أكرهوك على القضاء فهل أكرهوك على أخذ الأجر قال هلم شهادتك. و دخل أبو دلامة ليشهد عند أبي ليلى فقال حين جلس بين يديه
إذا الناس غطوني تغطيت عنهم و إن بحثوا عني ففيهم مباحث
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 64و إن حفروا بئري حفرت بئارهم ليعلم ما تخفيه تلك النبائفقال بل نغطيك يا أبا دلامة و لا نبحثك و صرفه راضيا و أعطى المشهود عليه من عنده قيمة ذلك الشي ء. كان عامر بن الظرب العدواني حاكم العرب و قاضيها فنزل به قوم يستفتونه في الخنثى و ميراثه فلم يدر ما يقضي فيه و كان له جارية اسمها خصيلة ربما لامها في الإبطاء عن لرعي و في الشي ء يجده عليها فقال لها يا خصيلة لقد أسرع هؤلاء القوم في غنمي و أطالوا المكث قالت و ما يكبر عليك من ذلك اتبعه مباله و خلاك ذم فقال لها مسي خصيل بعدها أو روحي. و قال أعرابي لقوم يتنازعون هل لكم في الحق أو ما هو خير من الحق قيل و ما الذي هو خيرمن الحق قال التحاط و الهضم فإن أخذ الحق كله مر. و عزل عمر بن عبد العزيز بعض قضاته فقال لم عزلتني فقال بلغني أن كلامك أكثر من كلام الخصمين إذا تحاكما إليك. و دخل إياس بن معاوية الشام و هو غلام فقدم خصما إلى باب القاضي في أيام عبد الملك فقال القاضي أ ما تستحيي تخاصم و أنت غلام شيخا كبيرا فقال الحق أكبر منه فقال اسكت ويحك قال فمن ينطق بحجتي إذا قال ما أظنك تقول اليوم حقا حتى تقوم فقال لا إله إلا الله فقام القاضي و دخل على عبد الملك و أخبره فقال اقض حاجته و أخرجه من الشام كي لا يفسد علينا الناس. و اختصم أعرابي و حضري إلى قاض فقال الأعرابي أيها القاضي إنه و إن هملج إلى الباطل فإنه عن الحق لعطوف. و رد رجل جارية على رجل اشتراها منه بالحمق فترافعا إلى إياس بن معاوية شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 65فقال لها إياس أي رجليك أطول فقالت هذه فقال أ تذكرين ليلة ولدتك أمك قالنعم فقال إياس رد رد. و(18/53)
جاء في الخبر المرفوع من رواية عبد الله بن عمر لا قدست أمة لا يقضى فيها بالحق
و من الحديث المرفوع من رواية أبي هريرة ليس أحد يحكم بين الناس إلا جي ء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه فكه العدل و أسلمه الجور واستعدى رجل على علي بن أبي طالب ع عمر بن الخطاب رضي الله عنه و علي جالس فالتفت عمر إليه فقال قم يا أبا الحسن فاجلس مع خصمك فقام فجلس معه و تناظرا ثم انصرف الرجل و رجع علي ع إلى محله فتبين عمر التغير في وجهه فقال يا أبا الحسن ما لي أراك متغيرا أ كرهت ما كان قال نعم قال و ما ذاك قال كنيتني بحضرة خصمي هلا قلت قم يا علي فاجلس مع خصمك فاعتنق عمر عليا و جعل يقبل وجهه و قال بأبي أنتم بكم هدانا الله و بكم أخرجنا من الظلمة إلى النور
أبان بن عبد الحميد اللاحقي في سوار بن عبد الله القاضي
لا تقدح الظنة في حكمه شيمته عدل و إنصاف يمضي إذا لم تلقه شبهة و في اعتراض الشك وقافكان ببغداد رجل يذكر بالصلاح و الزهد يقال له رويم فولي القضاء فقال الجنيد من أراد أن يستودع سره من لا يفشيه فعليه برويم فإنه كتم حب الدنيا أربعين سنة إلى أن قدر عليها. الأشهب الكوفي(18/54)
