أسامة يجب تأخرهم ليختار للإمامة أحدهم فإن ذلك أهم من نفوذهم فإذا جاز لهذه العلة التأخر قبل العقد جاز التأخر بعده للمعاضدة و غيرها. فأما قول المرتضى إن ذلك الجيش لم يضم من يصلح للإمامة فبناء على مذهبه في أن كل من ليس بمعصوم لا يصلح للإمامة فأما قوله و لو صح ذلك لم يكن عذرا في التأخر لأن من خرج في الجيش يمكن أن يختار و لو كان بعيدا و لا يمكن بعده من صحة الاختيار فلقائل أن يقول دار الهجرة هي التي فيها أهل الحل و العقد و أقارب رسول الله ص و القراء و أصحاب السقيفة فلا يجوز العدول عن الاجتماع و المشاورة فيها إلى الاختيار على البعد و على جناح السفر من غير مشاركة من ذكرنا من أعيان المسلمين. فأما قوله و لو صح هذا العقد لكان عذرا في التأخر قبل العقد فأما بعد إبرامه فلا عذر فيه فلقائل أن يقول إذا أجزت التأخر قبل العقد لنوع من المصلحة فأجز التأخر بعد العقد لنوع آخر من المصلحة و هو المعاضدة و المساعدة.(18/173)
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 193هذه الوجوه السبعة كلها لبيان قوله تأخر أبي بكر أو عمر عن النفوذ في جيش أسامة و إن كان مأمورا بالنفوذ. ثم نعود إلى تمام أقسام الفصل و منها قول قاضي القضاة لا معنى لقول من قال إن رسول الله ص قصد إبعادهم عن المدينة لأن بعدهم عا لا يمنعهم من أن يختاروا واحدا منهم للإمامة و لأنه ع لم يكن قاطعا على موته لا محالة لأنه لم يرد نفذوا جيش أسامة في حياته. و قد اعترض المرتضى هذا فقال إنه لم يتبين معنى الطعن لأن الطاعن لا يقول إنهم أبعدوا عن المدينة كي لا يختاروا واحدا للإمامة بل يقول إنما أبعدوا لينتصب بعد موته ص في المدينة الشخص الذي نص عليه و لا يكون حاضرا بالمدينة من يخالفه و ينازعه و ليس يضرنا ألا يكون ص قاطعا على موته لأنه و إن لم يكن قاطعا فهو لا محالة يشفق و يخاف من الموت و على الخائف أن يتحرز مما يخاف منه و كلام المرتضى في هذا الموضع أظهر من كلام قاضي القضاة. و منها قول قاضي القضاة إن ولاية أسامة عليهما لا تقتضي كونهما دونه في الفضل كما أن عمرو بن العاص لما ولي عليهما لم يقتض كونه أفضل منهما و قد اعترض المرتضى هذا بأنه يقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما هو أفضل منه و إن تقديم عمرو بن العاص عليهما في الإمرة يقتضي أن يكون أفضل منهما فيما يرجع إلى الإمرة و السياسة و لا يقتضي أفضليته عليهما في غير ذلك و كذلك القول في أسامة. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 194و لقائل أن يقول إن الملوك قد يؤمرون الأمراء على الجيوش لوجهين أحدهما أن يقصد الملكتأمير ذلك الشخص أن يسوس الجيش و يدبره بفضل رأيه و شيخوخته و قديم تجربته و ما عرف من يمن نقيبته في الحرب و قود العساكر و الثاني أن يؤمر على الجيش غلاما حدثا من غلمانه أو من ولده أو من أهله و يأمر الأكابر من الجيش أن يثقفوه و يعلموه و يأمره أن يتدبر بتدبيرهم و يرجع إلى رأيهم و يكون قصد الملك من ذلك تخريج ذلك الغلام و تمرينه(18/174)
على الإمارة و أن يثبت له في نفوس الناس منزلة و أن يرشحه لجلائل الأمور و معاظم الشئون ففي الوجه الأول يقبح تقديم المفضول على الفاضل و في الوجه الثاني لا يقبح فلم لا يجوز أن يكون تأمير أسامة عليهما من قبيل الوجه الثاني و الحال يشهد لذلك لأن أسامة كان غلاما لم يبلغ ثماني عشرة سنة حين قبض النبي ص فمن أين حصل له من تجربة الحرب و ممارسة الوقائع و قود الجيش ما يكون به أعرف بالإمرة من أبي بكر و عمر و أبي عبيدة و سعد بن أبي وقاص و غيرهم. و منها قول قاضي القضاة إن السبب في كون عمر في الجيش أنه أنكر على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة تسخطه إمرة أسامة و قال أنا أخرج في جيش أسامة فخرج من تلقاء نفسه تعظيما لأمر رسول الله ص و قد اعترضه المرتضى فقال هذا شي ء لم نسمعه من راو و لا قرأناه في كتاب و صدق المرتضىفيما قال فإن هذا حديث غريب لا يعرف. و أما قول عمر دعني أضرب عنقه فقد نافق فمنقول مشهور لا محالة و إنما الغريب الذي لم يعرف كون عمر خرج من تلقاء نفسه في الجيش مراغمة لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة حيث أنكر ما أنكر و لعل قاضي القضاة سمعه من راو أو نقله من كتاب إلا أنا نحن ما وقفنا على ذلك
