ثم ذكر أن ولاية أسامة عليهما لا تقتضي فضله و أنهما دونه و ذكر ولاية عمرو بن العاص عليهما و إن لم يكونا دونه في الفضل و أن أحدا لم يفضل أسامة عليهما ثم ذكر أن السبب في كون عمر من جملة جيش أسامة أن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قال عند ولاية أسامة تولى علينا شاب حدث و نحن مشيخة قريش فقال عمر يا رسول الله مرني حتى أضرب عنقه فقد طعن في تأميرك إياه ثم قال أنا أخرج في جيش أسامة تواضعا و تعظيما لأمره ع. اعترض المرتضى هذه الأجوبة فقال أما كون أبي بكر في جملة جيش أسامة فظاهر قد ذكره أصحاب السير و التواريخ و قد روى البلاذري في تاريخه و هو معروف بالثقة و الضبط و بري ء من ممالاة الشيعة و مقاربتها أن أبا بكر و عمر معا كانا في جيش أسامة و الإنكار لما يجري هذا المجرى لا يغني شيئا و قد كان يجب على من أحال بذلك على كتب المغازي في الجملة أن يومئ إلى الكتاب المتضمن لذلك بعين ليرجع إليه فأما خطابه ع بالتنفيذ للجيش فالمقصود به الفور دون التراخي إما من حيث مقتضى الأمر على مذهب من يرى ذلك لغة و إما شرعا من حيث وجدنا جميع الأمة من لدن الصحابة إلى هذا الوقت يحملون أوامره على الفور و يطلبون في تراخيها الأدلة ثم لو لم يثبت كل ذلك لكان قول أسامة لم أكن لأسأل عنك الركب أوضح دليل على أنه عقل من الأمر الفور لأن سؤال الركب عنه ع بعد وفاته لا معنى له. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 178و أما قول صاحب الكتاب إنه لم ينكر على أسامة تأخره فليس بشي ء و أي إنكار أبلغ من تكراره الأمر و ترداده القول حال يشغل عن المهم و يقطع الفكر إلا فيها و قد كرر الأمر على المأمور تارة بتكرار الأمر و أخرى بغيره و إذا سلمنا أن أمره ع كان متوجها إلى القائم بعده بالأمر لتنفيذ الجيش بعد الوفاة لم يلزم ما ذكره من خروج المخاطب بالتنفيذ عن الجملة و كيف يصح ذلك و هو من جملة الجيش و الأمر متضمن تنفيذ الجيش فلا بد من نفوذ كل من كان في جملته(18/158)
لأن تأخر بعضهم يسلب النافذين اسم الجيش على الإطلاق أ و ليس من مذهب صاحب الكتاب أن الأمر بالشي ء أمر بما لا يتم إلا معه و قد اعتمد على هذا في مواضع كثيرة فإن كان خروج الجيش و نفوذه لا يتم إل بخروج أبي بكر فالأمر بخروج الجيش أمر لأبي بكر بالنفوذ و الخروج و كذلك لو أقبل عليه على سبيل التخصيص و
قال نفذوا جيش أسامة و كان هو من جملة الجيش فلا بد أن يكون ذلك أمرا له بالخروج و استدلاله على أنه لم يكن هناك إمام منصوص عليه بعموم الأمر بالتنفيذ ليس بصحيح لأنا قد بينا أن الخطاب إنما توجه إلى الحاضرين و لم يتوجه إلى الإمام بعده على أن هذا لازم له لأن الإمام بعده لا يكون إلا واحدا فلم عمم الخطاب و لم يفرد به الواحد فيقول لينفذ القائم من بعدي بالأمر جيش أسامة فإن الحال لا يختلف في كون الإمام بعده واحدا بين أن يكون منصوصا عليه أو مختارا. و أما ما ادعاه أن الشرط في أمره ع لهم بالنفوذ فباطل لأن إطلاق الأمر يمنع من إثبات الشرط و إنما يثبت من الشروط ما يقتضي الدليل إثباته من التمكن و القدرة لأن ذلك شرط ثابت في كل أمر ورد من حكيم و المصلحة بخلاف ذلك لأن الحكيم لا يأمر بشرط المصلحة بل إطلاق الأمر منه يقتضي ثبوت المصلحة و انتفاء المفسدة و ليس كذلك التمكن و ما يجري مجراه و لهذا لا يشترط شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 179أحد في أوامر الله تعالى و رسوله ص بالشرائع المصلحة و انتفاء المفسدة و شرطوا في ذلك التمكن و رفع التعذر و لو كان الإمام منصوصا عليه بعينه و اسمه لما جاز أن يسترد جيش أسامة بخلاف ما ظنه و لا يعزل من ولاه ع لا يولي من عزله للعلة التي ذكرناها. فأما استدلال أبي علي على أن أبا بكر لم يكن في الجيش بحديث الصلاة فأول ما فيه أنه اعتراف بأن الأمر بتنفيذ الجيش كان في الحياة دون بعد الوفاة و هذا ناقض لما بنى صاحب الكتاب عليه أمره ع. ثم إنا قد بينا أنه ع لم يوله الصلاة و ذكرنا ما في ذلك ثم ما(18/159)
