و تحذر من أمامك كحذرك من خلفك يعني يأتيك من خلفك إن أقمت على منع الناس عن الحرب معنا و معهم أهل البصرة و أهل المدينة فتكون كما قال الله تعالى إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ. قوله و ما هي بالهوينى التي ترجو الهوينى تصغير الهونى التي هي أنثى أهون أي ليست هذه الداهية و الجائحة التي أذكرها لك بالشي ء الهين الذي ترجو اندفاعه و سهولته. ثم قال بل هي الداهية الكبرى ستفعل لا محالة إن استمررت على ما أنت عليه و كنى عن قوله ستعل لا محالة بقوله يركب جملها و ما بعده و ذلك لأنها إذا ركب جملها و ذلل صعبها و سهل وعرها فقد فعلت أي لا تقل هذا أمر عظيم صعب المرام أي قصد الجيوش من كلا الجانبين الكوفة فإنه إن دام الأمر على ما أشرت إلى أهل الكوفة من التخاذل و الجلوس في البيوت و قولك لهم كن عبد الله المقتول لنقعن بموجب ما ذكرته لك و ليرتكبن أهل الحجاز و أهل البصرة هذا الأمر المستصعب لأنا نحن نطلب أن نملك الكوفة و أهل البصرة كذلك فيجتمع عليها الفريقان. ثم عاد إلى أمره بالخروج إليه فقال له فاعقل عقلك و املك أمرك و خذ نصيبك شرح نهج البلاغة ج 17 ص : 249و حظك أي من الطاعة و اتباع الإمام الذي لزمتك بيعته فإن كرهت ذلك فتنح عن العمل فقد عزلتك و ابعد عنا لا في رحب أي لا في سعة و هذا ضد قولهم مرحبا. ثم قال فجدير أن تكفى ما كلفته من حضور الحرب و أنت نائم أي لست معدودا عندنا و لا عند الناس من الرجال الذين تفتقر الحروب و التدبيرات إليهم فسيغني الله عنك و لا يقال أين فلان. ثم أقسم إنه لحق أي إني في حرب هؤلاء لعلى حق و إن من أطاعني مع إمام محق ليس يبالي ما صنع الملحدون و هذا إشارة إلى
قول النبي ص اللهم أدر الحق معه حيثما دار(18/228)


شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 64250- و من كتاب له ع إلى معاوية جوابا عن كتابهأَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وَ أَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْأُلْفَةِ وَ الْجَمَاعَةِ فَفَرَّقَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ أَمْسِ أَنَّا آمَنَّا وَ كَفَرْتُمْ وَ الْيَوْمَ أَنَّا اسْتَقَمْنَا وَ فُتِنْتُمْ وَ مَا أَسْلَمَ مُسْلِمُكُمْ إِلَّا كَرْهاً وَ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَنْفُ الْإِسْلَامِ كُلُّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ص حَرْباً وَ ذَكَرْتَ أَنِّي قَتَلْتُ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرَ وَ شَرَّدْتُ بِعَائِشَةَ وَ نَزَلْتُ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ وَ ذَلِكَ أَمْرٌ غِبْتَ عَنْهُ فَلَا عَلَيْكَ وَ لَا الْعُذْرُ فِيهِ إِلَيْكَ وَ ذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي فِي جَمْعِ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ قَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ فَإِنْ كَانَ فِيكَ عَجَلٌ فَاسْتَرْفِهْ فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ فَذَلِكَ جَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِلنِّقْمَةِ مِنْكَ وَ إِنْ تَزُرْنِي فَكَمَا قَالَ أَخُو بَنِي أَسَدٍ
مُسْتَقْبِلِينَ رِيَاحَ الصَّيْفِ تَضْرِبُهُمْ بِحَاصِبٍ بَيْنَ أَغْوَارٍ وَ جُلْمُودِ(18/229)


