمة قد أمر بأن يظهر الإنسان على نفسه آثار نعمة الله عليه و قال سبحانه وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ و قال الرشيد لجعفر قم بنا لنمضي إلى منزل الأصمعي فمضيا إليه خفية و معهما خادم معه ألف دينار ليدفع ذلك إليه فدخلا داره فوجدا كساء جرداء و بارية سملاء و حصيرا مقطوعا و خباء قديمة و أباريق من خزف و دواة من زجاج و دفاتر عليها التراب و حيطانا مملوءة من نسج العناكب فوجم(19/35)


الرشيد و سأله مسائل غشة لم تكن من غرضه و إنما قطع بها خجله و قال الرشيد لجعفر أ لا ترى إلى نفس هذا المهين قد بررناه بأكثر شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 48من خمسين ألف دينار و هذه حاله لم تظهر عليه آثارعمتنا و الله لا دفعت إليه شيئا و خرج و لم يعطه. و منها قوله و اعلم أن أفضل المؤمنين أفضلهم تقدمة من نفسه و أهله و ماله أي أفضلهم إنفاقا في البر و الخير من ماله و هي التقدمة قال الله تعالى وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ فأما النفس و الأهل فإن تقدمتهما في الجهاد و قد تكون التقدمة في النفس بأن يشفع شفاعة حسنة أو يحضر عند السلطان بكلام طيب و ثناء حسن و أن يصلح بين المتخاصمين و نحو ذلك و التقدمة في الأهل أن يحج بولده و زوجته و يكلفهما المشاق في طاعة الله و أن يؤدب ولده إن أذنب و أن يقيم عليه الحد و نحو ذلك. و منها قوله و ما تقدم من خير يبق لك زخره و ما تؤخره يكن لغيرك خيره و قد سبق مثل هذا و أن ما يتركه الإنسان بعده فقد حرم نفعه و كأنما كان يكدح لغيره و ذلك من الشقاوة و قلة التوفيق. و منها قوله و احذر صحابة من يفيل رأيه الصحابة بفتح الصاد مصدر صحبت و الصحابة بالفتح أيضا جمع صاحب و المراد هاهنا الأول و فال رأيه فسد و هذا المعنى قد تكرر و قال طرفة
عن المرء لا تسأل و سل عن قرينه فإن القرين بالمقارن يقتدي(19/36)


و منها قوله و اسكن الأمصار العظام قد قيل لا تسكن إلا في مصر فيه سوق قائمة و نهر جار و طبيب حاذق و سلطان عادل فأما منازل الغفلة و الجفاء فمثل قرى السواد الصغار فإن أهلها لا نور فيهم و لا ضوء عليهم و إنما هم كالدواب شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 49و الأنعام هم الحرث و الفلاحة و لا يفقهون شيئا أصلا فمجاورتهم تعمي القلب و تظلم الحس و إذا لم يجد الإنسان من يعينه على طاعة الله و على تعلم العلم قصر فيهما. و منها قوله و اقصر رأيك على ما يعنيك كان يقال من دخل فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه. و منها نهيه إياه عن القعود في الأسواق قد جاء في المثل السوق محل الفسوق. و
جاء في الخبر المرفوع الأسواق مواطن إبليس و جنده(19/37)


و ذلك لأنها قلما تخلو عن الأيمان الكاذبة و البيوع الفاسدة و هي أيضا مجمع النساء المومسات و فجار الرجال و فيها اجتماع أرباب الأهواء و البدع فلا يخلو أن يتجادل اثنان منهم في المذاهب و النحل فيفضي إلى الفتن. و منها قوله و انظر إلى من فضلت عليه كان يقال انظر إلى من دونك و لا تنظر إلى من فوقك و قد بين ع السر فيه فقال إن ذلك من أبواب الشكر و صدق ع لأنك إذا رأيت جاهلا و أنت عالم أو عالما و أنت أعلم منه أو فقيرا و أنت أغنى منه أو مبتلى بسقم و أنت معافى عنه كان ذلك باعثا و داعيا لك إلى الشكر. و منها نهيه عن السفر يوم الجمعة ينبغي أن يكون هذا النهي عن السفر يوم الجمعة قبل الصلاة و أما بعد الصلاة فلا بأس به و استثنى فقال إلا فاصلا في سبيل الله أي شاخصا إلى الجهاد. قال أو في أمر تعذر به أي لضرورة دعتك إلى ذلك. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 50و قد ورد نهي كثير عن السفر يوالجمعة قبل أداء الفرض على أن من الناس من كره ذلك بعد الصلاة أيضا و هو قول شاذ. و منها قوله و أطع الله في جمل أمورك أي في جملتها و فيها كلها و ليس يعني في جملتها دون تفاصيلها قال فإن طاعة الله فاضلة على غيرها و صدق ع لأنها توجب السعادة الدائمة و الخلاص من الشقاء الدائم و لا أفضل مما يؤدي إلى ذلك. و منها قوله و خادع نفسك في العبادة أمره أن يتلطف بنفسه في النوافل و أن يخادعها و لا يقهرها فتمل و تضجر و تترك بل يأخذ عفوها و يتوخى أوقات النشاط و انشراح الصدر للعبادة. قال فأما الفرائض فحكمها غير هذا الحكم عليك أن تقوم بها كرهتها النفس أو لم تكرهها ثم أمره أن يقوم بالفريضة في وقتها و لا يؤخرها عنه فتصير قضاء. و منها قوله و إياك أن ينزل بك المنون و أنت آبق من ربك في طلب الدنيا هذه وصية شريفة جدا جعل طالب الدنيا المعرض عن الله عند موته كالعبد الآبق يقدم به على مولاه أسيرا مكتوفا ناكس الرأس فما ظنك به حينئذ. و منها قوله و إياك و(19/38)


مصاحبة الفساق فإن الشر بالشر ملحق يقول إن الطباع ينزع بعضها إلى بعض فلا تصحبن الفساق فإنه ينزع بك ما فيك من طبع الشر إلى مساعدتهم على الفسوق و المعصية و ما هو إلا كالنار تقوى بالنار فإذا لم تجاورها و تمازجها نار كانت إلى الانطفاء و الخمود أقرب. شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 51و روي ملحق بكسر الحاء و قد جاء ذلك في الخبر النبوي فإن عذابك بالكفار ملحق
بالكسر. و منها قوله و أحب أحباءه
قد جاء في الخبر لا يكمل إيمان امرئ حتى يحب من أحب الله و يبغض من أبغض الله
و منها قوله و احذر الغضب قد تقدم لنا كلام طويل في الغضب و
قال إنسان للنبي ص أوصني قال لا تغضب فقال زدني فقال لا تغضب قال زدني قال لا أجد لك مزيدا
و إنما جعله ع جندا عظيما من جنود إبليس لأنه أصل الظلم و القتل و إفساد كل أمر صالح و هو إحدى القوتين المشئومتين اللتين لم يخلق أضر منهما على الإنسان و هما منبع الشر الغضب و الشهوة(19/39)

53 / 150
ع
En
A+
A-