شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 182بعض المواضع و لم يكن قد فهمه على الحقيقة فيختصر ما في نفسه لا ما في تصنيف ذلك الشخص و أما من يورد كلام الناس بنصه فقد استراح من هذه التبعة و عرض عقل غيره و عقل نفسه على الناظرين و السامعين. ثم نقول إن هذا الفصل ينقسم أقسامانها قول قاضي القضاة لا نسلم أن أبا بكر كان في جيش أسامة. و أما قول المرتضى إنه قد ذكره أرباب السير و التواريخ و قوله إن البلاذري ذكره في تاريخه و قوله هلا عين قاضي القضاة الكتاب الذي ذكر أنه يتضمن عدم كون أبي بكر في ذلك الجيش فإن الأمر عندي في هذا الموضع مشتبه و التواريخ مختلفة في هذه القضية فمنهم من يقول إن أبا بكر كان في جملة الجيش و منهم من يقول إنه لم يكن و ما أشار إليه قاضي القضاة بقوله في كتب المغازي لا ينتهي إلى أمر صحيح و لم يكن ممن يستحل القول بالباطل في دينه و لا في رئاسته ذكر الواقدي في كتاب المغازي أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة و إنما كان عمر و أبو عبيدة و سعد بن أبي وقاص و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و قتادة بن النعمان و سلمة بن أسلم و رجال كثير من المهاجرين و الأنصار قال و كان المنكر لإمارة أسامة عياش بن أبي ربيعة و غير الواقدي يقول عبد الله بن عياش و قد قيل عبد الله بن أبي ربيعة أخو عياش. و قال الواقدي و جاء عمر بن الخطاب فودع رسول الله ص ليسير مع أسامة و قال و جاء أبو بكر فقال يا رسول الله أصبحت مفيقا بحمد الله و اليوم يوم ابنة خارجة فأذن لي فأذن له فذهب إلى منزله بالسنح و سار أسامة في العسكر و هذا تصريح بأن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 183و ذكر موسى بن عقبة في كتاب المغازي أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة و كثير من المحدثين يقولون بل كان في جيشه. فأما أبو جعفر محمد بن جرير الطبري فلم يذكر أنه كان في جيش أسامة إلا عمو قال أبو جعفر حدثني السدي بإسناد ذكره أن رسول الله ص ضرب قبل وفاته(18/163)


بعثا على أهل المدينة و من حولهم و فيهم عمر بن الخطاب و أمر عليهم أسامة بن زيد فلم يجاوز آخرهم الخندق حتى قبض رسول الله ص فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر ارجع إلى خليفة رسول الله ص فاستأذنه يأذن لي أرجع بالناس فإن معي وجوه الصحابة و لا آمن على خليفة رسول الله ص و ثقل رسول الله ص و أثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون حول المدينة و قالت الأنصار لعمر سرا فإن أبى إلا أن يمضي فأبلغه عنا و اطلب إليه أن يولي أمرنا رجلا أقدم سنا من أسامة فخرج عمر بأمر أسامة فأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة فقال أبو بكر لو تخطفتني الكلاب و الذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله ص قال فإن الأنصار أمروني أن أبلغك أنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة فوثب أبو بكر و كان جالسا فأخذ بلحية عمر و قال ثكلتك أمك يا ابن الخطاب أ يستعمله رسول الله ص و تأمرني أن أنزعه فخرج عمر إلى الناس فقالوا له ما صنعت فقال امضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت في سبيلكم اليوم من خليفة رسول الله ص ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم و شيعهم و هو ماش و أسامة راكب و عبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر فقال له أسامة بن زيد يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن فقال و الله لا تنزل و لا أركب و ما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 184فإن للغازي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة تكتب له و سبعمائة درجة ترفع له و سبعمائة خطيئة تمحى ع حتى إذا انتهى قال لأسامة إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل فأذن له ثم(18/164)


قال أيها الناس قفوا حتى أوصيكم بعشر فاحفظوها عني لا تخونوا و لا تغدروا و لا تغلوا و لا تمثلوا و لا تقتلوا طفلا صغيرا و لا شيخا كبيرا و لا امرأة و لا تعقروا نخلا و لا تحرقوه و لا تقطعوا شجرة مثمرة و لا تذبحوا شاة و لا بعيرا و لا بقرة إلا لمأكلة و سوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم للعبادة في الصوامع فدعوهم فيما فرغوا أنفسهم له و سوف تقدمون على أقوام يأتونكم بصحاف فيها ألوان الطعام فلا تأكلوا من شي ء حتى تذكروا اسم الله عليه و سوف تلقون أقواما قد حصوا أوساط رءوسهم و تركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيوف خفا أفناهم الله بالطعن و الطاعون سيروا على اسم الله(18/165)


