شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 217هل كانت على ملك رسول الله ص إلى أن توفي أم ملكها نساؤه و الذي تنطق به التواريخ أنه لما خرج من قباء و دخل المدينة و سكن منزل أبي أيوب اختط المسجد و اختط حجر نسائه و بناته و هذا يدل على أنه كان المالك للمواضع و أما خروجها عن كه إلى الأزواج و البنات فمما لم أقف عليه و يجوز أن تكون الصحابة قد فهمت من قرائن الأحوال و مما شاهدوه منه ع أنه قد أقر كل بيت منها في يد زوجة من الزوجات على سبيل الهبة و العطية و إن لم ينقل عنه في ذلك صيغة لفظ معين و القول في بيت فاطمة ع كذلك لأن فاطمة ع لم تكن تملك مالا و علي ع بعلها كان فقيرا في حياة رسول الله ص حتى أنه كان يستقي الماء ليهود بيده يسقي بساتينهم لقوت يدفعونه إليه فمن أين كان له ما يبتاع به حجرة يسكن فيها هو و زوجته و القول في كثير من الزوجات كذلك أنهن كن فقيرات مدقعات نحو صفية بنت حيي بن أخطب و جويرية بنت الحارث و ميمونة و غيرهن فلا وجه يمكن أن يتملك منه هؤلاء النسوة و البنت الحجر إلا أن يكون رسول الله ص وهبها لهن هذا إن ثبت أنها خرجت عن ملكيته ع و إلا فهي باقية على ملكيته باستصحاب الحال و القول في حجرة زينب بنت رسول الله ص كذلك لأنه أقدمها من مكة مفارقة لبعلها أبي العاص بن الربيع فأسكنها بالمدينة في حجرة منفردة خالية عن بعل فلا بد أن تكون تلك الحجرة بمقتضى ما يتغلب على الظن ملكا له ع فيستدام الحكم بملكه لها إلى أن نجد دليلا ينقلنا عن ذلك و أما رقية و أم كلثوم زوجتا عثمان فإن كان مثريا ذا مال فيجوز أن يكون ابتاع حجرة سكنت فيها الأولى منهما ثم الثانية بعدها. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 218فأما احتجاج قاضي القضاة بقوله وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ فاعتراض المرتضى عليه قوي لأن هذه الإضافة إنما تقتضي التخصيص فقط لا التمليك كما قال لا تُخْرِجُوهُنَِّنْ بُيُوتِهِنَّ و يجوز أن يكون أبو بكر لما روى قوله نحن لا نورث(18/198)
ترك الحجر في أيدي الزوجات و البنت على سبيل الإقطاع لهن لا التمليك أي أباحهن السكنى لا التصرف في رقاب الأرض و الأبنية و الآلات لما رأى في ذلك من المصلحة و لأنه كان من المتهجن القبيح إخراجهن من البيوت و ليس كذلك فدك فإنها قرية كبيرة ذات نخل كثير خارجة عن المدينة و لم تكن فاطمة متصرفة فيها من قبل نفسها و لا بوكيلها و لا رأتها قط فلا تشبه حالها حال الحجر و أيضا لإباحة هذه الحجر و نزارة أثمانهن فإنها كانت مبنية من طين قصيرة الجدران فلعل أبا بكر و الصحابة استحقروها فأقروا النساء فيها و عوضوا المسلمين عنها بالشي ء اليسير مما يقتضي الحساب أن يكون من سهم الأزواج و البنت عند قسمة الفي ء. و أما القول في الحسن و ما جرى من عائشة و بني أمية فقد تقدم و كذلك القول في الخبر المروي في دفن الرسول ع فكان أبو المر هبة الله بن الموسوي صدر المخزن المعمور كان في أيام الناصر لدين الله إذا حادثته حديث وفاة رسول الله ص و رواية أبي بكر ما رواه من
قوله ع الأنبياء يدفنون حيث يموتون(18/199)
يحلف أن أبا بكر افتعل هذا الحديث في الحال و الوقت ليدفن النبي ص في حجرة ابنته ثم يدفن هو معه عند موته علما منه أنه لم يبق من عمره إلا مثل ظم ء الحمار و أنه إذا دفن النبي ص في حجرة ابنته فإن ابنته تدفنه لا محالة في حجرتها عند بعلها و إن دفن النبي ص في موضعشرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 219آخر فربما لا يتهيأ له أن يدفن عنده فرأى أن هذا الفوز بهذا الشرف العظيم و هذا المكان الجليل مما لا يقتضي حسن التدبير فوته و إن انتهاز الفرصة فيه واجب فروى لهم الخبر فلا يمكنهم بعد روايته ألا يعملوا به لا سيما و قد صار هو الخلة و إليه السلطان و النفع و الضرر و أدرك ما كان في نفسه ثم نسج عمر على منواله فرغب إلى عائشة في مثل ذلك و قد كان يكرمها و يقدمها على سائر الزوجات في العطاء و غيره فأجابته إلى ذلك و كان مطاعا في حياته و بعد مماته و كان يقول وا عجبا للحسن و طمعه في أن يدفن في حجرة عائشة و الله لو كان أبوه الخليفة يومئذ لما تهيأ له ذلك و لا تم لبغض عائشة لهم و حسد الناس إياهم و تمالؤ بني أمية و غيرهم من قريش عليهم و لهذا قالوا يدفن عثمان في حش كوكب و يدفن الحسن في حجرة رسول الله ص فكيف و الخليفة معاوية و الأمراء بالمدينة بنو أمية و عائشة صاحبة الموضع و الناصر لبني هاشم قليل و الشانئ كثير. و أنا أستغفر الله مما كان أبو المظفر يحلف عليه و أعلم و أظن ظنا شبيها بالعلم أن أبا بكر ما روى إلا ما سمع و أنه كان أتقى لله من ذلك.
