الباء و فتح الراء و بها جمع من هوازن فخرج و معه دليل من بني هلال و كانوا يسيرون الليل و يكمنون النهار و أتى الخبر هوازن فهربوا و جاء عمر محالهم فلم يلق منهم أحدا فانصرف إلى المدينة. ثم يعارض المرتضى بما ذكره قاضي القضاة من ترك تولية علي ابنه الحسين ع و قوله في العذر عن ذلك إن عليا ع كان ممنوا بحرب البغاة و الخوارج لا يدفع المعارضة لأن تلك الأيام التي هي أيام حروبه مع هؤلاء هي الأيام التي كان ينبغي أن يولي الحسين ع بعض الأمور فيها كاستعماله على جيش ينفذه سرية إلى بعض الجهات و استعماله على الكوفة بعد خروجه منها إلى حرب صفين أو استعماله على القضاء
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 173و ليس اشتغاله بالحرب بمانع له عن ولاية ولده و قد كان مشتغلا بالحرب و هو يولي بني عمه العباس الولايات و البلاد الجليلة فأما قوله على أنه قد نص عليه بالإمامة بعد أخيه الحسن فهذا يغني عن توليته شيئا من الأعمال فلقائل أن يمنع مذكره من حديث النص فإنه أمر تنفرد به الشيعة و أكثر أرباب السير و التواريخ لا يذكرون أن أمير المؤمنين ع نص على أحد ثم إن ساغ له ذلك ساغ لقاضي القضاة أن يقول إن
قول النبي ص اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر(18/153)
يغني عن تولية عمر شيئا من الولايات لأن هذا القول آكد من الولاية في ترشحه للخلافة. فأما قوله على أنه لا خلاف بين المسلمين في صلاحية الحسين للخلافة و إن لم يوله أبوه الولايات و في عمر خلاف ظاهر بين المسلمين فلقائل أن يقول له إجماع المسلمين على صلاحية الحسين للخلافة لا يدفع المعارضة بل يؤكدها لأنه إذا كان المسلمون قد أجمعوا على صلاحيته للخلافة و لم يكن ترك تولية أبيه إياه الولايات قادحا في صلاحيته لها بعده جاز أيضا أن يكون ترك تولية رسول الله ص عمر الولايات في حياته غير قادح في صلاحيته للخلافة بعده. ثم ما ذكره من تقصير عمر في الخلافة بطريق اختلاف أحكامه و رجوعه إلى فتاوى العلماء فقد ذكرنا ذلك فيما تقدم لما تكلمنا في مطاعن الشيعة على عمر و أجبنا عنه. و أما قوله لا يغني حسن التدبير و السياسة و رم الأمور مر القصور في الفقه فأصحابنا يذهبون إلى أنه إذا تساوى اثنان في خصال الإمامة إلا أنه كان أحدهما أعلم و الآخر شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 174أسوس فإن الأسوس أولى بالإمامة لأن حاجة الإمامة إلى السياسة و حسن التدبير آكد من حاجتها إلى العلم و الفقه. و أما الخبر المروي في عمر و هو قوله و إن تولوها عمر فيجوز ألا يكون أبو ر سمعه من رسول الله ص و يكون الراوي له غيره و يجوز أن يكون سمعه و شذ عنه أن يحتج به على طلحة لما أنكر استخلاف عمر و يجوز ألا يكون شذ عنه و ترك الاحتجاج به استغناء عنه لعلمه أن طلحة لا يعتد بقوله عند الناس إذا عارض قوله و لعله كنى عن هذا النص بقوله إذا سألني ربي قلت له استخلفت عليهم خير أهلك على أنا متى فتحنا باب هلا احتج فلان بكذا جر علينا ما لا قبل لنا به و قيل هلا احتج علي ع على طلحة و عائشة و الزبير
بقول رسول الله ص من كنت مولاه فهذا علي مولاه
و هلا احتج عليهم بقوله أنت مني بمنزله هارون من موسى(18/154)
