ثم ذكروا له ما أثار الشر و قالوا له إن أنس بن زنيم هجاك و إن صفوان بن أمية و فلانا و فلانا دسوا إلينا رجال قريش مستنصرين فبيتونا بمنزلنا بالوتير فقتلونا و جئناك مستصرخين بك فزعموا أن رسول الله ص قام مغضبا يجر رداءه و يقول لا نصرت إن لم أنصر خزاعة فيما أنصر منه نفسي. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 259قلت فصادف ذلك من رسول الله ص إيثارا و حبا لنقض العهد لأنه كان يريد أن يفتح مكة و هم بها في عام الحديبية فصد ثم هم بها في عمرة القضية ثم وقف لأجل العهد و الميثاق الذي كان عقده معهم فلما جرى ما جرى على خزاعة اغتنمهاقال الواقدي فكتب إلى جميع الناس في أقطار الحجاز و غيرها يأمرهم أن يكونوا بالمدينة في رمضان من سنة ثمان للهجرة فوافته الوفود و القبائل من كل جهة فخرج من المدينة بالناس يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان في عشرة آلاف فكان المهاجرون سبعمائة و معهم من الخيل ثلاثمائة فرس و كانت الأنصار أربعة آلاف معهم من الخيل خمسمائة و كانت مزينة ألفا فيها من الخيل مائة فرس و كانت أسلم أربعمائة فيها من الخيل ثلاثون فرسا و كانت جهينة ثمانمائة معها خمسون فرسا و من سائر الناس تمام عشرة آلاف و هم بنو ضمرة و بنو غفار و أشجع و بنو سليم و بنو كعب بن عمرو و غيرهم و عقد للمهاجرين ثلاثة ألوية لواء مع علي و لواء مع الزبير و لواء مع سعد بن أبي وقاص و كانت الرايات في الأنصار و غيرهم و كتم عن الناس الخبر فلم يعلم به إلا خواصه و أما قريش بمكة فندمت على ما صنعت بخزاعة و عرفت أن ذلك انقضاء ما بينهم و بين النبي ص من العهد و مشى الحارث بن هشام و عبد الله بن أبي ربيعة إلى أبي سفيان فقالا له إن هذا أمر لا بد له أن يصلح و الله إن لم يصلح لا يروعكم إلا محمد في أصحابه و قال أبو سفيان قد رأت هند بنت عتبة رؤيا كرهتها و أفظعتها و خفت من شرها قالوا ما رأت قال رأت كان دما أقبل من الحجون يسيل حتى وقف بالخندمة مليا ثم كان ذلك(18/238)


الدم لم يكن فكره القوم ذلك و قالوا هذا شر. قال الواقدي فلما رأى أبو سفيان ما رأى من الشر قال هذا و الله أمر لم أشهده
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 260و لم أغب عنه لا يحمل هذا إلا علي و لا و الله ما شوورت و لا هونت حيث بلغني و الله ليغزونا محمد إن صدق ظني و هو صادق و ما لي بد أن آتي محمدا فأكلمه أن يزيد في الهدنة و يجدد العهد قبل أن يبلغه هذا الأمر قالت قريش قد و الله أصبو ندمت قريش على ما صنعت بخزاعة و عرفت أن رسول الله ص لا بد أن يغزوها فخرج أبو سفيان و خرج معه مولى له على راحلتين و أسرع السير و هو يرى أنه أول من خرج من مكة إلى رسول الله ص قال الواقدي و قد روى الخبر على وجه آخر و هو أنه لما قدم ركب خزاعة على رسول الله ص فأخبروه بمن قتل منهم قال لهم بمن تهمتكم و طلبتكم قالوا بنو بكر بن عبد مناة قال كلها قالوا لا و لكن تهمتنا بنو نفاثة قصرة و رأسهم نوفل بن معاوية النفاثي فقال هذا بطن من بكر فأنا باعث إلى أهل مكة فسائلهم عن هذا الأمر و مخيرهم في خصال فبعث إليهم ضمرة يخيرهم بين إحدى خلال ثلاث بين أن يدوا خزاعة أو يبرءوا من حلف نفاثة أو ينبذ إليهم على سواء فأتاهم ضمرة فخيرهم بين الخلال الثلاث فقال قريظة بن عبد عمرو الأعمى أما أن ندي قتلى خزاعة فإنا إن وديناهم لم يبق لنا سبد و لا لبد و أما أن نبرأ من حلف نفاثة فإنه ليس قبيلة تحج هذا البيت أشد تعظيما له من نفاثة و هم حلفاؤنا فلا نبرأ من حلفهم و لكنا ننبذ إليه على سواء فعاد ضمرة إلى رسول الله ص بذلك و ندمت قريش أن ردت ضمرة بما ردته به. قال الواقدي و قد روي غير ذلك روي أن قريشا لما ندمت على قتل خزاعة و قالت محمد غازينا قال لهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح و هو يومئذ كافر مرتد شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 261عندهم أن عندي رأيا أن محمدا ليس يغزوكم حتى يعذر إليكم و يخيركم في خصال كلها أهون عليكم من غزوة قالوا ما هي قال يرسل إليكم أن تدوا(18/239)


