شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 6941- و من كتاب له ع كتبه إلى الحارث الهمدانيوَ تَمَسَّكْ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ وَ انْتَصِحْهُ وَ أَحِلَّ حَلَالَهُ وَ حَرِّمْ حَرَامَهُ وَ صَدِّقْ بِمَا سَلَفَ مِنَ الْحَقِّ وَ اعْتَبِرْ بِمَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا لِمَا بَقِيَ مِنْهَا فَإِنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ بَعْضاً وَ آخِرَهَا لَاحِقٌ بِأَوَّلِهَا وَ كُلُّهَا حَائِلٌ مُفَارِقٌ وَ عَظِّمِ اسْمَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرَهُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ وَ أَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ وَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَ لَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِلَّا بِشَرْطٍ وَثِيقٍ وَ احْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ وَ يَكْرَهُهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَ احْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي السِّرِّ وَ يُسْتَحَى مِنْهُ فِي الْعَلَانِيَةِ وَ احْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ إِذَا سُئِلَ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَنْكَرَهُ وَ اعْتَذَرَ مِنْهُ وَ لَا تَجْعَلْ عِرْضَكَ غَرَضاً لِنِبَالِ الْقَوْمِ وَ لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِهِ فَكَفَى بِذَلِكَ كَذِباً وَ لَا تَرُدَّ عَلَى النَّاسِ كُلَّ مَا حَدَّثُوكَ بِهِ فَكَفَى بِذَلِكَ جَهْلًا وَ اكْظِمِ الْغَيْظَ وَ احْلُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ وَ تَجَاوَزْ عِنْدَ الْمَقْدِرَةِ وَ اصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ تَكُنْ لَكَ الْعَاقِبَةُ وَ اسْتَصْلِحْ كُلَّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَيْكَ وَ لَا تُضَيِّعَنَّ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عِنْدَكَ وَ لْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ وَ اعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةً مِنْ نَفْسِهِ وَ أَهْلِهِ وَ مَالِهِ وَ إِنَّكَ مَا تُقَدِّمْ مِنْ خَيْرٍ يَبْقَ لَكَ ذُخْرُهُ وَ مَا تُؤَخِّرْهُ يَكُنْ لِغَيْرِكَ خَيْرُهُ شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 42وَ احْذَرْ صَحَابَةَ مَنْ يَفِيلُ رَأْيُهُ(19/30)


وَ يُنْكَ عَمَلُهُ فَإِنَّ الصَّاحِبَ مُعْتَبَرٌ بِصَاحِبِهِ وَ اسْكُنِ الْأَمْصَارَ الْعِظَامَ فَإِنَّهَا جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَ احْذَرْ مَنَازِلَ الْغَفْلَةِ وَ الْجَفَاءِ وَ قِلَّةَ الْأَعْوَانِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَ اقْصُرْ رَأْيَكَ عَلَى مَا يَعْنِيكَ وَ إِيَّاكَ وَ مَقَاعِدَ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا مَحَاضِرُ الشَّيْطَانِ وَ مَعَارِيضُ الْفِتَنِ وَ أَكْثِرْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الشُّكْرِ وَ لَا تُسَافِرْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَشْهَدَ الصَّلَاةَ إِلَّا فَاصِلًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي أَمْرٍ تُعْذَرُ بِهِ وَ أَطِعِ اللَّهَ فِي جُمَلِ أُمُورِكَ فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ فَاضِلَةٌ عَلَى مَا سِوَاهَا وَ خَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ وَ ارْفُقْ بِهَا وَ لَا تَقْهَرْهَا وَ خُذْ عَفْوَهَا وَ نَشَاطَهَا إِلَّا مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وَ تَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّهَا وَ إِيَّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ الْمَوْتُ وَ أَنْتَ آبِقٌ مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَ إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَةَ الْفُسَّاقِ فَإِنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ وَ وَقِّرِ اللَّهَ وَ أَحْبِبْ أَحِبَّاءَهُ وَ احْذَرِ الْغَضَبَ فَإِنَّهُ جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ وَ السَّلَامُ
الحارث الأعور و نسبه
هو الحارث الأعور صاحب أمير المؤمنين ع و هو الحارث بن عبد الله بن كعب بن أسد بن نخلة بن حرث بن سبع بن صعب بن معاوية الهمداني كان أحد شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 43الفقهاء له قول في الفتيا و كان صاحب علي ع و إليه تنسب الشيعة الخطاب الذي خاطبه به في قوله ع
يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا
و هي أبيات مشهورة قد ذكرناها فيما تقدم
نبذ من الأقوال الحكيمة(19/31)


