طفاوة على الماء لا يدري أحد معدنه يقذفه البحر إلى البر فلا يأكل منه شي ء إلا مات و لا ينقره طائر إلا بقي منقاره فيه و لا يقع عليه إلا نصلت أظفاره و البحريون و العطارون ربما وجدوا فيه المنقا و الظفر. قال و البال و هو سمكة طولها خمسون ذراعا يؤكل منه اليسير فيموت. قال و سمعت ناسا من أهل مكة يقولون هو ضفع ثور في بحر الهند و قيل هو من زبد بحر سرنديب و أجوده الأشهب ثم الأزرق و أدونه الأسود. و
في حديث ابن عباس ليس في العنبر زكاة إنما هو شي ء يدسره البحر أي يدفعه شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 347فأما صاحب المنهاج في الطب فقال العنبر من عين في البحر و يكون جماجم أكبرها وزنه ألف مثقال و الأسود أردأ أصنافه و كثيرا ما يوجد في أجواف السمك التي تأكله و تموت و توجد فيه سهوكة. و قال في المسك أنه سرة دابة كالظبي له نابان أبان معقفان إلى الجانب الإنسي كقرنين.
جاء في الحديث المرفوع لا تمنعوا إماء الله مساجد الله و ليخرجن إذا خرجن ثفلات
أي غير متطيبات. و في الحديث أيضا إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمس طيبا
و المراد من ذلك ألا تهيج عليهن شهوة الرجال. قال الشاعر
و المسك بينا تراه ممتهنا بفهر عطاره و ساحقه حتى تراه في عارضي ملك أو موضع التاج من مفارقهالصنوبري في استهداء المسك
المسك أشبه شي ء بالشباب فهب بعض الشباب لبعض العصبة الشيبيقال إن رجلا وجد قرطاسا فيه اسم الله تعالى فرفعه و كان عنده دينار فاشترى به مسكا فطيبه فرأى في المنام قائلا يقول له كما طيبت اسمي لأطيبن ذكرك. قال خالد بن صفوان ليزيد بن المهلب ما رأيت صدا المغفر و لا عبق العنبر بأحد أليق منه بك فقال حاجتك قال ابن أخ لي في حبسك فقال يسبقك إلى المنزل. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 348شاعركأن دخان الند ما بين جمره بقايا ضباب في رياض شقيق(20/206)
قالوا خير العود المندلي و هو منسوب إلى مندل قرية من قرى الهند و أجوده أصلبه و امتحان رطبة أن ينطبع فيه نقش الخاتم و اليابس تفصح عنه النار و من خاصية المندلي أن رائحته تثبت في الثواب أسبوعا و أنه لا يقمل ما دامت فيه. قال صاحب المنهاج العود عروق أشجار تقلع و تدفن في الأرض حتى تتعفن منها الخشبية و القشرية و يبقى العود الخالص و أجوده المندلي و يجلب من وسط بلاد الهند ثم العود الهندي و هو يفضل على المندلي بأنه لا يولد القمل و هو أعبق بالثياب. قال و أفضل العود أرسبه في الماء و الطافي ردي ء. قال أبو العباس الأعمى
ليت شعري من أين رائحة المسك و ما إن أخال بالخيف أنسي حين غابت بنو أمية عنه و البهاليل من بني عبد شمس خطباء على المنابر فرسان على الخيل قالة غير خرس بحلوم مثل الجبال رزان و وجوه مثل الدنانير مالمسيب بن علس
تبيت الملوك على عتبها و شيبان إن غضبت تعتب و كالشهد بالراح ألفاظهم و أخلاقهم منهما أعذب شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 349و كالمسك ترب مقاماتهم و ترب قبورهم أطيأخذه العباس بن الأحنف فقال
و أنت إذا ما وطئت التراب كان ترابك للناس طيبا
و هجا بعض الشعراء العمال في أيام عمر و وقع عليهم فقال في بعض شعره
نئوب إذا آبوا و نغزو إذا غزوا فأنى لهم وفر و لسنا ذوي وفرإذا التاجر الداري جاء بفأرة من المسك راحت في مفارقهم تجري(20/207)
فقبض عمر على العمال و صادرهم. قالوا في الكافور إنه ماء في شجر مكفور فيه يغرزونه بالحديد فإذا خرج إلى ظاهر ذلك الشجر ضربه الهواء فانعقد كالصموغ الجامدة على الأشجار. و قال صاحب المنهاج هو أصناف منها الفنصوري و الرباحي و الأزاد و الإسفرك الأزرق و هو المختط بخشبه و قيل إن شجرته عظيمة تظلل أكثر من مائة فارس و هي بحرية و خشب الكافور أبيض إلى الحمرة خفيف و الرباحي يوجد في بدن شجرته قطع كالثلج فإذا شققت الشجرة تناثر منها الكافور الند هو الغالية و هو العود المطري بالمسك و العنبر و دهن البان و من الناس من لا يضيف إليه دهن البان و يجعل عوضه الكافور و منهم من لا يضيف إليه الكافور أيضا و من الناس من يركب الغالية من المسك و العنبر و الكافور و دهن النيلوفر. قال الأصمعي قلت لأبي المهدية الأعرابي كيف تقول ليس الطيب إلا المسك فلم يحفل الأعرابي و ذهب إلى مذهب آخر فقال فأين أنت عن العنبر فقلت كيف تقول ليس الطيب إلا المسك و العنبر قال فأين أنت عن البان قلت فكيف شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 350تقول ليس الطيب إلا المسك و العنبر و البان قال فأين أنت عن ادهان بحجر يعني اليمامة قلت فكيف تقول ليس الطيب إلا المسك و العنبر و البان و ادهابحجر قال فأين أنت عن فأرة الإبل صادرة فرأيت أني قد أكثرت عليه فتركته قال و فأرة الإبل ريحها حين تصدر عن الماء و قد أكلت العشب الطيب. و في فأرة الإبل يقول الشاعر
