ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِيَاراً وَ لَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَ أَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَ الْخِيَانَةِ وَ تَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَ الْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ الْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً وَ أَصَحُّ أَعْرَاضاً وَ أَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً وَ أَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 69ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزقَ فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَ غِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَ ابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَ الْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَ الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ وَ تَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَ أَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَ قَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ(18/58)


لما فرغ ع من أمر القضاء شرع في أمر العمال و هم عمال السواد و الصدقات و الوقوف و المصالح و غيرها فأمره أن يستعملهم بعد اختبارهم و تجربتهم و ألا يوليهم محاباة لهم و لمن يشفع فيهم و لا أثرة و لا إنعاما عليهم. كان أبو الحسن بن الفرات يقول الأعمال للكفاة من أصحابنا و قضاء الحقوق على خواص أموالنا. و كان يحيى بن خالد يقول من تسبب إلينا بشفاعة في عمل فقد حل عندنا محل من ينهض بغيره و من لم ينهض بنفسه لم يكن للعمل أهلا. و وقع جعفر بن يحيى في رقعة متحرم به هذا فتى له حرمة الأمل فامتحنه بالعمل فإن كان كافيا فالسلطان له دوننا و إن لم يكن كافيا فنحن له دون السلطان. ثم قال ع فإنهما يعني استعمالهم للمحاباة و الأثرة جماع من شعب الجور و الخيانة و قد تقدم شرح مثل هذه اللفظة و المعنى أن ذلك يجمع ضروبا من الجور و الخيانة أما الجور فإنه يكون قد عدل عن المستحق إلى غير المستحق ففي ذلك جور على المستحق. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 70و أما الخيانة فلأن الأمانة تقتضي تقليد الأعمال الأكفاء فمن لم يعتمد ذلك فقد خان من ولاه. ثم أمره بتخير من قد جرب و من هو من أهل البيوتات و الأشراف لشدة الحرص على الشي ء و الخوف من فواته. ثم أمره بإسباغ ازاق عليهم فإن الجائع لا أمانة له و لأن الحجة تكون لازمة لهم إن خانوا لأنهم قد كفوا مئونة أنفسهم و أهليهم بما فرض لهم من الأرزاق. ثم أمره بالتطلع عليهم و إذكاء العيون و الأرصاد على حركاتهم. و حدوة باعث يقال حداني هذا الأمر حدوة على كذا و أصله سوق الإبل و يقال للشمال حدواء لأنها تسوق السحاب. ثم أمره بمؤاخذة من ثبتت خيانته و استعادة المال منه و قد صنع عمر كثيرا من ذلك و ذكرناه فيما تقدم. قال بعض الأكاسرة لعامل من عماله كيف نومك بالليل قال أنامه كله قال أحسنت لو سرقت ما نمت هذا النوم(18/59)


وَ تَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَ صَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ وَ لَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَ أَهْلِهِ وَ لْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ وَ مَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ وَ أَهْلَكَ شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 71الْعِبَادَ وَ لَمْ يَسْتَقِمْ مْرُهُ إِلَّا قَلِيلًا فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ وَ لَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْ ءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ وَ تَزْيِينِ وِلَايَتِكَ مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ وَ تَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ وَ الثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَ رِفْقِكَ بِهِمْ فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ وَ إِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا وَ إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ وَ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ وَ قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ(18/60)


انتقل ع من ذكر العمال إلى ذكر أرباب الخراج و دهاقين السواد فقال تفقد أمرهم فإن الناس عيال عليهم و كان يقال استوصوا بأهل الخراج فإنكم لا تزالون سمانا ما سمنوا. و رفع إلى أنوشروان أن عامل الأهواز قد حمل من مال الخراج ما يزيد على العادة و ربما يكون ذلك قد أجحف بالرعية فوقع يرد هذا المال على من قد استوفى منه فإن تكثير الملك ماله بأموال رعيته بمنزلة من يحصن سطوحه بما يقتلعه من قواعد بنيانه. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 72و كان على خاتم أنوشروان لا يكون عمران حيث يجور السلطان. و روي استحلاب الخراج بالحاء. ثم قال ن شكوا ثقلا أي ثقل طسق الخراج المضروب عليهم أو ثقل وطأة العامل. قال أو علة نحو أن يصيب الغلة آفة كالجراد و البرق أو البرد. قال أو انقطاع شرب بأن ينقص الماء في النهر أو تتعلق أرض الشرب عنه لفقد الحفر. قال أو بالة يعني المطر. قال أو إحالة أرض اغتمرها غرق يعني أو كون الأرض قد حالت و لم يحصل منها ارتفاع لأن الغرق غمرها و أفسد زرعها. قال أو أجحف بها عطش أي أتلفها. فإن قلت فهذا هو انقطاع الشرب قلت لا قد يكون الشرب غير منقطع و مع ذلك يجحف بها العطش بأن لا يكفيها الماء الموجود في الشرب. ثم أمره أن يخفف عنهم متى لحقهم شي ء من ذلك فإن التخفيف يصلح أمورهم و هو و إن كان يدخل على المال نقصا في العاجل إلا أنه يقتضي توفير زيادة في الآجل فهو بمنزلة التجارة التي لا بد فيها من إخراج رأس المال و انتظار عوده و عود ربحه. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 73قال و مع ذلك فإنه يفضي إلىين بلادك بعمارتها و إلى أنك تبجح بين الولاة بإفاضة العدل في رعيتك معتمدا فضل قوتهم و معتمدا منصوب على الحال من الضمير في خففت الأولى أي خففت عنهم معتمدا بالتخفيف فضل قوتهم. و الإجمام الترفيه. ثم قال له و ربما احتجت فيما بعد إلى تكلفهم بحادث يحدث عندك المساعدة بمال يقسطونه عليهم قرضا أو معونة محضة فإذا كانت لهم ثروة نهضوا(18/61)


بمثل ذلك طيبة قلوبهم به. ثم قال ع فإن العمران محتمل ما حملته. سمعت أبا محمد بن خليد و كان صاحب ديوان الخراج في أيام الناصر لدين الله يقول لمن قال له قد قيل عنك إن واسط و البصرة قد خربت لشدة العنف بأهلها في تحصيل الأموال فقال أبو محمد ما دام هذا الشط بحاله و النخل نابتا في منابته بحاله ما تخرب واسط و البصرة أبدا. ثم قال ع إنما تؤتى الأرض أي إنما تدهى من إعواز أهلها أي من فقرهم. قال و الموجب لإعوازهم طمع ولاتهم في الجباية و جمع الأموال لأنفسهم و لسلطانهم و سوء ظنهم بالبقاء يحتمل أن يريد به أنهم يظنون طول البقاء و ينسون الموت و الزوال. و يحتمل أن يريد به أنهم يتخيلون العزل و الصرف فينتهزون الفرص و يقتطعون الأموال و لا ينظرون في عمارة البلاد شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 7عهد سابور بن أردشير لابنه(18/62)

5 / 150
ع
En
A+
A-