شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 56138- و من كلام له ع وصى به شريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشاماتَّقِ اللَّهَ فِي كُلِّ مَسَاءٍ وَ صَبَاحٍ وَ خَفْ عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغَرُورَ وَ لَا تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ وَ اعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ مَكْرُوهِهِ سَمَتْ بِكَ الْأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضَّرَرِ فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً وَ لِنَزَوَاتِكَ عِنْدَ الْحَفِيظَةِ وَاقِماً قَامِعاً
شريح بن هانئ
هو شريح بن هانئ بن يزيد بن نهيك بن دريد بن سفيان بن الضباب و هو سلمة بن الحارث بن ربيعة بن الحارث بن كعب المذحجي كان هانئ يكنى في الجاهلية أبا الحكم لأنه كان يحكم بينهم فكناه رسول الله ص بأبي شريح إذ وفد عليه و ابنه شريح هذا من جلة أصحاب علي ع شهد معه المشاهد كلها و عاش حتى قتل بسجستان في زمن الحجاج و شريح جاهلي إسلامي يكنى أبا المقدام شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 139ذكر ذلك كله أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعابقوله ع و خف على نفسك الغرور يعني الشيطان فأما الغرور بالضم فمصدر و الرادع الكاف المانع و النزوات الوثبات و الحفيظة الغضب و الواقم فاعل من وقمته أي رددته أقبح الرد و قهرته يقول ع إن لم تردع نفسك عن كثير من شهواتك أفضت بك إلى كثير من الضرر و مثل هذا قول الشاعر
فإنك إن أعطيت بطنك سؤلها و فرجك نالا منتهى الذم أجمعا
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 57140- و من كتاب له ع إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرةأَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي خَرَجْتُ عَنْ حَيِّي هَذَا إِمَّا ظَالِماً وَ إِمَّا مَظْلُوماً وَ إِمَّا بَاغِياً وَ إِمَّا مَبْغِيّاً عَلَيْهِ وَ أَنَا أُذَكِّرُ اللَّهَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هَذَا لَمَّا نَفَرَ إِلَيَّ فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً أَعَانَنِي وَ إِنْ كُنْتُ مُسِيئاً اسْتَعْتَبَنِي(18/123)


ما أحسن هذا التقسيم و ما أبلغه في عطف القلوب عليه و استمالة النفوس إليه. قال لا يخلو حالي في خروجي من أحد أمرين إما أن أكون ظالما أو مظلوما و بدأ بالظالم هضما لنفسه و لئلا يقول عدوه بدأ بدعوى كونه مظلوما فأعطى عدوه من نفسه ما أراد. قال فلينفر المسلمون إلي فإن وجدوني مظلوما أعانوني و إن وجدوني ظالما نهوني عن ظلمي لأعتب و أنيب إلى الحق و هذا كلام حسن و مراده ع يحصل على كلا الوجهين لأنه إنما أراد أن يستنفرهم و هذان الوجهان يقتضيان نفيرهم إليه على كل حال و الحي المنزل و لما هاهنا بمعنى إلا كقوله تعالى إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ في قراءة من قرأها بالتشديد(18/124)


شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 58141- و من كتاب له ع كتبه إلى أهل الأمصار يقص فيه ما جرى بينه و بين أهل صفينوَ كَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا بِالْقَوْمِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَ الظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ وَ نَبِيَّنَا وَاحِدٌ وَ دَعْوَتَنَا فِي الْإِسْلَامِ وَاحِدَةٌ وَ لَا نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَ التَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ وَ لَا يَسْتَزِيدُونَنَا وَ الْأَمْرُ وَاحِدٌ إِلَّا مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَ نَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ فَقُلْنَا تَعَالَوْا نُدَاوِي مَا لَا يُدْرَكُ الْيَوْمَ بِإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ وَ تَسْكِينِ الْعَامَّةِ حَتَّى يَشْتَدَّ الْأَمْرُ وَ يَسْتَجْمِعَ فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ الْحَقِّ فِي مَوَاضِعِهِ فَقَالُوا بَلْ نُدَاوِيهِ بِالْمُكَابَرَةِ فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ الْحَرْبُ وَ رَكَدَتْ وَ وَقَدَتْ نِيرَانُهَا وَ حَمِشَتْ فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا وَ إِيَّاهُمْ وَ وَضَعَتْ مَخَالِبَهَا فِينَا وَ فِيهِمْ أَجَابُوا عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِ فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا وَ سَارَعْنَاهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا حَتَّى اسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ وَ انْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْمَعْذِرَةُ فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنَ الْهَلَكَةِ وَ مَنْ لَجَّ وَ تَمَادَى فَهُوَ الرَّاكِسُ الَّذِي رَانَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ وَ صَارَتْ دَائِرَةُ السَّوْءِ عَلَى رَأْسِهِ
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 142روي التقينا و القوم بالواو كما قالقلت إذ أقبلت و زهر تهادى(18/125)


