شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 369281مِنَ الْخُرْقِ الْمُعَاجَلَةُ قَبْلَ الْإِمْكَانِ وَ الْأَنَاةُ بَعْدَ الْفُرْصَةِقد تقدم القول في هذين المعنيين. و من كلام ابن المعتز إهمال الفرصة حتى تفوت عجز و العجلة قبل التمكن خرق. و قد جعل أمير المؤمنين ع كلتا الحالتين خرقا و هو صحيح لأن الخرق الحمق و قلة العقل و كلتا الحالتين دليل على الحمق و النقص
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 370282لَا تَسْأَلْ عَمَّا لَمْ يَكُنْ فَفِي الَّذِي قَدْ كَانَ لَكَ شُغُلٌمن هذا الباب قول أبي الطيب في سيف الدولة
ليس المدائح تستوفي مناقبه فمن كليب و أهل الأعصر الأول خذ ما تراه و دع شيئا سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 371283الْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ وَ الِاعْتِبَارُ مُنْذِرٌ نَاصِحٌ وَ كَفَى أَدَباً لِنَفْسِكَ تَجَنُّبُكَ مَا كَرِهْتَهُ لِغَيْرِكَقد تقدم القول في نحو هذا و في المثل كفى بالاعتبار منذرا و كفى بالشيب زاجرا و كفى بالموت واعظا و قد سبق القول في وجوب تجنب الإنسان ما يكرهه من غيره. و قال بعض الحكماء إذا أحببت أخلاق امرئ فكنه و إن أبغضتها فلا تكنه أخذه شاعرهم فقال(20/156)


إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه يكن منك ما يعجبك فليس على المجد و المكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 372284الْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ وَ الْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَ وَ إِلَّا ارْتَحَلَ عَنْهُلا خير في علم بلا عمل و العلم بغير العمل حجة على صاحبه و كلام أمير المؤمنين ع يشعر بأنه لا عالم إلا و هو عامل و مراده بالعلم هاهنا العرفان و لا ريب أن العارف لا بد أن يكون عاملا. ثم استأنف فقال العلم يهتف بالعمل أي يناديه و هذه اللفظة استعارة. قال فإن أجابه و إلا ارتحل أي إن كان الإنسان عالما بالأمور الدينية ثم لم يعمل بها سلبه الله تعالى علمه و لم يمت إلا و هو معدود في زمرة الجاهلين و يمكن أن يفسر على أنه أراد بقوله ارتحل ارتحلت ثمرته و نتيجته و هي الثواب فإن الله تعالى لا يثيب المكلف على علمه بالشرائع إذا لم يعمل بها لأن إخلاله بالعمل يحبط ما يستحقه من ثواب العلم لو قدرنا أنه استحق على العلم ثوابا و أتى به على الشرائط التي معها يستحق الثواب(20/157)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 373285أَيُّهَا النَّاسُ مَتَاعُ الدُّنْيَا حُطَامٌ مُوبِئٌ فَتَجَنَّبُوا مَرْعَاةً قُلْعَتُهَا أَحْظَى مِنْ طُمَأْنِينَتِهَا وَ بُلْغَتُهَا أَزْكَى مِنْ ثَرْوَتِهَا حُكِمَ عَلَى مُكْثِرِيهَا بِالْفَاقَةِ وَ أُغْنِيَ مَنْ غَنِيعَنْهَا بِالرَّاحَةِ مَنْ رَاقَهُ زِبْرِجُهَا أَعْقَبَتْ نَاظِرَيْهِ كَمَهاً وَ مَنِ اسْتَشْعَرَ الشَّغَفَ بِهَا مَلَأَتْ ضَمِيرَهُ أَشْجَاناً لَهُنَّ رَقْصٌ عَلَى سُوَيْدَاءِ قَلْبِهِ هَمٌّ يَشْغَلُهُ وَ غَمٌّ يَحْزُنُهُ حَتَّى يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ فَيُلْقَى بِالْفَضَاءِ مُنْقَطِعاً أَبْهَرَاهُ هَيِّناً عَلَى اللَّهِ فَنَاؤُهُ وَ عَلَى الْإِخْوَانِ إِلْقَاؤُهُ وَ إِنَّمَا يَنْظُرُ الْمُؤْمِنُ إِلَى الدُّنْيَا بِعَيْنِ الِاعْتِبَارِ وَ يَقْتَاتُ مِنْهَا بِبَطْنِ الِاضْطِرَارِ وَ يَسْمَعُ فِيهَا بِأُذُنِ الْمَقْتِ وَ الْإِبْغَاضِ إِنْ قِيلَ أَثْرَى قِيلَ أَكْدَى وَ إِنْ فُرِحَ لَهُ بِالْبَقَاءِ حُزِنَ لَهُ بِالْفَنَاءِ هَذَا وَ لَمْ يَأْتِهِمْ يَوْمٌ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ(20/158)


