ثم نعود إلى تفسير ألفاظ الفصل و معانيه قال ع لعمري إنا كنا بيتا واحدا في الجاهلية لأنا بنو عبد مناف إلا أن الفرقة بيننا و بينكم حصلت منذ بعث الله محمدا ص فإنا آمنا و كفرتم ثم تأكدت الفرقة اليوم بأنا استقمنا على منهاج الحق و فتنتم. ثم قال و ما أسلم من أسلم منكم إلا كرها كأبي سفيان و أولاده يزيد و معاوية و غيرهم من بني عبد شمس. قال و بعد أن كان أنف الإسلام محاربا لرسول الله ص أي في أول الإسلام يقال كان ذلك في أنف دولة بني فلان أي في أولها و أنف كل شي ء أوله و طرفه و كان أبو سفيان و أهله من بني عبد شمس أشد الاس على رسول الله ص في أول الهجرة إلى أن فتح مكة ثم أجابه عن قوله قتلت طلحة و الزبير و شردت بعائشة و نزلت بين المصرين بكلام مختصر أعرض فيه عنه شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 254هوانا به فقال هذا أمر غبت عنه فليس عليك كان العدوان الذي تزعم و لا العذر إليك لو و على العذر عنه. فأما الجواب المفصل فأن يقال إن طلحة و الزبير قتلا أنفسهما ببغيهما و نكثهما و لو استقاما على الطريقة لسلما و من قتله الحق فدمه هدر و أما كونهما شيخين من شيوخ الإسلام فغير مدفوع و لكن العيب يحدث و أصحابنا يذهبون إلى أنهما تابا و فارقا الدنيا نادمين على ما صنعا و كذلك نقول نحن فإن الأخبار كثرت بذلك فهما من أهل الجنة لتوبتهما و لو لا توبتهما لكانا هالكين كما هلك غيرهما فإن الله تعالى لا يحابي أحدا في الطاعة و التقوى لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ. و أما الوعد لهما بالجنة فمشروط بسلامة العاقبة و الكلام في سلامتهما و إذا ثبتت توبتهما فقد صح الوعد لهما و تحقق و
قوله بشر قاتل ابن صفية بالنار(18/233)


فقد اختلف فيه فقال قوم من أرباب السير و علماء الحديث هو كلام أمير المؤمنين ع غير مرفوع و قوم منهم جعلوه مرفوعا و على كل حال فهو حق لأن ابن جرموز قلته موليا خارجا من الصف مفارقا للحرب فقد قتله على توبة و إنابة و رجوع من الباطل و قاتل من هذه حاله فاسق مستحق للنار و أما أم المؤمنين عائشة فقد صحت توبتها و الأخبار الواردة في توبتها أكثر من الأخبار الواردة في توبة طلحة و الزبير لأنها عاشت زمانا طويلا و هما لم يبقيا و الذي جرى لها كان خطأ منها فأي ذنب لأمير المؤمنين ع في ذلك و لو أقامت في منزلها لم تبتذل بين الأعراب و أهل الكوفة على أن أمير المؤمنين ع أكرمها و صانها و عظم من شأنها و من أحب أن يقف على ما فعله معها فليطالع كتب السيرة و لو كانت فعلت بعمر ما فعلت به و شقت عصا الأمة عليه ثم ظفر بها لقتلها و مزقها إربا إربا و لكن عليا كان حليما كريما. شرح نهج البلاغة ج 17 ص : 255و أما قوله لو عاش رسول الله ص فبربك هل كان يرضى لك أن تؤذي حليلته فلعلي ع أن يقلب الكلام عليه فيقول أ فتراه لو عاش أ كان يرضى لحليلته أن تؤذي أخاه و وصيه و أيضا أ تراه لو عاش أ كان يرضى لك يا ابن أبي سفيان أن تنازع عليا الخلافة و تفرق جماعة هذه الأمة و أيضا أ تراه لو عاش أ كان يرضى لطلحة و الزبير أن يبايعا ثم ينكثا لا لسبب بل قالا جئنا نطلب الدراهم فقد قيل لنا إن بالبصرة أموالا كثيرة هذا كلام يقوله مثلهما. فأما قوله تركت دار الهجرة فلا عيب عليه إذا انقضت عليه أطراف الإسلام بالبغي و الفساد أن يخرج من المدينة إليها و يهذب أهلها و ليس كل من خرج من المدينة كان خبثا فقد خرج عنها عمر مرارا إلى الشام ثم لعلي ع أن يقلب عليه الكلام فيقول له و أنت يا معاوية فقد نفتك المدينة أيضا عنها فأنت إذا خبث و كذلك طلحة و الزبير و عائشة الذين تتعصب لهم و تحتج على الناس بهم و قد خرج عن المدينة الصالحون كابن مسعود و أبي ذر و غيرهما و(18/234)