و من لم يروها بالواو فقد استراح من التكلف. قوله و الظاهر أن ربنا واحد كلام من لم يحكم لأهل صفين من جانب معاوية حكما قاطعا بالإسلام بل قال ظاهرهم الإسلام و لا خلف بيننا و بينهم فيه بل الخلف في دم عثمان. قال ع قلنا لهم تعالوا فلنطفئ هذه النائرة الآن يوضع الحرب إلى أن تتمهد قاعدتي في الخلافة و تزول هذه الشوائب التي تكدر علي الأمر و يكون للناس جماعة ترجع إليها و بعد ذلك أتمكن من قتلة عثمان بأعيانهم فأقتص منهم فأبوا إلا المكابرة و المغالبة و الحرب. قوله حتى جنحت الحرب و ركدت جنحت أقبلت و منه قد جنح الليل أي أقبل و ركدت دامت و ثبتت. قوله و وقدت نيرانها أي التهبت. قوله و حمشت أي استعرت و شبت و روي و استحشمت و هو أصح و من رواها حمست بالسين المهملة أراد اشتدت و صلبت. قوله فلما ضرستنا و إياهم أي عضتنا بأضراسها و يقال ضرسهم الدهر أي اشتد عليهم. شرح نهج البلاغة ج : 17 : 143قال لما اشتدت الحرب علينا و عليهم و أكلت منا و منهم عادوا إلى ما كنا سألناهم ابتداء و ضرعوا إلينا في رفع الحرب و رفعوا المصاحف يسألون النزول على حكمها و إغماد السيف فأجبناهم إلى ذلك. قوله و سارعناهم إلى ما طلبوا كلمة فصيحة و هي تعدية الفعل اللازم كأنها لما كانت في معنى المسابقة و المسابقة متعدية عدي المسارعة. قوله حتى استبانت يقول استمررنا على كف الحرب و وضعها إجابة لسؤالهم إلى أن استبانت عليهم حجتنا و بطلت معاذيرهم و شبهتهم في الحرب و شق العصا فمن تم منهم على ذلك أي على انقياده إلى الحق بعد ظهوره له فذاك الذي خلصه الله من الهلاك و عذاب الآخرة و من لج منهم على ذلك و تمادى في ضلاله فهو الراكس قال قوم الراكس هنا بمعنى المركوس فهو مقلوب فاعل بمعنى مفعول كقوله تعالى فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ أي مرضية و عندي أن اللفظة على بابها يعني أن من لج فقد ركس نفسه فهو الراكس و هو المركوس يقال ركسه و أركسه بمعنى و الكتاب العزيز(18/126)


جاء بالهمز فقال وَ اللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أي ردهم إلى كفرهم و يقول ارتكس فلان في أمر كان نجا منه و ران على قلبه أي ران هو على قلبه كما قلنا في الراكس و لا يجوز أن يكون الفاعل و هو الله محذوفا لأن الفاعل لا يحذف بل يجوز أن يكون الفاعل كالمحذوف و ليس بمحذوف و يكون المصدر و هو الرين و دل الفعل عليه كقوله تعالى ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ أي بدا لهم البداء و ران بمعنى غلب و غطى و روي فهو الراكس الذي رين على قلبه. شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 144قال و صارت دائرة السوء على رأسه من ألفاظ القرآن العزيز قال الله تعالى عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ و الدوائر الدول.و إن على الباغي تدور الدوائر
و الدائرة أيضا الهزيمة يقال على من الدائرة منهما و الدوائر أيضا الدواهي
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 59145- و من كتاب له ع إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوانأَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذَلِكَ كَثِيراً مِنَ الْعَدْلِ فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ وَ ابْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكَ رَاجِياً ثَوَابَهُ وَ مُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ وَ اعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلَّا كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ أَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ الْحَقِّ شَيْ ءٌ أَبَداً وَ مِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ وَ الِاحْتِسَابُ عَلَى الرَّعِيَّةِ بِجُهْدِكَ فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ وَ السَّلَامُ الأسود بن قطبة(18/127)

18 / 150
ع
En
A+
A-