و لا يمكن الشيعة أن يعتذروا هاهنا بالتقية لأن السيوف كانت قد سلت من الفريقين و لم يكن مقام تقية. و أما قوله هذا الخبر لو صح لاقتضى أن يكون عمر أفضل من أبي بكر و هو خلاف إجماع المسلمين فلقائل أن يقول لم قلت إن المسلمين أجمعوا على أن أبا بكر أفضل من عمر مع أن كتب الكلام و التصانيف المصنفة في المقالات مشحونة بذكر الفرقة العمرية و هم القائلون إن عمر أفضل من أبي بكر و هي طائفة عظيمة من المسلمين يقال إن عبد الله بن مسعود منهم و قد رأيت أن جماعة من الفقهاء يذهبون إلى هذا و يناظرون عليه على أنه لا يدل الخبر على ما ذكره المرتضى لأنه و إن كان عمر أفضل منه باعتبار قوة البدن فلا يدل على أنه أفضل منه مطلقا فمن الجائز أن يكون بإزاء هذه الخصلة خصال كثيرة في أبي بكر من خصال الخير يفضل بها على عمر شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 175أ لا ترى أنا نقول أبو دجانة أفضل من أبي بكر بجده بالسيف في مقام الحرب و لا يلزم من ذلك أن يكون أفضل منه مطلقا لأن في أبي بكر من خصال الفضل ما إذا قيس بهذه الخصلة أربى عليها أضعافا مضاعفة
الطعن الرابع(18/155)
قالوا إن أبا بكر كان في جيش أسامة و إن رسول الله ص كرر حين موته الأمر بتنفيذ جيش أسامة فتأخره يقتضي مخالفة الرسول ص فإن قلتم إنه لم يكن في الجيش قيل لكم لا شك أن عمر بن الخطاب كان في الجيش و أنه حبسه و منعه من النفوذ مع القوم و هذا كالأول في أنه معصية و ربما قالوا إنه ص جعل هؤلاء القوم في جيش أسامة ليبعدوا بعد وفاته عن المدينة فلا يقع منهم توثب على الإمامة و لذلك لم يجعل أمير المؤمنين ع في ذلك الجيش و جعل فيه أبا بكر و عمر و عثمان و غيرهم و ذلك من أوكد الدلالة على أنه لم يرد أن يختاروا للإمامة. أجاب قاضي القضاة بأن أنكر أولا أن يكون أبو بكر في جيش أسامة و أحال على كتب المغازي ثم سلم ذلك و قال إن الأمر لا يقتضي الفور فلا يلزم من تأخر أبي بكر عن النفوذ أن يكون عاصيا ثم قال إن خطابه ص بتنفيذ الجيش يجب أن يكون متوجها إلى القائم بعده لأنه من خطاب الأئمة و هذا يقتضي ألا يدخل المخاطب بالتنفيذ في الجملة ثم قال و هذا يدل على أنه لم يكن هناك إمام منصوص عليه لأنه لو كان لأقبل بالخطاب عليه و خصه بالأمر بالتنفيذ دون الجميع شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 176ثم ذكر أن أمر رسول الله ص لا بد أن يكون مشروطا بالمصلحة و بأن لا يعرما هو أهم منه لأنه لا يجوز أن يأمرهم بالنفوذ و إن أعقب ضررا في الدين ثم قوى ذلك بأنه لم ينكر على أسامة تأخره و قوله لم أكن لأسأل عنك الركب ثم قال لو كان الإمام منصوصا عليه لجاز أن يسترد جيش أسامة أو بعضه لنصرته و كذلك إذا كان بالاختيار ثم حكى عن الشيخ أبي علي استدلاله على أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة بأنه ولاه الصلاة في مرضه مع تكريره أمر الجيش بالنفوذ و الخروج. ثم ذكر أن الرسول ص إنما يأمر بما يتعلق بمصالح الدنيا من الحروب و نحوها عن اجتهاده و ليس بواجب أن يكون ذلك عن وحي كما يجب في الأحكام الشرعية و أن اجتهاده يجوز أن يخالف بعد وفاته و إن لم يجز في حياته لأن اجتهاده(18/156)
في الحياة أولى من اجتهاد غيره ثم ذكر أن العلة في احتباس عمر عن الجيش حاجة أبي بكر إليه و قيامه بما لا يقوم به غيره و أن ذلك أحوط للدين من نفوذه. ثم ذكر أن أمير المؤمنين ع حارب معاوية بأمر الله تعالى و أمر رسوله و مع هذا فقد ترك محاربته في بعض الأوقات و لم يجب بذلك ألا يكون متمثلا للأمر و ذكر توليته ع أبا موسى و تولية الرسول ص خالد بن الوليد مع ما جرى منهما و أن ذلك يقتضي الشرط. ثم ذكر أن من يصلح للإمامة ممن ضمه جيش أسامة يجب تأخيره ليختار للإمامة أحدهم فإن ذلك أهم من نفوذهم فإذا جاز لهذه العلة التأخير قبل العقد جاز التأخير بعده للمعاضدة و غيرها و طعن في قول من جعل أن إخراجهم في الجيش على جهة الإبعاد لهم عن المدينة بأن قال إن بعدهم عن المدينة لا يمنع من أن يختاروا للإمامة شرح نهج البلاغة ج : 1ص : 177و لأنه ع لم يكن قاطعا على موته لا محالة لأنه لم يرد
نفذوا جيش أسامة في حياتي(18/157)