أن أبا بكر لم يكن يعرف الفقه و أحكام الشريعة فقد قال في الكلالة أقول شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 202فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله و إن يكن خطأ فمني و لم يعرف ميراث الجد و من حاله هذه لا يصلح للإمامة. أجاب قاضي القضاة بأن الإمام لا يجب أن يعلم جميع الأام و أن القدر الذي يحتاج إليه هو القدر الذي يحتاج إليه الحاكم و أن القول بالرأي هو الواجب فيما لا نص فيه و قد قال أمير المؤمنين ع بالرأي في مسائل كثيرة. اعترض المرتضى فقال قد دللنا على أن الإمام لا بد أن يكون عالما بجميع الشرعيات و فرقنا بينه و بين الحاكم و دللنا على فساد الرأي و الاجتهاد و أما أمير المؤمنين ع فلم يقل قط بالرأي و ما يروى من خبر بيع أمهات الأولاد غير صحيح و لو صح لجاز أن يكون أراد بالرأي الرجوع إلى النصوص و الأدلة و لا شبهة عندنا أن قوله كان واحدا في الحالين و إن ظهر في أحدهما خلاف مذهبه للتقية. قلت هذا الطعن مبني على أمرين أحدهما هل من شرط الإمامة أن يعلم الإمام كل الأحكام الشرعية أم لا و هذا مذكور في كتبنا الكلامية و الثاني هو القول في الاجتهاد و الرأي حق أم لا و هذا مذكور في كتبنا الأصولية.
الطعن السابع(18/183)


قصة خالد بن الوليد و قتله مالك بن نويرة و مضاجعته امرأته من ليلته و أن أبا بكر شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 203ترك إقامة الحد عليه و زعم أنه سيف من سيوف الله سله الله على أعدائه مع أن الله تعالى قد أوجب القود و حد الزناء عموما و أن عمر نبهه و قال له اقتله نه قتل مسلما. أجاب قاضي القضاة فقال إن شيخنا أبا علي قال إن الردة ظهرت من مالك بن نويرة لأنه جاء في الأخبار أنه رد صدقات قومه عليهم لما بلغه موت رسول الله ص كما فعله سائر أهل الردة فاستحق القتل فإن قال قائل فقد كان يصلي قيل له و كذلك سائر أهل الردة و إنما كفروا بالامتناع من الزكاة و اعتقادهم إسقاط وجوبها دون غيره فإن قيل فلم أنكر عمر قيل كان الأمر إلى أبي بكر فلا وجه لإنكار عمر و قد يجوز أن يعلم أبو بكر من الحال ما يخفى على عمر فإن قيل فما معنى ما روي عن أبي بكر من أن خالدا تأول فأخطأ قيل أراد عجلته عليه بالقتل و قد كان الواجب عنده على خالد أن يتوقف للشبهة و استدل أبو علي على ردته بأن أخاه متمم بن نويرة لما أنشد عمر مرثيته أخاه قال له وددت أني أقول الشعر فأرثي أخي زيدا بمثل ما رثيت به أخاك فقال متمم لو قتل أخي على مثل ما قتل عليه أخوك ما رثيته فقال عمر ما عزاني أحد بمثل تعزيتك فدل هذا على أن مالكا لم يقتل على الإسلام كما قتل زيد. و أجاب عن تزويج خالد بامرأته بأنه إذا قتل على الردة في دار الكفر جاز تزويج امرأته عند كثير من أهل العلم و إن كان لا يجوز أن يطأها إلا بعد الاستبراء. و حكي عن أبي علي أنه إنما قتله لأنه ذكر رسول الله ص فقال صاحبك و أوهم بذلك أنه ليس بصاحب له و كان عنده أن ذلك رده و علم عند المشاهدة(18/184)


شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 204المقصد و هو أمير القوم فجاز أن يقتله و إن كان الأولى ألا يستعجل و أن يكشف الأمر في ردته حتى يتضح فلهذا لم يقتله أبو بكر به فأما وطؤه لامرأته فلم يثبت فلا يصح أن يجعل طعنا فيه اعترض المرتضى فقال أما منع خالد في قتل مالك بن نرة و استباحة امرأته و أمواله لنسبته إياه إلى ردة لم تظهر منه بل كان الظاهر خلافها من الإسلام فعظيم و يجري مجراه في العظم تغافل من تغافل عن أمره و لم يقم فيه حكم الله تعالى و أقره على الخطإ الذي شهد هو به على نفسه و يجري مجراهما من أمكنه أن يعلم الحال فأهملها و لم يتصفح ما روي من الأخبار في هذا الباب و تعصب لأسلافه و مذهبه و كيف يجوز عند خصومنا على مالك و أصحابه جحد الزكاة مع المقام على الصلاة و هما جميعا في قرن لأن العلم الضروري بأنهما من دينه ع و شريعته على حد واحد و هل نسبة مالك إلى الردة مع ما ذكرناه إلا قدح في الأصول و نقض لما تضمنته من أن الزكاة معلومة ضرورة من دينه ع و أعجب من كل عجيب قوله و كذلك سائر أهل الردة يعني أنهم كانوا يصلون و يجحدون الزكاة لأنا قد بينا أن ذلك مستحيل غير ممكن و كيف يصح ذلك و قد روى جميع أهل النقل أن أبا بكر لما وصى الجيش الذين أنفذهم بأن يؤذنوا و يقيموا فإن أذن القوم كأذانهم و إقامتهم كفوا عنهم و إن لم يفعلوا أغاروا عليهم فجعل أمارة الإسلام و البراءة من الردة الأذان و الإقامة و كيف يطلق في سائر أهل الردة ما أطلقه من أنهم كانوا يصلون و قد علمنا أن أصحاب مسيلمة و طليحة و غيرهما ممن كان ادعى النبوة و خلع الشريعة ما كانوا يرون الصلاة و لا شيئا مما جاءت به شريعتنا و قصة مالك معروفة عند من تأمل كتب السير و النقل لأنه كان على صدقات قومه بني شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 205يربوع واليا من قبل رسول الله ص و لما بلغته وفاة رسول الله ص أمسك أخذ الصدقة من قومه و قال لهم تربصوا بها حتى يقوم قائم بعد النبي ص(18/185)