الطعن التاسع(18/200)
قولهم إنه نص على عمر بالخلافة فخالف رسول الله ص على زعمه لأنه كان يزعم هو و من قال بقوله أن رسول الله ص لم يستخلف. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 220و الجواب أن كونه لم يستخلف لا يدل على تحريم الاستخلاف كما أنه من لم يركب الفيل لا يدل على تحريم ركوب الفيل فإقالوا ركوب الفيل فيه منفعة و لا مضرة فيه و لم يرد نص بتحريمه فوجب أن يحسن قيل لهم و الاستخلاف مصلحة و لا مضرة فيه و قد أجمع المسلمون أنه طريق إلى الإمامة فوجب كونه طريقا إليها و قد روي
عن عمر أنه قال إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر و إن أترك فقد ترك من هو خير مني يعني رسول الله ص
فأما الاجتماع المشار إليه فهو أن الصحابة أجمعوا على أن عمر إمام بنص أبي بكر عليه و أنفذوا أحكامه و انقادوا إليه لأجل نص أبي بكر لا لشي ء سواه فلو لم يكن ذلك طريقا إلى الإمامة لما أطبقوا عليه و قد اختلف الشيخان أبو علي و أبو هاشم في أن نص الإمام على إمام بده هل يكفي في انعقاد إمامته فقال أبو علي لا يكفي بل لا بد من أن يرضى به أربعة حتى يجري عهده إليه مجرى عقد الواحد برضا أربعة فإذا قارنه رضا أربعة صار بذلك إماما و يقول في بيعة عمر أن أبا بكر أحضر جماعة من الصحابة لما نص عليه و رجع إلى رضاهم بذلك و قال أبو هاشم بل يكفي نصه ع و لا يراعى في ذلك رضا غيره به و لو ثبت أن أبا بكر فعله لكان على طريق التبع للنص لا أنه يؤثر في إمامته مع العهد و لعل أبا بكر إن كان فعل ذلك فقد استطاب به نفوسهم و لهذا لم يؤثر فيه كراهية طلحة حين قال وليت علينا فظا غليظا و يبين ذلك أنه لم ينقل استئناف العقد من الصحابة لعمر بعد موت أبي بكر و لا اجتماع جماعة لعقد البيعة له و الرضا به فدل على أنهم اكتفوا بعهد أبي بكر إليه(18/201)
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 221الطعن العاشرقولهم إنه سمى نفسه بخليفة رسول الله ص لاستخلافه إياه بعد موته مع اعترافه أنه لم يستخلفه. و الجواب أن الصحابة سمته خليفة رسول الله ص لاستخلافه إياه على الصلاة عند موته و الاستخلاف على الصلاة عند الموت له مزية على الاستخلاف على الصلاة حال الحياة لأن حال الموت هي الحال التي تكون فيها العهود و الوصايا و ما يهتم به الإنسان من أمور الدنيا و الدين لأنها حال المفارقة و أيضا فإن رسول الله ص ما استخلف أحدا على الصلاة بالمدينة و هو حاضر و إنما كان يستخلف على الصلاة قوما أيام غيبته عن المدينة فلم يحصل الاستخلاف المطلق على الصلاة بالناس كلهم و هو ص حاضر بين الناس حي إلا لأبي بكر و هذه مزية ظاهرة على سائر الاستخلافات في أمر الصلاة فلذلك سموه خليفة رسول الله ص و بعد فإذا ثبت أن الإجماع على كون الاختيار طريقا إلى الإمامة و حجة و ثبت أن قوما من أفاضل الصحابة اختاروه للخلافة فقد ثبت أنه خليفة رسول الله ص لأنه لا فرق بين أن ينص الرسول ص على شخص معين و بين أن يشير إلى قوم فيقول من اختار هؤلاء القوم فهو الإمام في أن كل واحد منهما يصح أن يطلق عليه خليفة رسول الله ص.
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 222الطعن الحادي عشرقولهم إنه حرق الفجاءة السلمي بالنار و قد نهى النبي ص أن يحرق أحد بالنار. و الجواب أن الفجاءة جاء إلى أبي بكر كما ذكر أصحاب التواريخ فطلب منه سلاحا يتقوى به على الجهاد في أهل الردة فأعطاه فلما خرج قطع الطريق و نهب أموال المسلمين و أهل الردة جميعا و قتل كل من وجد كما فعلت الخوارج حيث خرجت فلما ظفر به أبو بكر رأى حرقه بالنار إرهابا لأمثاله من أهل الفساد و يجوز للإمام أن يخص النص العام بالقياس الجلي عندنا.
الطعن الثاني عشر(18/202)