قتلى خزاعة أو تبرءوا من حلف من نقض العهد و هم بنو نثة أو ينبذ إليكم العهد فقال القوم أحر بما قال ابن أبي سرح أن يكون فقال سهيل بن عمرو ما خصلة أيسر علينا من أن نبرأ من حلف نفاثة فقال شيبة بن عثمان العبدري حطت أخوالك خزاعة و غضبت لهم قال سهيل و أي قريش لم تلد خزاعة قال شيبة لا و لكن ندي قتلى خزاعة فهو أهون علينا فقال قريظة بن عبد عمرو لا و الله لا نديهم و لا نبرأ عن نفاثة أبر العرب بنا و أعمرهم لبيت ربنا و لكن ننبذ إليهم على سواء فقال أبو سفيان ما هذا بشي ء و ما الرأي إلا جحد هذا الأمر أن تكون قريش دخلت في نقض العهد أو قطع مدة فإن قطعه قوم بغير هوى منا و لامشورة فما علينا قالوا هذا هو الرأي لا رأي إلا الجحد لكل ما كان من ذلك فقال أنا أقسم أني لم أشهد و لم أوامر و أنا صادق لقد كرهت ما صنعتم و عرفت أن سيكون له يوم غماس قالت قريش لأبي سفيان فاخرج أنت بذلك فخرج. قال الواقدي و حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي عن عطاء بن أبي مروان قال قال رسول الله ص لعائشة صبيحة الليلة التي أوقعت فيها نفاثة و قريش بخزاعة بالوتير يا عائشة لقد حدث الليلة في خزاعة أمر فقالت عائشة يا رسول الله أ ترى قريشا تجترئ على نقض العهد بينك و بينهم أ ينقضون و قد أفناهم السيف فقال العهد لأمر يريده الله بهم فقالت خير أم شر يا رسول الله فقال خير.
قال الواقدي و حدثني عبد الحميد بن جعفر قال حدثني عمران بن أبي أنس عن ابن عباس قال قام رسول الله ص و هو يجر طرف ردائه و يقول شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 262لا نصرت إن لم أنصر بني كعب يعني خزاعة فيما أنصر منه نفسيقال الواقدي و حدثني حرام بن هشام عن أبيه قال قال رسول الله ص لكأنكم بأبي سفيان قد جاءكم يقول جدد العهد و زد في الهدنة و هو راجع بسخطه و قال لبني خزاعة عمرو بن سالم و أصحابه ارجعوا و تفرقوا في الأودية و قام فدخل على عائشة و هو مغضب فدعا بماء فدخل يغتسل(18/240)