ماتوا في بلاد نائية عنها و أما قوله بعدت عن حرمة الحرمين و مجاورة قبر رسول الله ص فكلام إقناعي ضعيف و الواجب على الإمام أن يقدم الأهم فالأهم من مصالح الإسلام و تقديم قتال أهل البغي على المقام بين الحرمين أولى فأما ما ذكره من خذلانه عثمان و شماتته به و دعائه الناس بعد قتله إلى نفسه و إكراهه طلحة و الزبير و غيرهما على بيعته فكله دعوى و الأمر بخلافها و من نظر كتب السير عرف أنه قد بهته و ادعى عليه ما لم يقع منه. و أما قوله التويت على أبي بكر و عمر و قعدت عنهما و حاولت الخلافة بعد رسول الله ص فإن عليا ع لم يكن يجحد ذلك و لا ينكره و لا ريب شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 256أنه كان يدعى الأمر بعد وفاة رسول الله ص لنفسه على الجملة أما لنص كما تقوله الشيعة أو لأمر آخر كما يقوله أصحابنا فأما قوله لو وليتهاينئذ لفسد الأمر و اضطرب الإسلام فهذا علم غيب لا يعلمه إلا الله و لعله لو وليها حينئذ لاستقام الأمر و صلح الإسلام و تمهد فإنه ما وقع الاضطراب عند ولايته بعد عثمان إلا لأن أمره هان عندهم بتأخره عن الخلافة و تقدم غيره عليه فصغر شأنه في النفوس و قرر من تقدمه في قلوب الناس أنه لا يصلح لها كل الصلاحية و الناس على ما يحصل في نفوسهم و لو كان وليها ابتداء و هو على تلك الحالة التي كان عليها أيام حياة رسول الله ص و تلك المنزلة الرفيعة و الاختصاص الذي كان له لكان الأمر غير الذي رأيناه عند ولايته بعد عثمان و أما قوله لأنك الشامخ بأنفه الذاهب بنفسه فقد أسرف في وصفه بما وصفه به و لا شك أن عليا ع كان عنده زهو لكن لا هكذا و كان ع مع زهوه ألطف الناس خلقا. ثم نرجع إلى تفسير ألفاظه ع قوله و ذكرت أنك زائري في جمع من المهاجرين و الأنصار و قد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك هذا الكلام تكذيب له في قوله في جمع من المهاجرين و الأنصار أي ليس معك مهاجر لأن أكثر من معك ممن رأى رسول الله ص هم أبناء الطلقاء و من أسلم بعد(18/235)


الفتح و
قد قال النبي ص لا هجرة بعد الفتح
و عبر عن يوم الفتح بعبارة حسنة فيها تقريع لمعاوية و أهله بالكفر و أنهم ليسوا من ذوي السوابق فقال قد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك يعني يزيد بن أبي سفيان أسر يوم الفتح في باب الخندمة و كان خرج في نفر من قريش يحاربون و يمنعون شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 257من ول مكة فقتل منهم قوم و أسر يزيد بن أبي سفيان أسره خالد بن الوليد فخلصه أبو سفيان منه و أدخله داره فأمن
لأن رسول الله ص قال يومئذ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن
ذكر الخبر عن فتح مكة(18/236)


و يجب أن نذكر في هذا الموضع ملخص ما ذكره الواقدي في كتاب المغازي في فتح مكة فإن الموضع يقتضيه لقوله ع ما أسلم مسلمكم إلا كرها و قوله يوم أسر أخوك. قال محمد بن عمر الواقدي في كتاب المغازي كان رسول الله ص قد هادن قريشا في عام الحديبية عشر سنين و جعل خزاعة داخلة معه و جعلت قريش بني بكر بن عبد مناة من كنانة داخلة معهم و كان بين بني بكر و بين خزاعة تراث في الجاهلية و دماء و قد كانت خزاعة من قبل حالفت عبد المطلب بن هاشم و كان معها كتاب منه و كان رسول الله ص يعرف ذلك فلما تم صلح الحديبية و أمن الناس سمع غلام من خزاعة إنسانا من بني كنانة يقال له أنس بن زنيم الدؤلي ينشد هجاء له في رسول الله ص فضربه فشجه فخرج أنس إلى قومه فأراهم شجته فثار بينهم الشر و تذاكروا أحقادهم القديمة و القوم مجاورون بمكة فاستنجدت بكر بن عبد مناة قريشا على خزاعة فمن قريش من كره ذلك و قال لا انقض عهد محمد و منهم من خف إليه و كان أبو سفيان أحد من كره ذلك و كان صفوان بن أمية و حويطب بن عبد العزى و مكرز بن حفص شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 258ممن أعان بني بكر و دسوا إليهم الرجال بالسلاح سرا و بيتوا خزاعة ليلا فأوقعوا بهم فقتلوا منهم عشرين رجلا فلما أحوا عاتبوا قريشا فجحدت قريش أنها أعانت بكرا و كذبت في ذلك و تبرأ أبو سفيان و قوم من قريش مما جرى و شخص قوم من خزاعة إلى المدينة مستصرخين برسول الله ص فدخلوا عليه و هو في المسجد فقام عمرو بن سالم الخزاعي فأنشده
لا هم إني ناشد محمدا حلف أبينا و أبيه الأتلدالكنت والدا و كنا ولدا ثمت أسلمنا و لم ننزع يداإن قريشا أخلفوك الموعدا و نقضوا ميثاقك المؤكداهم بيتونا بالوتير هجدا نتلو القران ركعا و سجداو زعموا أن لست تدعو أحدا و هم أذل و أقل عددافانصر هداك الله نصرا أيدا و ادع عباد الله يأتوا مددافي فيلق كالبحر يجري مزبدا فيهم رسول الله قد تجرداقرم لقوم من قروم أصيدا(18/237)

40 / 150
ع
En
A+
A-