يا أهل بغداد قد قامت قيامتكم مذ صار قاضيكم نوح بن دراج لو كان حيا له الحجاج ما سلمت صحيحة يده من وسم حجاج شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 66و كان الحجاج يسم أيدي النبط بالمشراط و النيل. لما وقعت فتنة ابن الزبير اعتزل شريح القضاء و قال لا أقضي في الفتنة فبقي لا يقضي تسع سنين ثم عاد إلى القضاء و قد كبرت سنه فاعترضه رجل و قد انصرف من مجلس القضاء فقال له أ ما حان لكن تخاف الله كبرت سنك و فسد ذهنك و صارت الأمور تجوز عليك فقال و الله لا يقولها بعدك لي أحد فلزم بيته حتى مات. قيل لأبي قلابة و قد هرب من القضاء لو أجبت قال أخاف الهلاك قيل لو اجتهدت لم يكن عليك بأس قال ويحكم إذا وقع السابح في البحر كم عسى أن يسبح. دعا رجل لسليمان الشاذكوني فقال أرانيك الله يا أبا أيوب على قضاء أصبهان قال ويحك إن كان و لا بد فعلى خراجها فإن أخذ أموال الأغنياء أسهل من أخذ أموال الأيتام. ارتفعت جميلة بنت عيسى بن جراد و كانت جميلة كاسمها مع خصم لها إلى الشعبي و هو قاضي عبد الملك فقضى لها فقال هذيل الأشجعي
فتن الشعبي لما رفع الطرف إليهافتنته بثنايا ها و قوسي حاجبيهاو مشت مشيا رويدا ثم هزت منكبيهافقضى جورا على الخصم و لم يقض عليها
فقبض الشعبي عليه و ضربه ثلاثين سوطا. قال ابن أبي ليلى ثم انصرف الشعبي يوما من مجلس القضاء و قد شاعت الأبيات شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 67و تناشدها الناس و نحن معه فمررنا بخادم تغسل الثياب و تقولفتن الشعبي لما
و لا تحفظ تتمة البيت فوقف عليها و لقنها و قال
رفع الطرف إليها(18/55)
ثم ضحك و قال أبعده الله و الله ما قضينا لها إلا بالحق. جاءت امرأة إلى قاض فقالت مات بعلي و ترك أبوين و ابنا و بني عم فقال القاضي لأبويه الثكل و لابنه اليتم و لك اللائمة و لبني عمه الذلة و احملي المال إلينا إلى أن ترتفع الخصوم. لقي سفيان الثوري شريكا بعد ما استقضي فقال له يا أبا عبد الله بعد الإسلام و الفقه و الصلاح تلي القضاء قال يا أبا عبد الله فهل للناس بد من قاض قال و لا بد يا أبا عبد الله للناس من شرطي. و كان الحسن بن صالح بن حي يقول لما ولي شريك القضاء أي شيخ أفسدوا.
قال أبو ذر رضي الله عنه قال لي رسول الله ص يا أبا ذر اعقل ما أقول لك جعل يرددها على ستة أيام ثم قال لي في اليوم السابع أوصيك بتقوى الله في سريرتك و علانيتك و إذا أسأت فأحسن و لا تسألن أحدا شيئا و لو سقط سوطك و لا تتقلدن أمانة و لا تلين ولاية و لا تكفلن يتيما و لا تقضين بين اثنين
أراد عثمان بن عفان أن يستقضي عبد الله بن عمر فقال له أ لست قد
سمعت النبي ص يقول من استعاذ بالله فقد عاذ بمعاذ(18/56)
قال بلى قال فإني أعوذ بالله منك أن تستقضيني. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 68و قد ذكر الفقهاء في آداب القاضي أمورا قالوا لا يجوز أن يقبل هدية في أيام القضاء إلا ممن كانت له عادة يهدي إليه قبل أيام القضاء و لا يجوز قبولها في أيام القضاء ممن له حكومة و خصومة إن كان ممن له عادة قديمة و كذلك إن كانت الهدية أنفس و أرفع مما كانت قبل أيام القضاء لا يجوز قبولها و يجوز أن يحضر القاضي الولائم و لا يحضر عند قوم دون قوم لأن التخصيص يشعر بالميل و يجوز أن يعود المرضى و يشهد الجنائز و يأتي مقدم الغائب و يكره له مباشرة البيع و الشراء و لا يجوز أن يقضي و هو غضبان و لا جائع و لا عطشان و لا في حال الحزن الشديد و لا الفرح الشديد و لا يقضي و النعاس يغلبه و المرض يقلقه و لا و هو يدافع الأخبثين و لا في حر مزعج و لا في برد مزعج و ينبغي أن يجلس للحكم في موضع بارز يصل إليه كل أحد و لا يحتجب إلا لعذر و يستحب أن يكون مجلسه فسيحا لا يتأذى بذلك هو أيضا و يكره الجلوس في المساجد للقضاء فإن احتاج إلى وكلاء جاز أن يتخذهم و يوصيهم بالرفق بالخصوم و يستحب أن يكون له حبس و أن يتخذ كاتبا إن احتاج إليه و من شرط كاتبه أن يكون عارفا بما يكتب به عن القضاء. و اختلف في جواز كونه ذميا و الأظهر أنه لا يجوز و لا يجوز أن يكون كاتبه فاسقا و لا يجوز أن يكون الشهود عنده قوما معينين بل الشهادة عامة فيمن استكمل شروطها(18/57)