المانع من أن يوليه تلك الصلاة إن كان ولاه إياها ثم يأمره بالنفوذ من بعد مع الجيش فإن الأمر بالصلاة في تلك الحال لا يقتضي أمره بها على التأبيد. و أما ادعاؤه أن النبي ص يأمر بالحروب و ما يتصل بها عن اجتهاد دون الوحي فمعاذ الله أن يكون صحيحا لأن حروبه ع لم تكن مما يختص بمصالح أمور الدنيا بل للدين فيها أقوى تعلق لما يعود على الإسلام و أهله بفتوحه من العز و القوة و علو الكلمة و ليس يجري ذلك مجرى أكله و شربه و نومه لأن ذلك لا تعلق له بالدين فيجوز أن يكون عن رأيه و لو جاز أن تكون مغازيه و بعوثه مع التعلق القوي لها بالدين عن اجتهاد لجاز ذلك في الأحكام. ثم لو كان ذلك عن اجتهاد لما ساغت مخالفته فيه بعد وفاته كما لا تسوغ في حياته فكل علة تمنع من أحد الأمرين هي مانعة من الآخر فأما الاعتذار له عن حبس عمر عن الجيش بما ذكره فباطل لأنا قد قلنا إن ما يأمر به ع لا يسوغ مخالفته مع الإمكان و لا مراعاة لما عساه يعرض فيه من رأي غيره و أي حاجة إلى عمر بعد تمام العقد و استقراره و رضا الأمة به على طريق المخالف و إجماعها عليه و لم يكن(18/160)
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 180هناك فتنة و لا تنازع و لا اختلاف يحتاج فيه إلى مشاورته و تدبيره و كل هذا تعلل باطل. فأما محاربة أمير المؤمنين ع معاوية فإنما كان مأمورا بها مع التمكن و وجود الأنصار و قد فعل ع من ذلك ما وجب عليه لما تمكن منه فأما مع التعذر فقد الأنصار فما كان مأمورا بها و ليس كذلك القول في جيش أسامة لأن تأخر من تأخر عنه كان مع القدرة و التمكن فأما تولية أبي موسى فلا ندري كيف يشبه ما نحن فيه لأنه إنما ولاه بأن يرجع إلى كتاب الله تعالى فيحكم فيه و في خصمه بما يقتضيه و أبو موسى فعل خلاف ما جعل إليه فلم يكن ممتثلا لأمر من ولاه و كذلك خالد بن الوليد إنما خالف ما أمره به الرسول ص فتبرأ من فعله و كل هذا لا يشبه أمره ع بتنفيذ جيش أسامة أمرا مطلقا و تأكيده ذلك و تكراره له فأما جيش أسامة فإنه لم يضم من يصلح للإمامة فيجوز تأخرهم ليختار أحدهم على ما ظنه صاحب الكتاب على أن ذلك لو صح أيضا لم يكن عذرا في التأخر لأن من خرج في الجيش يمكن أن يختار و إن كان بعيدا و لا يمنع بعده من صحة الاختيار و قد صرح صاحب الكتاب بذلك ثم لو صح هذا العذر لكان عذرا في التأخر قبل العقد فأما بعد إبرامه فلا عذر فيه و المعاضدة التي ادعاها قد بينا ما فيها. فأما ادعاء صاحب الكتاب رادا على من جعل إخراج القوم في الجيش ليتم أمر النص أن من أبعدهم لا يمنع أن يختاروا للإمامة فيدل على أنه لم يتبين معنى هذا الطعن على حقيقته لأن الطاعن به لا يقول إنه أبعدهم لئلا يختاروا للإمامة و إنما يقول إنه أبعدهم حتى ينتصب بعده في الأرض من نص عليه و لا يكون هناك من ينازعه و يخالفه شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 181و أما قوله لم يكن قاطعا علي موته فلا يضر تسليمه أ ليس كان مشفقا و خائفا و على الخائف أن يتحرز ممن يخاف منه فأما قوله فإنه لم يرد نفذوا الجيش في حياتيقد بينا ما فيه فأما ولاية أسامة على من ولي عليه فلا بد من اقتضائها(18/161)
لفضله على الجماعة فيما كان واليا فيه و قد دللنا فيما تقدم من الكتاب على أن ولاية المفضول على الفاضل فيما كان أفضل منه فيه قبيحة فكذلك القول في ولاية عمرو بن العاص عليها فيما تقدم و القول في الأمرين واحد. و قوله إن أحدا لم يدع فضل أسامة على أبي بكر و عمر فليس الأمر علي ما ظنه لأن من ذهب إلى فساد إمامة المفضول لا بد من أن يفضل أسامة عليهما فيما كان واليا فيه فأما ادعاؤه ما ذكره من السبب في دخول عمر في الجيش فما نعرفه و لا وقفنا عليه إلا من كتابه ثم لو صح لم يغن شيئا لأن عمر لو كان أفضل من أسامة لمنعه الرسول ص من الدخول في إمارته و المسير تحت لوائه و التواضع لا يقتضي فعل القبيح. قلت إن الكلام في هذا الفصل قد تشعب شعبا كثيرة و المرتضى رحمه الله لا يورد كلام قاضي القضاة بنصه و إنما يختصره و يورده مبتورا و يومئ إلى المعاني إيماء لطيفا و غرضه الإيجاز و لو أورد كلام قاضي القضاة بنصه لكان أليق و كان أبعد عن الظنة و أدفع لقول قائل من خصومه إنه يحرف كلام قاضي القضاة و يذكر على غير وجه أ لا ترى أن من نصب نفسه لاختصار كلام فقد ضمن على نفسه أنه قد فهم معاني ذلك الكلام حتى يصح منه اختصاره و من الجائز أن يظن أنه قد فهم(18/162)