وَ عِنْدِي السَّيْفُ الَّذِي أَعْضَضْتُهُ بِجَدِّكَ وَ خَالِكَ وَ أَخِيكَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّكَ وَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ الْأَغْلَفُ الْقَلْبِ الْمُقَارِبُ الْعَقْلِ وَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَكَ إِنَّكَ رَقِيتَ سُلَّماً أَطْلَعَكَ مَطْلَعَ سُوءٍ عَلَيْكَ لَا لَكَ لِأَنَّكَ نَشَدْتَ غَيْرَ ضَالَّتِكَ وَ رَعَيْتَ غَيْرَ سَائِمَتِكَ وَ طَلَبْتَ أَمْراً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَ لَا فِي مَعْدِنِهِ فَمَا أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعْلِكَ شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 251وَ قَرِيبٌ مَا أَشْبَهْتَ مِنْ أَعْمٍَ وَ أَخْوَالٍ حَمَلَتْهُمُ الشَّقَاوَةُ وَ تَمَنِّي الْبَاطِلِ عَلَى الْجُحُودِ بِمُحَمَّدٍ ص فَصُرِعُوا مَصَارِعَهُمْ حَيْثُ عَلِمْتَ لَمْ يَدْفَعُوا عَظِيماً وَ لَمْ يَمْنَعُوا حَرِيماً بِوَقْعِ سُيُوفٍ مَا خَلَا مِنْهَا الْوَغَى وَ لَمْ تُمَاشِهَا الْهُوَيْنَى وَ قَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَادْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ ثُمَّ حَاكِمِ الْقَوْمَ إِلَيَّ أَحْمِلْكَ وَ إِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَ أَمَّا تِلْكَ الَّتِي تُرِيدُ فَإِنَّهَا خُدْعَةُ الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْفِصَالِ وَ السَّلَامُ لِأَهْلِهِ
كتاب معاوية إلى علي(18/230)


أما الكتاب الذي كتبه إليه معاوية و هذا الكتاب جوابه فهو من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإنا بني عبد مناف لم نزل ننزع من قليب واحد و نجري في حلبة واحدة ليس لبعضنا على بعض فضل و لا لقائمنا على قاعدنا فخر كلمتنا مؤتلفة و ألفتنا جامعة و دارنا واحدة يجمعنا كرم العرق و يحوينا شرف النجار و يحنو قوينا على ضعيفنا و يواسي غنينا فقيرنا قد خلصت قلوبنا من وغل الحسد و طهرت أنفسنا من خبث النية فلم نزل كذلك حتى كان منك ما كان من الإدهان في أمر ابن عمك و الحسد له و نصرة الناس عليه حتى قتل بمشهد منك لا تدفع عنه بلسان و لا يد فليتك شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 252أظهرت نصره حيث أسررت خبره فكنت كالمتعلق بين الناس بعذر و إن ضعف و المتبرئ من دمه بدفع و إن وهن و لكنك جلست في دارك تدس إليه الدواهي و ترسل إليه الأفاعي حتى إذا قضيت وطرك منه أظهرت شماتة و أبديت طلا و حسرت للأمر عن ساعدك و شمرت عن ساقك و دعوت الناس إلى نفسك و أكرهت أعيان المسلمين على بيعتك ثم كان منك بعد ما كان من قتلك شيخي المسلمين أبي محمد طلحة و أبي عبد الله الزبير و هما من الموعودين بالجنة و المبشر قاتل أحدهما بالنار في الآخرة هذا إلى تشريدك بأم المؤمنين عائشة و إحلالها محل الهون متبذلة بين أيدي الأعراب و فسقة أهل الكوفة فمن بين مشهر لها و بين شامت بها و بين ساخر منها ترى ابن عمك كان بهذه لو رآه راضيا أم كان يكون عليك ساخطا و لك عنه زاجرا أن تؤذي أهله و تشرد بحليلته و تسفك دماء أهل ملته ثم تركك دار الهجرة التي
قال رسول الله ص عنها إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد(18/231)


فلعمري لقد صح وعده و صدق قوله و لقد نفت خبثها و طردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها فأقمت بين المصرين و بعدت عن بركة الحرمين و رضيت بالكوفة بدلا من المدينة و بمجاورة الخورنق و الحيرة عوضا من مجاورة خاتم النبوة و من قبل ذلك ما عبت خليفتي رسول الله ص أيام حياتهما فقعدت عنهما و ألبت عليهما و امتنعت من بيعتهما و رمت أمرا لم يرك الله تعالى له أهلا و رقيت سلما وعرا و حاولت مقاما دحضا و ادعيت ما لم تجد عليه ناصرا و لعمري لو وليتها حينئذ لما ازدادت إلا فسادا و اضطرابا و لا أعقبت ولايتكها إلا انتشارا و ارتدادا لأنك الشامخ بأنفه الذاهب بنفسه المستطيل على الناس بلسانه و يده و ها أنا سائر إليك في جمع شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 253من المهاجرين و الأنصار تحفهم سيوف شامية و رماح قحطانية حتى يحاكموك إلى الله فانظر لنفسك و للمسلمين و ادفع إلي قتلة عثمان فإنهم خاصتك و خلصاؤك المحدقون بك فإن أبيت إلا سلوك سبيل اللجاج و الإصرار على الغي و الضلال فاعلم أن هذه الآية إنما نزلت فيك و في أهل العراق معك وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ.(18/232)

39 / 150
ع
En
A+
A-