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 195الطعن الخامسقالوا إنه ص لم يول أبا بكر الأعمال و ولى غيره و لما ولاه الحج بالناس و قراءة سورة براءة على الناس عزله عن ذلك كله و جعل الأمر إلى أمير المؤمنين ع و
قال لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني(18/175)
حتى يرجع أبو بكر إلى النبي ص. أجاب قاضي القضاة فقال لو سلمنا أنه لم يوله لما دل ذلك على نقص و لا على أنه لم يصلح للإمارة و الإمامة بل لو قيل إنه لم يوله لحاجته إليه بحضرته و إن ذلك رفعة له لكان أقرب لا سيما و قد روي عنه ما يدل على أنهما وزيراه و أنه كان ص محتاجا إليهما و إلى رأيهما فلذلك لم يولهما و لو كان للعمل على تركه فضل لكان عمرو بن العاص و خالد بن الوليد و غيرهما أفضل من أكابر الصحابة لأنه ع ولاهما و قدمهما و قد قدمنا أن توليته هي بحسب الصلاح و قد يولى المفضول على الفاضل تارة و الفاضل أخرى و ربما ولى الواحد لاستغنائه عنه بحضرته و ربما ولاه لاتصال بينه و بين من يولى عليه إلى غير ذلك ثم ادعى أنه ولى أبا بكر على الموسم و الحج قد ثبتت بلا خلاف بين أهل الأخبار و لم يصح أنه عزله و لا يدل رجوع أبي بكر إلى النبي ص مستفهما عن القصة على العزل ثم جعل إنكار من أنكر حج أبي بكر في تلك السنة بالناس كإنكار عباد و طبقته أخذ أمير المؤمنين ع سورة براءة من أبي بكر و حكي عن أبي علي أن المعنى كان في أخذ السورة من أبي بكر أن من عادة العرب أن سيدا من سادات قبائلهم إذا عقد عقد القوم فإن ذلك العقد لا ينحل إلا أن يحله هو أو بعض سادات قومه فلما كان هذا عادتهم و أراد النبي ص أن ينبذ إليهم عقدهم و ينقض ما كان بينه و بينهم علم شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 196أنه لا ينحل ذلك إلا به أو بسيد من سادات رهطه فعدل عن أبي بكر إلى أمير المؤمنين المقرب في النسب ثم ادعى أنه ص ولى أبا بكر في مرضهلصلاة و ذلك أشرف الولايات و قال في ذلك يأبى الله و رسوله و المسلمون إلا أبا بكر. ثم اعترض نفسه بصلاته ع خلف عبد الرحمن بن عوف و أجاب بأنه ص إنما صلى خلفه لا أنه ولاه الصلاة و قدمه فيها قال و إنما قدم عبد الرحمن عند غيبة النبي ص فصلى بغير أمره و قد ضاق الوقت فجاء النبي ص فصلى خلفه. اعترض المرتضى فقال قد بينا أن تركه ص(18/176)
الولاية لبعض أصحابه مع حضوره و إمكان ولايته و العدول عنه إلى غيره مع تطاول الزمان و امتداده لا بد من أن تقتضي غلبة الظن بأنه لا يصلح للولاية فأما ادعاؤه أنه لم يوله لافتقاره إليه بحضرته و حاجته إلى تدبيره و رأيه فقد بينا أنه ع ما كان يفتقر إلى رأي أحد لكماله و رجحانه على كل أحد و إنما كان يشاور أصحابه على سبيل التعليم لهم و التأديب أو لغير ذلك مما قد ذكر و بعد فكيف استمرت هذه الحاجة و اتصلت منه إليهما حتى لم يستغن في زمان من الأزمان عن حضورهما فيوليهما و هل هذا إلا قدح في رأي رسول الله ص و نسبته إلى أنه كان ممن يحتاج إلى أن يلقن و يوقف على كل شي ء و قد نزهه الله تعالى عن ذلك فأما ادعاؤه أن الرواية قد وردت بأنهما وزيراه فقد كان يجب أن يصحح ذلك قبل أن يعتمده و يحتج به فإنا ندفعه عنه أشد دفع فأما واية عمرو بن العاص و خالد بن الوليد فقد تكلمنا عليها من قبل و بينا أن ولايتهما تدل على صلاحهما لما ولياه و لا تدل على صلاحهما للإمامة لأن شرائط الإمامة لم تتكامل فيهما و بينا أيضا لأن ولاية المفضول على الفاضل لا تجوز فأما تعظيمه(18/177)