قال أبو الفرج و حدثنا أحمد قال حدثنا عمر عن المدائني قال قدم الوليد بن شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 243عقبة الكوفة في أيام معاوية زائرا للمغيرة بن شعبة فأتاه أشراف الكوفة فسلموا عليه و قالوا و الله ما رأينا بعدك مثلك فقال أ خيرا أم شرا قالوا بل خيرا قال و ني ما رأيت بعدكم شرا منكم فأعادوا الثناء عليه فقال بعض ما تأتون به فو الله إن بغضكم لتلف و إن حبكم لصلف قال أبو الفرج و روى عمر بن شبة أن قبيصة بن جابر كان ممن كثر على الوليد فقال معاوية يوما و الوليد و قبيصة عنده يا قبيصة ما كان شأنك و شأن الوليد قال خير يا أمير المؤمنين إنه في أول الأمر وصل الرحم و أحسن الكلام فلا تسأل عن شكر و حسن ثناء ثم غضب على الناس و غضبوا عليه و كنا معهم فإما ظالمون فنستغفر الله و إما مظلومون فيغفر الله له فخذ في غير هذا يا أمير المؤمنين فإن الحديث ينسي القديم قال معاوية ما أعلمه إلا قد أحسن السيرة و بسط الخير و قبض الشر قال فأنت يا أمير المؤمنين اليوم أقدر على ذلك فافعله فقال اسكت لا سكت فسكت و سكت القوم فقال معاوية بعد يسير ما لك لا تتكلم يا قبيصة قال نهيتني عما كنت أحب فسكت عما لا أحب. قال أبو الفرج و مات الوليد بن عقبة فويق الرقة و مات أبو زبيد هناك فدفنا جميعا في موضع واحد فقال في ذلك أشجع السلمي و قد مر بقبريهما
مررت على عظام أبي زبيد و قد لاحت ببلقعة صلودفكان له الوليد نديم صدق فنادم قبره قبر الوليدو ما أدري بمن تبدو المنايا بحمزة أم بأشجع أم يزيد(18/223)
قيل هم إخوته و قيل ندماؤه. قال أبو الفرج و حدثني أحمد بن عبد العزيز عن محمد بن زكريا الغلابي شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 244عن عبد الله بن الضحاك عن هشام بن محمد عن أبيه قال وفد الوليد بن عقبة و كان جوادا إلى معاوية فقيل له هذا الوليد بن عقبة بالباب فقال الله ليرجعن مغيظا غير معطى فإنه الآن قد أتانا يقول علي دين و علي كذا ائذن له فأذن له فسأله و تحدث معه ثم قال له معاوية أما و الله إن كنا لنحب إتيان مالك بالوادي و لقد كان يعجب أمير المؤمنين فإن رأيت أن تهبه ليزيد فافعل قال هو ليزيد ثم خرج و جعل يختلف إلى معاوية فقال له يوما انظر يا أمير المؤمنين في شأني فإن علي مئونة و قد أرهقني دين فقال له أ لا تستحيي لنفسك و حسبك تأخذ ما تأخذه فتبذره ثم لا تنفك تشكو دينا فقال الوليد أفعل ثم انطلق من مكانه فسار إلى الجزيرة و قال يخاطب معاوية
فإذا سئلت تقول لا و إذا سألت تقول هات تأبى فعال الخير لا تروي و أنت على الفرات أ فلا تميل إلى نعم أو ترك لا حتى المماو بلغ معاوية شخوصه إلى الجزيرة فخافه و كتب إليه أقبل فكتب(18/224)
أعف و أستعفي كما قد أمرتني فأعط سواي ما بدا لك و ابخل سأحدو ركابي عنك إن عزيمتي إذا نابني أمر كسلة منصل و إني امرؤ للنأي مني تطرب و ليس شبا قفل علي بمقفثم رحل إلى الحجاز فبعث إليه معاوية بجائزة. و أما أبو عمر بن عبد البر فإنه ذكر في الإستيعاب في باب الوليد قال إن له أخبارا فيها شناعة تقطع على سوء حاله و قبح أفعاله غفر الله لنا و له فلقد كان من رجال قريش شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 245ظرفا و حلما و شجاعة جودا و أدبا و كان من الشعراء المطبوعين قال و كان الأصمعي و أبو عبيدة و ابن الكلبي و غيرهم يقولون إنه كان فاسقا شريب خمر و كان شاعرا كريما قال و أخباره في شربه الخمر و منادمته أبا زبيد الطائي كثيرة مشهورة و يسمج بنا ذكرها و لكنا نذكر منها طرفا ثم ذكر ما ذكره أبو الفرج في الأغاني و قال إن خبر الصلاة و هو سكران و قوله أ أزيدكم خبر مشهور روته الثقات من نقلة الحديث. قال أبو عمر بن عبد البر و قد ذكر الطبري في رواية أنه تغضب عليه قوم من أهل الكوفة حسدا و بغيا و شهدوا عليه بشرب الخمر و قال إن عثمان قال له يا أخي اصبر فإن الله يأجرك و يبوء القوم بإثمك. قال أبو عمر هذا الحديث لا يصح عند أهل الأخبار و نقلة الحديث و لا له عند أهل العلم أصل و الصحيح ثبوت الشهادة عليه عند عثمان و جلده الحد و أن عليا هو الذي جلده قال و لم يجلده بيده و إنما أمر بجلده فنسب الجلد إليه. قال أبو عمر و لم يرو الوليد من السنة ما يحتاج فيها إليه و لكن حارثة بن مضرب روى عنه أنه قال ما كانت نبوة إلا كان بعدها ملك