كأن فأرة مسك في مباءتها إذا بدا من ضياء الصبح تنتشر
كان لأبي أيوب المرزباني وزير المنصور دهن طيب يدهن به إذا ركب إلى المنصور فلما رأى الناس غلبته على المنصور و طاعته له فيما يريده حتى إنه ربما كان يستحضره ليوقع به فإذا رآه تبسم إليه و طابت نفسه قالوا دهن أبي أيوب من عمل السحرة و ضربوا به المثل فقالوا لمن يغلب على الإنسان معه دهن أبي أيوب. أعرابي فيها مدر كف و مشم أنف. و قال عيينة بن أسماء بن خارجة الفزاري(20/208)
لو كنت أحمل خمرا حين زرتكم لم ينكر الكلب أني صاحب الدارلكن أتيت و ريح المسك يقدمني و العنبر الورد مشبوبا على النارفأنكر الكلب ريحي حين خالطني و كان يألف ريح الزق و القار
قال الأصمعي ذكر لأبي أيوب هؤلاء الذين يتقشفون فقال ما علمت أن القذر و الذفر من الدين. ريح الكلب مثل في النتن قال الشاعر
ريحها ريح كلاب هارشت في يوم طل
و قال آخر
يزداد لؤما على المديح كما يزداد نتن الكلاب في المطرشرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 351و قالت امرأة إمرئ القيس له و كان مفركا عند النساء إذا عرقت عرقت بريح كلب قال صدقت إن أهلي أرضعوني مرة بلبن كلبة. قال سلمة بن عياش يقول لجعفر بن سليمانفما شم أنفي ريح كف رأيتها من الناس إلا ريح كفك أطيب
فأمر له بألف دينار و مائة مثقال من المسك و مائة مثقال من العنبر.
وجه عمر إلى ملك الروم بريدا فاشترت أم كلثوم امرأة عمر طيبا بدنانير و جعلته في قارورتين و أهدتهما إلى امرأة ملك الروم فرجع البريد إليها و معه مل ء القارورتين جواهر فدخل عليها عمر و قد صبت الجواهر في حجرها فقال من أين لك هذا فأخبرته فقبض عليه و قال هذا للمسمين قالت كيف و هو عوض هديتي قال بيني و بينك أبوك فقال علي ع لك منه بقيمة دينارك و الباقي للمسلمين جملة لأن بريد المسلمين حمله
قيل لخديجة بنت الرشيد رسل العباس بن محمد على الباب معهم زنبيل يحمله رجلان فقالت تراه بعث إلي باقلاء فكشف الزنبيل عن جرة مملوءة غالية فيها مسحاة من ذهب و إذا برقعة هذه جرة أصيبت هي و أختها في خزائن بني أمية فأما أختها فغلب عليها الخلفاء و أما هذه فلم أر أحدا أحق بها منك
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 400352ضَعْ فَخْرَكَ وَ احْطُطْ كِبَرَكَ وَ اذْكُرْ قَبْرَكَقد تقدم القول في العجب و الكبر و الفخر
نبذ مما قيل في التيه و الفخر(20/209)
في الحديث المرفوع أن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية و فخرها بالآباء الناس لآدم و آدم من تراب مؤمن تقي و فاجر شقي لينتهين أقوام يتفاخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من جعلات تدفع النتن بأنفها
و من وصيته ص إلى علي ع لا فقر أشد من الجهل و لا وحشة أفحش من العجب
أتى وائل بن حجر النبي ص فأقطعه أرضا و أمر معاوية أن يمضي معه فيريه الأرض و يعرضها عليه و يكتبها له فخرج مع وائل في هاجرة شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 353شاوية و مشى خلف ناقته فأحرقته الرمضاء فقال أردفني قال لست من أرداف الملوك قال فادفع إلي نعليك قال ما بخيمنعني يا ابن أبي سفيان و لكن أكره أن يبلغ أقيال اليمن أنك لبست نعلي و لكن امش في ظل ناقتي فحسبك بذاك شرفا و يقال إنه عاش حتى أدرك زمن معاوية فأجلسه معه على سريره. قيل لحكيم ما الشي ء الذي لا يحسن أن يقال و إن كان حقا فقال الفخر. حبس هشام بن عبد الملك الفزدق في سجن خالد بن عبد الله القسري فوفد جرير إلى خالد ليشفع فيه فقال له خالد أ لا يسرك أن الله قد أخزى الفرزدق فقال أيها الأمير و الله ما أحب أن يخزيه الله إلا بشعري و إنما قدمت لأشفع فيه قال فاشفع فيه في ملإ ليكون أخزى له فشفع فيه فدعا به فقال إني مطلقك بشفاعة جرير فقال أسير قسري و طليق كلبي فبأي وجه أفاخر العرب بعدها ردني إلى السجن. ذكر أعرابي قوما فقال ما نالوا بأناملهم شيئا إلا و قد وطئناه بأخامص أقدامنا و إن أقصى مناهم لأدنى فعالنا. نظر رجل إلى بعض ولد أبي موسى يختال في مشيته فقال أ لا ترون مشيته كأن أباه خدع عمرو بن العاص. و سمع الفرزدق أبا بردة يقول كيف لا أتبختر و أنا ابن أحد الحكمين فقال أحدهما مائق و الآخر فاسق فكن ابن أيهما شئت.
نظر رسول الله ص إلى أبي دجانة و هو يتبختر بين الصفين فقال إن هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن(20/210)