شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 168فأما قول قاضي القضاة لعله أراد حقا للأنصار غير الإمامة نفسها فليس بجيد و الذي اعترضه به المرتضى جيد فإن الكلام لا يدل إلا على الإمامة نفسها و لفظة المنازعة تؤكد ذلك. و أما حديث الهجوم على بيت فاطمة ع فقد تقدم الكلام فيه و ااهر عندي صحة ما يرويه المرتضى و الشيعة و لكن لا كل ما يزعمونه بل كان بعض ذلك و حق لأبي بكر أن يندم و يتأسف على ذلك و هذا يدل على قوة دينه و خوفه من الله تعالى فهو بأن يكون منقبة له أولى من كونه طعنا عليه. فأما قول قاضي القضاة إن من اشتد التكليف عليه فقد يتمنى خلافه و اعتراض المرتضى عليه فكلام قاضي القضاة أصح و أصوب لأن أبا بكر و إن كانت ولايته مصلحة و ولاية غير مفسدة فإنه ما يتمنى أن يكون الإمام غيره مع استلزام ذلك للمفسدة بل تمنى أن يلي الأمر غيره و تكون المصلحة بحالها أ لا ترى أن خصال الكفارة في اليمين كل واحدة منها مصلحة و ما عداها لا يقوم مقامها في المصلحة و أحدها يقوم مقام الأخرى في المصلحة فأبو بكر تمنى أن يلي الأمر عمر أو أبو عبيدة بشرط أن تكون المصلحة الدينية التي تحصل من بيعته حاصلة من بيعة كل واحد من الآخرين
الطعن الثالث(18/148)


قالوا إنه ولي عمر الخلافة و لم يوله رسول الله ص شيئا شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 169من أعماله البتة إلا ما ولاه يوم خيبر فرجع منهزما و ولاه الصدقة فلما شكاه العباس عزله. أجاب قاضي القضاة بأن تركه ع أن يوليه لا يدل على أنه لا يصلح لذلك و توليته إياه لا يدللى صلاحيته للإمامة فإنه ص قد ولى خالد بن الوليد و عمرو بن العاص و لم يدل ذلك على صلاحيتهما للإمامة و كذلك تركه أن يولي لا يدل على أنه غير صالح بل المعتبر بالصفات التي تصلح للإمامة فإذا كملت صلح لذلك ولي من قبل أو لم يول و قد ثبت أن النبي ص ترك أن يولي أمير المؤمنين ع أمورا كثيرة و لم يجب إلا من يصلح لها و ثبت أن أمير المؤمنين ع لم يول الحسين ع ابنه و لم يمنع ذلك من أن يصلح للإمامة و حكي عن أبي علي أن ذلك إنما كان يصح أن يتعلق به لو ظفروا بتقصير من عمر فيما تولاه فأما و أحواله معروفة في قيامه بالأمر حين يعجز غيره فكيف يصح ما قالوه و بعد فهلا دل ما روي من قوله و إن تولوا عمر تجدوه قويا في أمر الله قويا في بدنه على جواز ذلك و إن ترك النبي ص توليته لأن هذا القول أقوى من الفعل. اعترض المرتضى رحمه الله فقال قد علمنا بالعادة أن من ترشح لكبار الأمور لا بد من أن يدرج إليها بصغارها لأن من يريد بعض الملوك تأهيله للأمر من بعده لا بد من أن ينبه عليه بكل قول و فعل يدل على ترشيحه لهذه المنزلة و يستكفيه من أمور ولاياته ما يعلم عنده أو يغلب على ظنه صلاحه لما يريده له و إن من يرى الملك مع حضوره و امتداد الزمان و تطاوله لا يستكفيه شيئا من الولايات و متى ولاه عزله و إنما يولي غيره و يستكفي سواه لا بد أن يغلب في الظن أنه ليس بأهل للولاية و إن جوزنا أنه لم يوله لأسباب كثيرة سوى أنه لا يصلح للولاية إلا أن مع هذا التجويز لا بد أن شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 170يغلب على الظن بما ذكرن فأما خالد و عمرو فإنما لم يصلحا للإمامة لفقد شروط الإمامة فيهما و(18/149)