و أما قول الشيخ أبي علي فإنه يدل على أنه لم يكن في جيش أسامة أمره إياه بالصلاة و قول المرتضى هذا اعتراف بأن الأمر بتنفيذ الجيش كان في الحال دون ما بعد الوفاة و هذا ينقض ما بنى عليه قاضي القضاة أمره فلقائل أن يقول إنه لا ينقض ما بناه لأن قاضي القضاة ما قال إن الأمر بتنفيذ الجيش ما كان إلا بعد الوفاة بل قال إنه أمر و الأمر على التراخي فلو نفذ الجيش في الحال لجاز و لو تأخر إلى بعد الوفاة لجاز. فأما إنكار المرتضى أن تكون صلاة أبي بكر بالناس كانت عن أمر رسول الله ص فقد ذكرنا ما عندنا في هذا فيما تقدم. و أما قوله يجوز أن يكون أمر بصلاة واحدة أو صلاتين ثم أمره بالنفوذ بعد شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 185ذلك فهذا لعمري جائز و قد يمكن أن يقال إنه لما خرج متحاملا من شدة المرض فتأخر أبو بكر عن مقامه و صلى رسول الله ص بالناس أمره بالنفوذ مع الجيش و أسكت رسول الله ص في أاء ذلك اليوم و استمر أبو بكر على الصلاة بالناس إلى أن توفي ع فقد جاء في الحديث أنه أسكت و أن أسامة دخل عليه فلم يستطع كلامه لكنه كان يرفع يديه و يضعهما عليه كالداعي له و يمكن أن يكون زمان هذه السكتة قد امتد يوما أو يومين و هذا الموضع من المواضع المشتبهة عندي و منها قول قاضي القضاة إن الأمر على التراخي فلا يلزم من تأخر أبي بكر عن النفوذ أن يكون عاصيا. فأما قول المرتضى الأمر على الفور إما لغة عند من قال به أو شرعا لإجماع الكل على أن الأوامر الشرعية على الفور إلا ما خرج بالدليل فالظاهر في هذا الموضع صحة ما قاله المرتضى لأن قرائن الأحوال عند من يقرأ السير و يعرف التواريخ تدل على أن الرسول ص كان يحثهم على الخروج و المسير و هذا هو الفور. و أما قول المرتضى و قول أسامة لم أكن لأسأل عنك الركب فهو أوضح دليل على أنه عقل من الأمر الفور لأن سؤال الركب عنه بعد الوفاة لا معنى له فلقائل أن يقول إن ذلك لا يدل على الفور بل يدل على أنه(18/166)


مأمور في الجملة بالنفوذ و المسير فإن التعجيل و التأخير مفوضان إلى رأيه فلما قال له النبي ص لم تأخرت عن المسير قال لم أكن لأسير و أسأل عنك الركب إني انتظرت عافيتك فإني إذا سرت و أنت على هذه الحال لم يكن لي قلب للجهاد بل أكون قلقا شديد الجزع أسأل شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 186عنك الركبان و هذا الكلام لا يدل على أنه عقل من الأمر الفور لا محالة بل هو على أن يدل على التراخي أظهر و قول النبي ص لم تأخرت عن المسير لا يدل على الفور لأنه قد يقال مثل ذلك ل يؤمر بالشي ء على جهة التراخي إذا لم يكن سؤال إنكار. و قول المرتضى لأن سؤال الركب عنه بعد الوفاة لا معنى له قول من قد توهم على قاضي القضاة أنه يقول إن النبي ص ما أمرهم بالنفوذ إلا بعد وفاته و لم يقل قاضي القضاة ذلك و إنما ادعى أن الأمر على التراخي لا غير كيف يظن بقاضي القضاة أنه حمل كلام أسامة على سؤال الركب بعد الموت و هل كان أسامة يعلم الغيب فيقول ذاك و هل سأل أحد عن حال أحد من المرضى بعد موته. فأما قول المرتضى عقيب هذا الكلام لا معنى لقول قاضي القضاة إنه لم ينكر على أسامة تأخره فإن الإنكار قد وقع بتكرار الأمر حالا بعد حال فلقائل أن يقول إن قاضي القضاة لم يجعل عدم الإنكار على أسامة حجة على كون الأمر على التراخي و إنما جعل ذلك دليلا على أن الأمر كان مشروطا بالمصلحة و من تأمل كلام قاضي القضاة الذي حكاه عنه المرتضى تحقق ذلك فلا يجوز للمرتضى أن ينتزعه من الوضع الذي أورده فيه فيجعله في موضع آخر. و منها قول قاضي القضاة الأمر بتنفيذ الجيش يجب أن يكون متوجها إلى الخليفة بعده و المخاطب لا يدخل تحت الخطاب و اعتراض المرتضى عليه بأن لفظة الجيش يدخل تحتها أبو بكر فلا بد من وجوب النفوذ عليه لأن عدم نفوذه يسلب الجماعة اسم الجيش فليس بجيد لأن لفظة الجيش لفظة موضوعة لجماعة من الناس قد أعدت للحرب فإذا خرج منها واحد أو اثنان لم يزل مسمى الجيش عن(18/167)

26 / 150
ع
En
A+
A-