و قد اشتمل هذا الفصل على وصايا جليلة الموقع منها قوله و تمسك بحبل القرآن
جاء في الخبر المرفوع لما ذكر الثقلين فقال أحدهما كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض طرف بيد الله و طرف بأيديكم
و منها قوله انتصحه أي عده ناصحا لك فيما أمرك به و نهاك عنه. و منها قوله و أحل حلاله و حرم حرامه أي احكم بين الناس في الحلال و الحرام بما نص عليه القرآن. و منها قوله و صدق بما سلف من الحق أي صدق بما تضمنه القرآن من أيام الله و مثلاته في الأمم السالفة لما عصوا و كذبوا. و منها قوله و اعتبر بما مضى من الدنيا لما بقي منها و في المثل إذا شئت أن تنظر الدنيا بعدك فانظرها بعد غيرك و قال الشاعر
و ما نحن إلا مثلهم غير أننا أقمنا قليلا بعدهم ثم نرحل
و يناسب قوله و آخرها لاحق بأولها و كلها حائل مفارق قوله أيضا ع شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 44في غير هذا الفصل الماضيللمقيم عبرة و الميت للحي عظة و ليس لأمس عودة و لا المرء من غد على ثقة الأول للأوسط رائد و الأوسط للأخير قائد و كل بكل لاحق و الكل للكل مفارق(19/32)


و منها قوله و عظم اسم الله أن تذكره إلا على حق قال الله سبحانه وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ و قد نهى عن الحلف بالله في الكذب و الصدق أما في أحدهما فمحرم و أما في الآخر فمكروه و لذلك لا يجوز ذكر اسمه تعالى في لغو القول و الهزء و العبث. و منها قوله و أكثر ذكر الموت و ما بعد الموت جاء في الخبر المرفوع أكثروا ذكر هاذم اللذات و ما بعد الموت العقاب و الثواب في القبر و في الآخرة. و منها قوله و لا تتمن الموت إلا بشرط وثيق هذه كلمة شريفة عظيمة القدر أي لا تتمن الموت إلا و أنت واثق من أعمالك الصالحة أنها تؤديك إلى الجنة و تنقذك من النار و هذا هو معنى قوله تعالى لليهود إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. و منها قوله و احذر كل عمل يرضاه صاحبه لنفسه و يكرهه لعامة المسلمين و احذر كل عمل يعمل في السر و يستحيا منه في العلانية و احذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره و اعتذر منه و هذه الوصايا الثلاث متقاربة في المعنى و يشملها معنى قول الشاعر
لا تنه عن خلق و تأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 45و قال الله تعالى حاكيا عن نبي من أنبيائه وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ. و من كلام الجنيد الصوفي ليكن عملك من وراء سترك كعملك من وراء الزجاج الصافي و في المثل و هو منسوب إلى علي ع إياك و ما يعتذر م. و منها قوله و لا تجعل عرضك غرضا لنبال القوم قال الشاعر
لا تستتر أبدا ما لا تقوم له و لا تهيجن من عريسة الأسداإن الزنابير إن حركتها سفها من كورها أوجعت من لسعها الجسدا
و قال(19/33)


مقالة السوء إلى أهلها أسرع من منحدر سائل و من دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق و بالباطلو منها قوله و لا تحدث الناس بكل ما سمعت فكفى بذلك كذبا قد نهى أن يحدث الإنسان بكل ما رأى من العجائب فضلا عما سمع لأن الحديث الغريب المعجب تسارع النفس إلى تكذيبه و إلى أن تقوم الدلالة على صدقه قد فرط من سوء الظن فيه ما فرط. و يقال إن بعض العلوية قال في حضرة عضد الدولة ببغداد عندنا في الكوفة نبق وزن كل نبقة مثقالان فاستطرف الملك ذلك و كاد يكذبه الحاضرون فلما قام ذكر ذلك لأبيه فأرسل حماما كان عنده في الحال إلى الكوفة يأمر وكلاءه بإرسال مائة حمامة في رجلي كل واحدة نبقتان من ذلك النبق فجاء النبق في بكرة الغد و حمل إلى عضد الدولة فاستحسنه و صدقه حينئذ ثم قال له لعمري لقد صدقت شرح نهج البلاغة ج : 18 ص : 46و لكن لا تحدث فيما بعد بكل ما رأيت من الغرائب فليس كل وقت يتهيأ لك إرسال الحمام. و كان يقال الناس يكتبون أحسن ما يسمعون و يحفظون أحسن ما يكتبون و يتحدثون بأحسن يحفظون و الأصدق نوع تحت جنس الأحسن و منها قوله و لا ترد على الناس كل ما حدثوك فكفى بذلك جهلا من الجهل المبادرة بإنكار ما يسمعه و قال ابن سينا في آخر الإشارات إياك أن يكون تكيسك و تبرؤك من العامة هو أن تنبري منكرا لكل شي ء فلذلك عجز و طيش و ليس الخرق في تذيبك ما لم يستبن لك بعد جليته دون الخرق في تصديقك بما لم تقم بين يديك بينة بل عليك الاعتصام بحبل التوقف و إن أزعجك استنكار ما يوعيه سمعك مما لم يبرهن على استحالته لك فالصواب أن تسرح أمثال ذلك إلى بقعة الإمكان ما لم يذدك عنها قائم البرهان. و منها قوله و اكظم الغيظ قد مدح الله تعالى ذلك فقال وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ و(19/34)

52 / 150
ع
En
A+
A-