قالت عائشة فأسمعه يقول و هو يصب الماء على رجليه لا نصرت أن لم أنصر بني كعب
قال الواقدي فأما أبو سفيان فخرج من مكة و هو متخوف أن يكون عمرو بن سالم و رهطه من خزاعة سبقوه إلى المدينة و كان القوم لما رجعوا من المدينة و أتوا الأبواء تفرقوا كما أوصاهم رسول الله ص فذهبت طائفة إلى الساحل تعارض الطريق و لزم بديل ابن أم أصرم الطريق في نفر معه فلقيهم أبو سفيان فلما رآهم أشفق أن يكونوا لقوا محمدا ص بل كان اليقين عنده فقام للقوم منذ كم عهدكم بيثرب قالوا لا عهد لنا بها فعرف أنهم كتموه فقال أ ما معكم من تمر يثرب شي ء تطعموناه فإن لتمر يثرب فضلا على تمر تهامة قالوا لا ثم أبت نفسه أن تقر فقال يا ديل هل جئت محمدا قال لا و لكني سرت في بلاد خزاعة من هذا الساحل في قتيل كان بينهم حتى أصلحت بينهم قال يقول أبو سفيان إنك و الله ما علمت بر واصل فلما راح بديل و أصحابه جاء أبو سفيان إلى أبعار إبلهم ففتها فإذا فيها النوى و وجد في منزلهم نوى من تمر عجوة كأنه ألسنة العصافير فقال أحلف بالله لقد جاء القوم محمدا و أقبل حتى قدم المدينة فدخل على النبي ص فقال يا محمد إني كنت غائبا في صلح الحديبية فاشدد العهد و زدنا في المدة فقال رسول الله ص و لذلك قدمت يا أبا سفيان قال نعم قال فهل كان قبلكم حدث شرح نهج البلاغة ج : 1ص : 263فقال معاذ الله فقال رسول الله فنحن على موثقنا و صلحنا يوم الحديبية لا نغير و لا نبدل فقام من عنده فدخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله ص طوته دونه فقال أ رغبت بهذا الفراش عني أم رغبت بي عنه فقالت بل هو فراش رسول الله ص و أنت امرؤ نجس مشرك قال يا بنية لقد أصابك بعدي شر فقالت إن الله هداني للإسلام و أنت يا أبت سيد قريش و كبيرها كيف يخفى عنك فضل الإسلام و تعبد حجرا لا يسمع و لا يبصر فقال يا عجبا و هذا منك أيضا أ أترك ما كان يعبد آبائي و أتبع دين محمد ثم قام من عندها فلقي(18/241)


أبا بكر فكلمه و قال تكلم أنت محمدا و تجير أنت بين الناس فقال أبو بكر جواري جوار رسول الله ص ثم لقي عمر فكلمه بمثل ما كلم به أبا بكر فقال عمر و الله لو وجدت السنور تقاتلكم لأعنتها عليكم قال أبو سفيان جزيت من ذي رحم شرا ثم دخل على عثمان بن عفان فقال له إنه ليس في القوم أحد أمس بي رحما منك فزدني الهدنة و جدد العهد فإن صاحبك لا يرد عليك أبدا و الله ما رأيت رجلا قط أشد إكراما لصاحب من محمد لأصحابه فقال عثمان جواري جوار رسول الله ص فجاء أبو سفيان حتى دخل على فاطمة بنت رسول الله ص فكلمها و قال أجيري بين الناس فقالت إنما أنا امرأة قال إن جوارك جائز و قد أجارت أختك أبا العاص بن الربيع فأجاز محمد ذلك فقالت فاطمة ذلك إلى رسول الله ص و أبت عليه فقال مري أحد هذين ابنيك يجير بين الناس قالت إنهما صبيان و ليس يجير الصبي فلما أبت عليه أتى عليا ع فقال يا أبا حسن أجر بين الناس و كلم محمدا ليزيد في المدة فقال علي ع ويحك يا أبا سفيان إن رسول الله ص قد عزم(18/242)

41 / 150
ع
En
A+
A-