و ننظر ما يكون من أمره و قد صرح بذلك في شعره حيث يقول
و قال رجال سدد اليوم مالك و قال رجال مالك لم يسددفقلت دعوني لا أبا لأبيكم فلم أخط رأيا في المقام و لا الندي و قلت خذوا أموالكم غير خائف و لا ناظر فيما يجي ء به غدي فدونكموها إنما هي مالكم مصورة أخلاقها لم تجددسأجعل نفسي دون ما تحذرونه و أرهنكم يوما بما ه يدي فإن قام بالأمر المجدد قائم أطعنا و قلنا الدين دين محمدفصرح كما ترى أنه استبقى الصدقة في أيدي قومه رفقا بهم و تقربا إليهم إلى أن يقوم بالأمر من يدفع ذلك إليه و قد روى جماعة من أهل السير و ذكره الطبري في تاريخه أن مالكا نهى قومه عن الاجتماع على منع الصدقات و فرقهم و قال يا بني يربوع إنا كنا قد عصينا أمراءنا إذ دعونا إلى هذا الدين و بطأنا الناس عنه فلم نفلح و لم ننجح و أني قد نظرت في هذا الأمر فوجدت الأمر يتأتى لهؤلاء القوم بغير سياسة و إذا أمر لا يسوسه الناس فإياكم و معاداة قوم يصنع لهم فتفرقوا على ذلك إلى أموالهم و رجع مالك إلى منزله فلما قدم خالد البطاح بث السرايا و أمرهم بداعية الإسلام و أن يأتوه بكل من لم يجب و أمرهم إن امتنع أن يقاتلوه فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني يربوع و اختلف السرية في أمرهم و في السرية أبو قتادة الحارث بن ربعي فكان ممن شهد أنهم أذنوا و أقاموا و صلوا فلما اختلفوا فيهم شرح نهالبلاغة ج : 17 ص : 206أمر بهم خالد فحبسوا و كانت ليلة باردة لا يقوم لها شي ء فأمر خالد مناديا ينادي أدفئوا أسراءكم فظنوا أنهم أمروا بقتلهم لأن هذه اللفظة تستعمل في لغة كنانة للقتل فقتل ضرار بن الأزور مالكا و تزوج خالد زوجته أم تميم بنت المنهال. و في خبر آر أن السرية التي بعث بها خالد لما غشيت القوم تحت الليل راعوهم فأخذ القوم السلاح قال فقلنا إنا المسلمون فقالوا و نحن المسلمون قلنا فما بال السلاح معكم قلنا فضعوا السلاح فلما وضعوا السلاح ربطوا أسارى فأتوا بهم(18/186)


خالدا فحدث أبو قتادة خالد بن الوليد أن القوم نادوا بالإسلام و أن لهم أمانا فلم يلتفت خالد إلى قولهم و أمر بقتلهم و قسم سبيهم و حلف أبو قتادة ألا يسير تحت لواء خالد في جيش أبدا و ركب فرسه شاذا إلى أبي بكر فأخبره الخبر و قال له إني نهيت خالدا عن قتله فلم يقبل قولي و أخذ بشهادة الأعراب الذين غرضهم الغنائم و أن عمر لما سمع ذلك تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر و قال إن القصاص قد وجب عليه و لما أقبل خالد بن الوليد قافلا دخل المسجد و عليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما فلما دخل المسجد قام إليه عمر فنزع الأسهم عن رأسه فحطمها ثم قال له يا عدو نفسه أ عدوت على امرئ مسلم فقتلته ثم نزوت على امرأته و الله لنرجمنك بأحجارك و خالد لا يكلمه و لا يظن إلا أن رأي أبي بكر مثل رأيه حتى دخل إلى أبي بكر و اعتذر إليه بعذره و تجاوز عنه فخرج خالد و عمر جالس في المسجد فقال هلم إلى يا ابن أم شملة فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه و دخل بيته. و قد روي أيضا أن عمر لما ولي جمع من عشيرة مالك بن نويرة من وجد منهم(18/187)

30 / 150
ع
En
A+
A-