متاع الدنيا أموالها و قنيانها. و الحطام ما تكسر من الحشيش و اليبس و شبه متاع الدنيا بذلك لحقارته. و موبئ محدث للوباء و هو المرض العام. و مرعاة بقعة ترعى كقولك مأسدة فيها الأسد و محياة فيها الحيات. و قلعتها بسكون اللام خير من طمأنينتها أي كون الإنسان فيها منزعجا متهيئا شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 286للرحيل عنها خير له من أن يكون ساكنا إليها مطمئنا بالمقام فيها. و البلغة ما يتبلغ به و الثروة اليسار و الغنى و إنما حكم على مكثريها بالفاقة و الفقر لأنهم لا ينتهون إلى حد من الثروة و المال إلا و جدوا و اجتهدوا و صوا في طلب الزيادة عليه فهم في كل أحوالهم فقراء إلى تحصيل المال كما أن من لا مال له أصلا يجد و يجتهد في تحصيل المال بل ربما كان جدهم و حرصهم على ذلك أعظم من كدح الفقير و حرصه و روي و أعين من غني عنها و من رواه أغنى أي أغنى الله من غني عنها و زهد فيها بالراحة و خلو البال و عدم الهم و الغم. و الزبرج الزينة و راقه أعجبه. و الكمه العمى الشديد و قيل هو أن يولد أعمى. و الأشجان الأحزان. و الرقص بفتح القاف الاضطراب و الغليان و الحركة. و الكظم بفتح الظاء مجرى النفس. و الأبهران عرقان متصلان بالقلب و يقال للميت قد انقطع أبهراه. قوله و إنما ينظر المؤمن إخبار في الصورة و أمر في المعنى أي لينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار و ليأكل منها ببطن الاضطرار أي قدر الضرورة لا احتكار أو استكثار و ليسمع حديثها بأذن المقت و البغض أي ليتخذها عدوا قد صاحبه في طريق فليأخذ حذره منه جهده و طاقته و ليسمع كلامه و حديثه لا استماع مصغ و محب وامق بل استماع مبغض محترز من غائلته. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 287ثم عاد إلى وصف الدنيا و طالبها فقال إن قيل أثرى قيل أكدى و فاعل أثرى هو الضمير العائد إلى من استشعر الشغف بها يقول بينا يقال أثرى قيل تقر لأن هذه صفة الدنيا في تقلبها بأهلها و إن فرح له بالحياة و(20/159)


دوامها قيل مات و عدم هذا و لم يأتهم يوم القيامة يوم هم فيه مبلسون أبلس الرجل يبلس إبلاسا أي قنط و يئس و اللفظ من لفظات الكتاب العزيز
نبذ من الأقوال الحكيمة في وصف حال الدنيا و صروفها
و قد ذكرنا من حال الدنيا و صروفها و غدرها بأهلها فيما تقدم أبوابا كثيرة نافعة. و نحن نذكر هاهنا زيادة على ذلك. فمن كلام بعض الحكماء ويل لصاحب الدنيا كيف يموت و يتركها و تغره و يأمنها و تخذله و يثق بها ويل للمغترين كيف أرتهم ما يكرهون و فاتهم ما يحبون و جاءهم ما يوعدون ويل لمن الدنيا همه و الخطايا عمله كيف يفتضح غدا بذنبه. و
روى أنس قال كانت ناقة رسول الله ص العضباء لا تسبق فجاء أعرابي بناقة له فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقال رسول الله ص حق على الله ألا يرفع في الدنيا شيئا إلا وضعه
و قال بعض الحكماء من ذا الذي يبني على موج البحر دارا تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 288و قيل لحكيم علمنا عملا واحدا إذا عملناه أحبنا الله عليه فقال أبغضوا الدنيا يحببكم الله. و قال أبو الدرداء قال رسول الله ص لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا و لهانت عليكم الدنيا و لآثرتم الآخرة(20/160)

138 / 150
ع
En
A+
A-