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 246و من كتاب له ع إلى أبي موسى الأشعريو هو عامله على الكوفة و قد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل(18/225)
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وَ عَلَيْكَ فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْكَ رَسُولِي فَارْفَعْ ذَيْلَكَ وَ اشْدُدْ مِئْزَرَكَ وَ اخْرُجْ مِنْ جُحْرِكَ وَ انْدُبْ مَنْ مَعَكَ فَإِنْ حَقَّقْتَ فَانْفُذْ وَ إِنْ تَفَشَّلْتَ فَابْعُدْ وَ ايْمُ اللَّهِ لَتُؤْتَيَنَّ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ وَ لَا تُتْرَكُ حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُكَ بِخَاثِرِكَ وَ ذَائِبُكَ بِجَامِدِكَ وَ حَتَّى تُعْجَلُ عَنْ قِعْدَتِكَ وَ تَحْذَرَ مِنْ أَمَامِكَ كَحَذَرِكَ مِنْ خَلْفِكَ وَ مَا هِيَ بِالْهُوَيْنَى الَّتِي تَرْجُو وَ لَكِنَّهَا الدَّاهِيَةُ الْكُبْرَى يُرْكَبُ جَمَلُهَا وَ يُذَلُّ صَعْبُهَا وَ يُسَهَّلُ جَبَلُهَا فَاعْقِلْ عَقْلَكَ وَ امْلِكْ أَمْرَكَ وَ خُذْ نَصِيبَكَ وَ حَظَّكَ فَإِنْ كَرِهْتَ فَتَنَحَّ إِلَى غَيْرِ رَحْبٍ وَ لَا فِي نَجَاةٍ فَبِالْحَرِيِّ لَتُكْفَيَنَّ وَ أَنْتَ نَائِمٌ حَتَّى لَا يُقَالَ أَيْنَ فُلَانٌ وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مَعَ مُحِقٍّ وَ مَا يُبَالِي مَا صَنَعَ الْمُلْحِدُونَ وَ السَّلَامُ(18/226)
المراد بقوله قول هو لك و عليك أن أبا موسى كان يقول لأهل الكوفة إن عليا إمام هدى و بيعته صحيحة ألا إنه لا يجوز القتال معه لأهل القبلة و هذا القول بعضه حق و بعضه باطل. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 247و قوله فارفع ذيلك أي شمر للنهوض معي و اللحاق بي لنشهد حرب ل البصرة و كذلك قوله و اشدد مئزرك و كلتاهما كنايتان عن الجد و التشمير في الأمر. قال و اخرج من جحرك أمر له بالخروج من منزله للحاق به و هي كناية فيها غض من أبي موسى و استهانة به لأنه لو أراد إعظامه لقال و اخرج من خيسك أو من غيلك كما يقال للأسد و لكنه جعله ثعلبا أو ضبا. قال و اندب من معك أي و اندب رعيتك من أهل الكوفة إلى الخروج معي و اللحاق بي. ثم قال و إن تحققت فانفذ أي أمرك مبني على الشك و كلامك في طاعتي كالمتناقض فإن حققت لزوم طاعتي لك فانفذ أي سر حتى تقدم علي و إن أقمت على الشك فاعتزل العمل فقد عزلتك. قوله و ايم الله لتؤتين معناه إن أقمت على الشك و الاسترابة و تثبيط أهل الكوفة عن الخروج إلي و قولك لهم لا يحل لكم سل السيف لا مع علي و لا مع طلحة و الزموا بيوتكم و اكسروا سيوفكم ليأتينكم و أنتم في منازلكم بالكوفة أهل البصرة مع طلحة و نأتينكم نحن بأهل المدينة و الحجاز فيجتمع عليكم سيفان من أمامكم و من خلفكم فتكون ذلك الداهية الكبرى التي لا شواة لها. قوله و لا تترك حتى يخلط زبدك بخاثرك تقول للرجل إذا ضربته حتى أثخنته لقد ضربته حتى خلطت زبده بخاثره و كذلك حتى خلطت ذائبه بجامده و الخاثر اللبن الغيظ و الزبد خلاصة اللبن و صفوته فإذا أثخنت الإنسان ضربا كنت كأنك شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 248خلطت ما رق و لطف من أخلاطه بما كثف و غلظ منها و هذا مثل و معناه لتفسدن حالك و لتخلطن و ليضربن ما هو الآن منتظم من أمرك. قوله و حتى تعجل عن قعدتك القعدة بالكسر هيئة القعود كالجلسة ولركبة أي و ليعجلنك الأمر عن هيئة قعودك يصف شدة الأمر و صعوبته. قوله(18/227)