شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 207و استرجع ما وجد عند المسلمين من أموالهم و أولادهم و نسائهم فرد ذلك عليهم جميعا مع نصيبه كان منهم و قيل إنه ارتجع بعض نسائهم من نواحي دمشق و بعضهن حوامل فردهن على أزواجهن فالأمر ظاهر في خطإ خالد و خطإ من تجاوز عنه و قول صاحبلكتاب إنه يجوز أن يخفى عن عمر ما يظهر لأبي بكر ليس بشي ء لأن الأمر في قصة خالد لم يكن مشتبها بل كان مشاهدا معلوما لكل من حضره و ما تأول به في القتل لا يعذر لأجله و ما رأينا أبا بكر حكم فيه بحكم المتأول و لا غيره و لا تلافى خطأه و زلله و كونه سيفا من سيوف لله على ما ادعاه لا يسقط عنه الأحكام و يبرئه من الآثام و أما قول متمم لو قتل أخي على ما قتل عليه أخوك لما رثيته لا يدل على أنه كان مرتدا فكيف يظن عاقل أن متمما يعترف بردة أخيه و هو يطالب أبا بكر بدمه و الاقتصاص من قاتليه و رد سبيه و أنه أراد في الجملة التقرب إلى عمر بتقريظ أخيه ثم لو كان ظاهر هذا القول كباطنه لكان إنما يقصد تفضيل قتلة زيد على قتلة مالك و الحال في ذلك أظهر لأن زيدا قتل في بعث المسلمين ذابا عن وجوههم و مالك قتل على شبهة و بين الأمرين فرق. و أما قوله في النبي ص صاحبك فقد قال أهل العلم إنه أراد القرشية لأن خالدا قرشي و بعد فليس في ظاهر إضافته إليه دلالة على نفيه له عن نفسه و لو كان علم من مقصده الاستخفاف و الإهانة على ما ادعاه صاحب الكتاب لوجب أن يعتذر خالد بذلك عند أبي بكر و عمر و يعتذر به أبو بكر لما طالبه عمر بقتله فإن عمر ما كان يمنع من قتل قادح في نبوة النبي ص و إن كان الأمر على ذلك فأي معنى لقول أبي بكر تأول فأخطأ و إنما تأول فأصاب إن كان الأمر على ما ذكر شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 208قلت أما تعجب المرتضى من كون قوم منعوا الزكاة و أقاموا على الصلاة و دعواه أن هذا غير ممكن و لا صحيح فالعجبنه كيف ينكر وقوع ذلك و كيف ينكر إمكانه أما الإمكان فلأنه لا ملازمة(18/188)


بين العبادتين إلا من كونهما مقترنتين في بعض المواضع في القرآن و ذلك لا يوجب تلازمهما في الوجود أو من قوله إن الناس يعلمون كون الزكاة واجبة في دين الإسلام ضرورة كما تعلمون كون الصلاة في دين الإسلام ضرورة و هذا لا يمنع اعتقادهم سقوط وجوب الزكاة لشبهة دخلت عليهم فإنهم قالوا إن الله تعالى قال لرسوله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ قالوا فوصف الصدقة المفروضة بأنها صدقة من شأنها أن يطهر رسول الله ص الناس و يزكيهم بأخذها منهم ثم عقب ذلك بأن فرض عليه مع أخذ الزكاة منهم أن يصلي عليهم صلاة تكون سكنا لهم قالوا و هذه الصفات لا تتحقق في غيره لأن غيره لا يطهر الناس و يزكيهم بأخذ الصدقة و لا إذا صلى على الناس كانت صلاته سكنا لهم فلم يجب علينا دفع الزكاة إلى غيره و هذه الشبهة لا تنافي كون الزكاة معلوما وجوبها ضرورة من دين محمد ص لأنهم ما جحدوا وجوبها و لكنهم قالوا إنه وجوب مشروط و ليس يعلم بالضرورة انتفاء كونها مشروطة و إنما يعلم ذلك بنظر و تأويل فقد بان أن ما ادعاه من الضرورة ليس بدال على أنه لا يمكن أحد اعتقاد نفي وجوب الزكاة بعد موت الرسول و لو عرضت مثل هذه الشبهة في صلاة لصح لذاهب أن يذهب إلى أنها قد سقطت عن الناس فأما الوقوع فهو المعلوم ضرورة بالتواتر كالعلم بأن أبا بكر ولي الخلافة بعد الرسول ص ضرورة بطريق التواتر و من أراد الوقوف على ذلك فلينظر في كتب التواريخ(18/189)


شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 209فإنها تشتمل من ذلك على ما يشفي و يكفي و قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ الكبير بإسناد ذكره أن أبا بكر أقام بالمدينة بعد وفاة رسول الله ص و توجيهه أسامة في جيشه إلى حيث قتل أبوه زيد بن حارثة لم يحدث شيئا و جاءته ود العرب مرتدين يقرون بالصلاة و يمنعون الصدقة فلم يقيل منهم و ردهم و أقام حتى قدم أسامة بعد أربعين يوما من شخوصه و يقال بعد سبعين يوما. و روى أبو جعفر قال امتنعت العرب قاطبة من أداء الزكاة بعد رسول الله ص إلا قريشا و ثقيفا. و روى أبو جعفر عن السري عن شعيب عن سيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال ارتدت العرب و منعت الزكاة إلا قريشا و ثقيفا فأما هوازن فقدمت رجلا و أخرت أخرى أمسكوا الصدقة. و روى أبو جعفر قال لما منعت العرب الزكاة كان أبو بكر ينتظر قدوم أسامة بالجيش فلم يحارب أحدا قبل قدومه إلا عبسا و ذبيان فإنه قاتلهم قبل رجوع أسامة. و روى أبو جعفر قال قدمت وفود من قبائل العرب المدينة فنزلوا على وجوه الناس بها و يحملونهم إلى أبي بكر أن يقيموا الصلاة و ألا يؤتوا الزكاة فعزم الله لأبي بكر على الحق و قال لو منعوني عقال بعير لجاهدتهم عليه. و روى أبو جعفر شعرا للخطيل بن أوس أخي الحطيئة في معنى منع الزكاة و أن شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 210أبا بكر رد سؤال العرب و لم يجبهم من جملتهأطعنا رسول الله إذا كان بيننا فيا لعباد الله ما لأبي بكرأ يورثها بكر إذا مات بعده و تلك لعمر الله قاصمة الظهرفهلا رددتم وفدنا بإجابة و هلا حسبتم منه راعية البكرفإن الذي سألوكم فمنعتم لكالتمر أو أحلى لحلف بني فهر(18/190)


و روى أبو جعفر قال لما قدمت العرب المدينة على أبي بكر فكلموه في إسقاط الزكاة نزلوا على وجوه الناس بالمدينة فلم يبق أحد إلا و أنزل عليه ناسا منهم إلا العباس بن عبد المطلب ثم اجتمع إلى أبي بكر المسلمون فخوفوه بأس العرب و اجتماعها قال ضرار بن الأزور فما رأيت أحدا ليس رسول الله أملأ بحرب شعواء من أبي بكر فجعلنا نخوفه و نروعه و كأنما إنما نخبره بما له لا ما عليه و اجتمعت كلمة المسلمين على إجابة العرب إلى ما طلبت و أبى أبو بكر أن يفعل إلا ما كان يفعله رسول الله ص و أن يأخذ إلا ما كان يأخذ ثم أجلهم يوما و ليلة ثم أمرهم بالانصراف و طاروا إلى عشائرهم. و روى أبو جعفر قال كان رسول الله ص بعث عمرو بن العاص إلى عمان قبل موته فمات و هو بعمان فأقبل قافلا إلى المدينة فوجد العرب قد منعت الزكاة فنزل في بني عامر على قرة بن هبيرة و قرة يقدم رجلا و يؤخر أخرى و على ذلك بنو عامر كلهم إلا الخواص ثم قدم المدينة فأطافت به قريش فأخبرهم أن العساكر معسكرة حولهم فتفرق المسلمون و تحلقوا حلقا و أقبل عمر بن الخطاب فمر بحلقة شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 211و هم يتحدثون فيما سمعوا من عمرو و في تلك الحلقة علي و عثمان و طلحة و الزبير و عبد الرحمبن عوف و سعد فلما دنا عمر منهم سكتوا فقال في أي شي ء أنتم فلم يخبروه فقال ما أعلمني بالذي خلوتم عليه فغضب طلحة و قال الله يا ابن الخطاب إنك لتعلم الغيب فقال لا يعلم الغيب إلا الله و لكن أظن قلتم ما أخوفنا على قريش من العرب و أخلقهم ألا يقروا بهذا الأمر قاوا صدقت فقال فلا تخافوا هذه المنزلة أنا و الله منكم على العرب أخوف مني عليكم من العرب. قال أبو جعفر و حدثني السري قال حدثنا شعيب عن سيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال نزل عمرو بن العاص بمنصرفه من عمان بعد وفاة رسول الله ص بقرة بن هبيرة بن سلمة بن يسير و حوله عساكر من أفنائهم فذبح له و أكرم منزلته فلما أراد الرحلة خلا به و(18/191)


قال يا هذا إن العرب لا تطيب لكم أنفسا بالإتاوة فإن أنتم أعفيتموها من أخذ أموالها فستسمع و تطيع و إن أبيتم فإنها تجتمع عليكم فقال عمرو أ توعدنا بالعرب و تخوفنا بها موعدنا حفش أمك أما و الله لأوطئنه عليك الخيل و قدم على أبي بكر و المسلمين فأخبرهم. و روى أبو جعفر قال كان رسول الله ص قد فرق عماله في بني تميم على قبض الصدقات فجعل الزبرقان بن بدر على عوف و الرباب و قيس بن عاصم على مقاعس و البطون و صفوان بن صفوان و سبرة بن عمرو على بني عمرو و مالك بن نويرة على بني حنظلة فلما توفي رسول الله ص ضرب صفوان إلى أبي بكر حين وقع إليه الخبر بموت النبي ص بصدقات بني عمرو و بما ولي منها و ما ولي سبرة و أقام سبرة في قومه لحدث إن ناب و أطرق قيس بن عاصم ينظر ما الزبرقان صانع فكان له عدوا و قال و هو ينتظره و ينتظر ما يصنع و يلي عليه ما أدري ما أصنع إن أنا شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 212بايعت أبا بكر و أتيته بصدقات قومي خلفني فيهم فساءني عندهم و إن رددتها عليهم فليأتين أبا بكر فيسوءني عنده ثم عزم قيس على قسمتها في مقاعس و البطون ففعل و عزم الزبرقان على الوفاء فاتبع صفن بصدقات عوف و الرباب حتى قدم بها المدينة و قال شعرا يعرض فيه بقيس بن عاصم و من جملته
وفيت بأذواد الرسول و قد أبت سعاة فلم يردد بعيرا أميرها(18/192)

31 / 150
ع
En
A+
A-