شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 264ألا يفعل و ليس أحد يستطيع أن يكلمه في شي ء يكرهه قال أبو سفيان فما الرأي عندك فتشير لأمري فإنه قد ضاق علي فمرني بأمر ترى أنه نافعي قال علي ع و الله ما أجد لك شيئا مثل أن تقوم فتجير بين الناس فإنك سيد كنانة قال أ ترى ذلك مغ عني شيئا قال علي إني لا أظن ذلك و الله و لكني لا أجد لك غيره فقام أبو سفيان بين ظهري الناس فصاح ألا إني قد أجرت بين الناس و لا أظن محمدا يحقرني ثم دخل على رسول الله ص فقال يا محمد ما أظن أن ترد جواري فقال ع أنت تقول ذلك يا أبا سفيان و يقال إنه لما صاح لم يأت النبي ص و ركب راحلته و انطلق إلى مكة و يروى أنه أيضا أتى سعد بن عبادة فكلمه في ذلك و قال يا أبا ثابت قد عرفت الذي كان بيني و بينك و إني كنت لك في حرمنا جارا و كنت لي بيثرب مثل ذلك و أنت سيد هذه المدرة فأجر بين الناس و زدني في المدة فقال سعد جواري جوار رسول الله ص ما يجير أحد على رسول الله ص فلما انطلق أبو سفيان إلى مكة و قد كان طالت غيبته عن قريش و أبطأ فاتهموه و قالوا نراه قد صبا و اتبع محمدا سرا و كتم إسلامه فلما دخل على هند ليلا قالت قد احتبست حتى اتهمك قومك فإن كنت جئتهم بنجح فأنت الرجل و قد كان دنا منها ليغشاها فأخبرها الخبر و قال لم أجد إلا ما قال لي علي فضربت برجلها في صدوره و قالت قبحت من رسول قوم. قال الواقدي فحدثني عبد الله بن عثمان عن أبي سليمان عن أبيه قال لما أصبح أبو سفيان حلق رأسه عند الصنمين أساف و نائلة و ذبح لهما و جعل يمسح بالدم رءوسهما و يقول لا أفارق عبادتكما حتى أموت على ما مات عليه أبي قال فعل ذلك ليبرئ نفسه مما اتهمته قريش به شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 265قال الواقدي و قالت قريش لأبي سفيان ما صنعت و ما وراءك و هل جئتنا بكتاب من محمد و زيادة في المدة فإنا لا نأمن من أن يغزونا فقال الله لقد أبى علي و لقد كلمت عليه أصحابه فما قدرت على شي ء منهم و(18/243)
رموني بكلمة منهم واحدة إلا أن عليا قال لما ضاقت بي الأمور أنت سيد كنانة فأجر بين الناس فناديت بالجوار ثم دخلت على محمد فقلت إني قد أجرت بين الناس و ما أظن محمدا يرد جواري فقال محمد أنت تقولذاك يا أبا سفيان لم يزد على ذلك قالوا ما زاد علي على أن يلعب بك تلعبا قال فو الله ما وجدت غير ذلك.
قال الواقدي فحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم قال لما خرج أبو سفيان عن المدينة قال رسول الله ص لعائشة جهزينا و أخفي أمرك
و قال رسول الله ص اللهم خذ عن قريش الأخبار و العيون حتى نأتيهم بغتة
و روي أنه قال اللهم خذ على أبصارهم فلا يروني إلا بغتة و لا يسمعون بي إلا فجأة(18/244)
قال و أخذ رسول الله ص الأنقاب و جعل عليها الرجال و منع من يخرج من المدينة فدخل أبو بكر على عائشة و هي تجهز رسول الله ص تعمل له قمحا سويقا و دقيقا و تمرا فقال لها أ هم رسول الله ص بغزو قالت لا أدري قال إن كان هم بسفر فآذنينا نتهيأ له قالت لا أدري لعله أراد بني سليم لعله أراد ثقيفا أو هوازن فاستعجمت عليه فدخل على رسول الله ص فقال يا رسول الله أردت سفرا قال نعم قال أ فأتجهز قال نعم قال و أين تريد قال قريشا و أخف ذلك يا أبا بكر و أمر رسول الله ص الناس فتجهزوا و طوى عنهم الوجه الذي يريد و قال له أبو بكر يا رسول الله أ و ليس بيننا و بينهم مدة فقال إنهم غدروا و نقضوا العهد شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 266فأنا غازيهم فاطو ما ذكرت لك فكان الناس بين ظان يظن أنه يريد سليما و ظان يظن أنه يريد هوازن و ظان يظن أنه يريد ثقيفا و ظان يظن أنه يريد الشام و بعث رسول الله ص أبا ادة بن ربعي في نفر إلى بطن ليظن الناس أن رسول الله ص قدم أمامه أولئك الرجال لتوجهه إلى تلك الجهة و لتذهب بذلك الأخبار. قال الواقدي حدثني المنذر بن سعد عن يزيد بن رومان قال لما أجمع رسول الله ص المسير إلى قريش و علم بذلك من علم من الناس كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله ص في أمرهم و أعطى الكتاب امرأة من مزينة و جعل لها على ذلك جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلت الكتاب في رأسها ثم فتلت عليه قرونها و خرجت به و أتى الخبر إلى النبي ص من السماء بما صنع حاطب فبعث عليا ع و الزبير فقال أدركا امرأة من مزينة قد كتب معها حاطب كتابا يحذر قريشا فخرجا و أدركاها بذي الحليفة فاستنزلاها و التمسا الكتاب في رحلها فلم يجدا شيئا فقالا لها نحلف بالله ما كذب رسول الله ص و لا كذبنا و لتخرجن الكتاب أو لنكشفنك فلما رأت منهما الجد حلت قرونها و استخرجت الكتاب فدفعته إليهما فأقبلا به إلى رسول الله ص فدعا حاطبا و قال له ما حملك(18/245)
على هذا فقال يا رسول الله و الله إني لمسلم مؤمن بالله و رسوله ما غيرت و لا بدلت و لكني كنت امرأ ليس لي في القوم أصل و لا عشيرة و كان لي بين أظهرهم أهل و ولد فصانعتهم فقال عمر قاتلك الله ترى رسول الله ص يأخذ بالأنقاب و تكتب إلى قريش تحذرهم دعني يا رسول الله أضرب عنقه فإنه قد نافق
فقال رسول الله ص شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 267و ما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكمقال الواقدي فلما خرج رسول الله ص من المدينة بالألوية المعقودة و الرايات بعد العصر من يوم الأربعاء لعشر خلون من شهر رمضان لم يحل عقده حتى انتهى إلى الصلصل و المسلمون يقودون الخيل و قد امتطوا الإبل و قدم أمامه الزبير بن العوام في مائتين قال فلما كان بالبيداء نظر إلى عنان السماء فقال إني لأرى السحاب تستهل بنصر بني كعب يعني خزاعة. قال الواقدي و جاء كعب بن مالك ليعلم أي جهة يقصد فبرك بين يديه على ركبتيه ثم أنشده
قضينا من تهامة كل نحب و خيبر ثم أحمينا السيوفافسائلها و لو نطقت لقالت قواضبهن دوسا أو ثقيفافلست بحاضر إن لم تروها بساحة داركم منها ألوفافننتزع الخيام ببطن وج و نترك دوركم منها خلوفا(18/246)
قال فتبسم رسول الله ص و لم يزد على ذلك فجعل الناس يقولون و الله ما بين لك رسول الله ص شيئا فلم تزل الناس كذلك حتى نزلوا بمر الظهران. قال الواقدي و خرج العباس بن عبد المطلب و مخرمة بن نوفل من مكة يطلبان رسول الله ص ظنا منهما أنه بالمدينة يريدان الإسلام فلقياه بالسقيا. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 268قال الواقدي فلما كانت الليلة التي أصبح فيها بالجحفة رأى فيها أبو بكر في منامه أن النبي ص و أصحابه قد دنوا من مكة فخرجت عليهم كلبة تهر فلما دنوا منها استلقت على قفاها و إذا أطباؤها تشخب لبنا فقصها على رسول الله ص ال ذهب كلبهم و أقبل درهم و هم سائلونا بأرحامهم و أنتم لاقون بعضهم فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه قال الواقدي و إلى أن وصل مر الظهران لم يبلغ قريشا حرف واحد من حاله فلما نزل بمر الظهران أمر أصحابه أن يوقدوا النار فأوقدوا عشرة آلاف نار و أجمعت قريش أن يبعثوا أبا سفيان يتجسس لهم الأخبار فخرج هو و حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء قال و قد كان العباس بن عبد المطلب قال وا سوء صباح قريش و الله إن دخلها رسول الله ص عنوة إنه لهلاك قريش آخر الدهر قال العباس فأخذت بغلة رسول الله ص الشهباء فركبتها و قلت ألتمس حطابا أو إنسانا أبعثه إلى قريش فيلقوا رسول الله ص قبل أن يدخلها عليهم عنوة فو الله إني لفي الأراك ليلا أبتغي ذلك إذ سمعت كلاما يقول و الله إن رأيت كالليلة نارا قال يقول بديل بن ورقاء إنها نيران خزاعة جاشها الحرب قال يقول أبو سفيان خزاعة أذل من أن تكون هذه نيرانها و عسكرها فعرفت صوته فقلت أبا حنظلة فعرف صوتي فقال لبيك أبا الفضل فقلت ويحك هذا رسول الله ص في عشرة آلاف و هو مصبحكم فقال بأبي و أمي فهل من حيلة فقلت نعم تركب عجز هذه البغلة فأذهب بك إلى رسول الله ص فإنه إن ظفر بك دون ذلك ليقتلنك قال و الله أنا أرى ذلك فركب خلفي و رحل شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 269بديل و حكيم فتوجهت به فلما(18/247)