قولهم إنه تكلم في الصلاة قبل التسليم فقال لا يفعلن خالد ما أمرته قالوا و لذلك جاز عند أبي حنيفة أن يخرج الإنسان من الصلاة بالكلام و غيره من مفسدات الصلاة من دون تسليم و بهذا احتج أبو حنيفة. و الجواب أن هذا من الأخبار التي تتفرد بها الإمامية و لم تثبت و أما أبو حنيفة فلم يذهب إلى ما ذهب إليه لأجل هذا الحديث و إنما احتج بأن التسليم خطاب آدمي و ليس هو من الصلاة و أذكارها و لا من أركانها بل هو ضدها و لذلك يبطلها قبل التمام و لذلك لا يسلم المسبوق تبعا لسلام الإمام بل يقوم من غير تسليم فدل على أنه ضد للصلاة و جميع الأضداد بالنسبة إلى رفع الضد على وتيرة واحدة و لذلك استوى الكل في شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 223الإبطال قبل التمام فيستوي الكل في الانتهاء بعد التمام و ما يذكره القوم من سبب كلام أبي بكر في الصلاة أمر بعيد و لو كان أبو بكر يريد ذلك لأمر خالد أن يفعل ذلالفعل بالشخص المعروف و هو نائم ليلا في بيته و لا يعلم أحد من الفاعل.
الطعن الثالث عشر
قولهم إنه كتب إلى خالد بن الوليد و هو على الشام يأمره أن يقتل سعد بن عبادة فكمن له هو و آخر معه ليلا فلما مر بهما رمياه فقتلاه و هتف صاحب خالد في ظلام الليل بعد أن ألقيا سعدا في بئر هناك فيها ماء ببيتين(18/203)
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده و رميناه بسهمين فلم تخط فؤادهيوهم أن ذلك شعر الجن و أن الجن قتلت سعدا فلما أصبح الناس فقدوا سعدا و قد سمع قوم منهم ذلك الهاتف فطلبوه فوجدوه بعد ثلاثة أيام في تلك البئر و قد اخضر فقالوا هذا مسيس الجن و قال شيطان الطاق لسائل سأله ما منع عليا أن يخاصم أبا بكر في الخلافة فقال يا ابن أخي خاف أن تقتله الجن. و الجواب أما أنا فلا أعتقد أن الجن قتلت سعدا و لا أن هذا شعر الجن و لا أرتاب أن البشر قتلوه و أن هذا الشعر شعر البشر و لكن لم يثبت عندي أن أبا بكر أمر خالدا و لا أستبعد أن يكون فعله من تلقاء نفسه ليرضى بذلك أبا بكر و حاشاه فيكون الإثم على شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 224خالد و أبو بكر بري ء من إثمه و ما ذلك من أفعال خالد ببعيدالطعن الرابع عشر
قولهم إنه لما استخلف قطع لنفسه على بيت المال أجرة كل يوم ثلاثة دراهم قالوا و ذلك لا يجوز لأن مصارف أموال بيت المسلمين لم يذكر فيها أجرة للإمام. و الجواب أنه تعالى جعل في جملة مصرف أموال الصدقات العاملين عليها و أبو بكر من العاملين و اعلم أن الإمامية لو أنصفت لرأت أن هذا الطعن بأن يكون من مناقب أبي بكر أولى من أن يكون من مساويه و مثالبه و لكن العصبية لا حيلة فيها.
الطعن الخامس عشر(18/204)
قولهم إنه لما استخلف صرخ مناديه في المدينة من كان عنده شي ء من كلام الله فليأتنا به فإنا عازمون على جمع القرآن و لا يأتنا بشي ء منه إلا و معه شاهدا عدل قالوا و هذا خطأ لأن القرآن قد بان بفصاحته عن فصاحة البشر فأي حاجة إلى شاهدي عدل. و الجواب أن المرتضى ون تابعه من الشيعة لا يصح لهم هذا الطعن لأن القرآن عندهم ليس معجزا بفصاحته على أن من جعل معجزته للفصاحة لم يقل إن كل آية من القرآن هي معجزة في الفصاحة و أبو بكر إنما طلب كل آية من القرآن لا السورة بتمامها و كمالها التي يتحقق الإعجاز من طريق الفصاحة فيها و أيضا فإنه لو أحضر إنسان آية أو آيتين و لم يكن معه شاهد فربما تختلف العرب هل هذه في الفصاحة بالغة شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 225مبلغ الإعجاز الكلي أم هي ثابتة من كلام العرب بثبوته غير بالغة إلى حد الإعجاز فكان يلتبس الأمر و يقع النزاع فاستظهر أبو بكر بطلب شهود تأكيدا لأنه إذا انضمت الشهادة إلى الفصاحة الظاهرة ثبت أن ذلك الكلام من القرآن(18/205)
وَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنِّي وَ اللَّهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وَ هُمْ طِلَاعُ الْأَرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَ لَا اسْتَوْحَشْتُ وَ إِنِّي مِنْ ضَلَالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَ الْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي وَ يَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَ إِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ لَمُشْتَاقٌ وَ لِحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ وَ لَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ هَذِهِ الْأُمَّةَ سُفَهَاؤُهَا وَ فُجَّارُهَا فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلًا وَ عِبَادَهُ خَوَلًا وَ الصَّالِحِينَ حَرْباً وَ الْفَاسِقِينَ حِزْباً فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِي شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ وَ جُلِدَ حَدّاً فِي الْإِسْلَامِ وَ إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ الرَّضَائِخُ فَلَوْ لَا ذَلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ وَ تَأْنِيبَكُمْ وَ جَمْعَكُمْ وَ تَحْرِيضَكُمْ وَ لَتَرَكْتُكُمْ إِذْ أَبَيْتُمْ وَ وَنَيْتُمْ أَ لَا تَرَوْنَ إِلَى أَطْرَافِكُمْ قَدِ انْتَقَصَتْ وَ إِلَى أَمْصَارِكُمْ قَدِ افْتُتِحَتْ وَ إِلَى مَمَالِكِكُمْ تُزْوَى وَ إِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزَى انْفِرُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ وَ لَا تَثَّاقَلُوا إِلَى الْأَرْضِ فَتُقِرُّوا بِالْخَسْفِ وَ تَبَوَّءُوا بِالذُّلِّ وَ يَكُونَ نَصِيبُكُمُ الْأَخَسَّ وَ إِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الْأَرِقُ وَ مَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْهُ وَ السَّلَامُ(18/206)
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 226طلاع الأرض ملؤها و منه قول عمر لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من هول المطلع. و آسى أحزن. و أكثرت تأليبكم تحريضكم و إغراءكم به و التأنيب أشد اللوم. و ونيتم ضعفتم و فترتم و ممالككم تزوى أي تقبض. و لا تثاقلوا بالتشديد أصلتتثاقلوا و تقروا بالخسف تعترفوا بالضيم و تصبروا له و تبوءوا بالذل ترجعوا به و الأرق الذي لا ينام و مثل قوله ع من نام لم ينم عنه قول الشاعر
لله درك ما أردت بثائر حران ليس عن الترات براقدأسهرته ثم اضطجعت و لم ينم حنقا عليك و كيف نوم الحاقد(18/207)