إن كانا يصلحان لما ولياه من الإمارة فترك الولاية مع امتداد الزمان و تطاول الأيام و جميع الشروط التي ذكرناها تقتضي غلبه الظن لفقد الصلاح و الولاية لشي ء لا تدل على الصلاح لغيره إذا كانت الشائط في القيام بذلك الغير معلوما فقدها و قد نجد الملك يولي بعض أموره من لا يصلح للملك بعده لظهور فقد الشرائط فيه و لا يجوز أن يكون بحضرته من يرشحه للملك بعده ثم لا يوليه على تطاول الزمان شيئا من الولايات فبان الفرق بين الولاية و تركها فيما ذكرناه. فأما أمير المؤمنين ع و إن يتول جميع أمور النبي ص في حياته فقد تولى أكثرها و أعظمها و خلفه في المدينة و كان الأمير على الجيش المبعوث إلى خيبر و جرى الفتح على يديه بعد انهزام من انهزم منها و كان المؤدي عنه سورة براءة بعد عزل من عزل عنها و ارتجاعها منه إلى غير ذلك من عظيم الولايات و المقامات بما يطول شرحه و لو لم يكن إلا أنه لم يول عليه واليا قط لكفى. فأما اعتراضه بأن أمير المؤمنين ع لم يول الحسين فبعيد عن الصواب لأن أيام أمير المؤمنين ع لم تطل فيتمكن فيها من مراداته و كانت على قصرها منقسمة بين قتال الأعداء لأنه ع لما بويع لم يلبث أن خرج عليه أهل البصرة فاحتاج إلى قتالهم ثم انكفأ من قتالهم إلى قتال أهل الشام و تعقب ذلك قتال أهل النهروان و لم تستقر به الدار و لا امتد به الزمان و هذا بخلاف أيام النبي ص التي تطاولت و امتدت على أنه قد نص عليه بالإمامة بعد أخيه الحسن و إنما تطلب الولايات لغلبة الظن بالصلاح للإمامة. فإن كان هناك وجه يقتضي العلم بالصلاح لها كان أولى من طريق الظن على أنه(18/150)


شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 171لا خلاف بين المسلمين أن الحسين ع كان يصلح للإمامة و إن لم يوله أبوه الولايات و في مثل ذلك خلاف من حال عمر فافترق الأمران فأما قوله إنه لم يعثر على عمر بتقصير في الولاية فمن سلم بذلك أ و ليس يعلم أن مخالفته تعد تقصيرا كثيرا لو لم يكن إلا ما اتفق عليه من خطئه في الأحكام و رجوعه من قول إلى غيره و استفتائه الناس في الصغير و الكبير و قوله كل الناس أفقه من عمر لكان فيه كفاية و ليس كل النهوض بالإمامة يرجع إلى حسن التدبير و السياسة الدنياوية و رم الأعمال و الاستظهار في جباية الأموال و تمصير الأمصار و وضع الأعشار بل حظ الإمامة من العلم بالأحكام و الفتيا بالحلال و الحرام و الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه أقوى فمن قصر في هذا لم ينفعه أن يكون كاملا في ذلك. فأما قوله فهلا دل ما روي من
قوله ع فإن وليتم عمر وجدتموه قويا في أمر الله قويا في بدنه(18/151)


فهذا لو ثبت لدل و قد تقدم القول عليه و أقوى ما يبطله عدول أبي بكر عن ذكره و الاحتجاج به لما أراد النص على عمر فعوتب على ذلك و قيل له ما تقول لربك إذ وليت علينا فظا غليظا فلو كان صحيحا لكان يحتج به و يقول وليت عليكم من شهد النبي ص بأنه قوي في أمر الله قوي في بدنه و قد قيل في الطعن على صحة هذا الخبر إن ظاهره يقتضي تفضيل عمر على أبي بكر و الإجماع بخلاف ذلك لأن القوة في الجسم فضل قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ و بعد فكيف يعارض ما اعتمدناه من عدوله ع عن ولايته و هو أمر معلوم بهذا الخبر المردود المدفوع. قلت أما ما ادعاه من عادة الملوك فالأمر بخلافه فإنا قد وقفنا على سير الأكاسرة و ملوك الروم و غيرهم فما سمعنا أن أحدا منهم رشح ولده شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 172للملك بعده باستعماله على طرف من الأطراو لا جيش من الجيوش و إنما كانوا يثقفونهم بالآداب و الفروسية في مقار ملكهم لا غير و الحال في ملوك الإسلام كذلك فقد سمعنا بالدولة الأموية و رأينا الدولة العباسية فلم نعرف الدولة التي ادعاها المرتضى و إنما قد يقع في الأقل النادر شي ء مما أشار إليه و الأغلب اأكثر خلاف ذلك على أن أصحابنا لا يقولون إن عمر كان مرشحا للخلافة بعد رسول الله ص ليقال لهم فلو كان قد رشحه للخلافة بعده لاستكفاه كثيرا من أموره و إنما عمر مرشح عندهم في أيام أبي بكر للخلافة بعد أبي بكر و قد كان أبو بكر استعمله على القضاء مدة خلافته بل كان هو الخليفة في المعنى لأنه فوض إليه أكثر التدبير فعلى هذا يكون قد سلمنا أن ترك استعمال النبي ص لعمر يدل على أنه غير مرشح في نظره للخلافة بعده و كذلك نقول و لا يلزم من ذلك ألا يكون خليفة بعد أبي بكر على أنا لا نسلم أنه ما استعمله فقد ذكر الواقدي و ابن إسحاق أنه بعثه في سرية في سنة سبع من الهجرة إلى الوادي المعروف ببرمة بضم(18/152)

23 / 150
ع
En
A+
A-