هذه كلمة كانت من شعار الجاهلية فنهي عنها كما نهي عن تحية الجاهلية أبيت اللعن و جعل عوضها سلام عليكم. و قال رجل للحسن البصري و قد بشره بغلام ليهنئك الفارس فقال بل الراجل ثم قال لا مرحبا بمن إن عاش كدني و إن مات هدني و إن كنت مقلا أنصبني و إن كنت غنيا أذهلني ثم لا أرضى بسعيي له سعيا و لا بكدي عليه في الحياة كدا حتى أشفق عليه بعد موتي من الفاقة و أنا في حال لا يصل إلي من فرحه سرور و لا من همه حزن
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 361271وَ بَنَى رَجُلٌ مِنْ عُمَّالِهِ بِنَاءً فَخْماً فَقَالَ ع أَطْلَعَتِ الْوَرِقُ رُءُوسَهَا إِنَّ الْبِنَاءَ يَصِفُ لَكَ الْغِنَىقد رويت هذه الكلمة عن عمر رضي الله عنه ذكر ذلك ابن قتيبة في عيون الأخبار. و روي عنه أيضا لي على كل خائن أمينان الماء و الطين. قال يحيى بن خالد لابنه جعفر حين اختط داره ببغداد ليبنيها هي قميصك فإن شئت فوسعه و إن شئت فضيقه. و رآه و هو يجصص حيطان داره المبنية بالآجر فقال له إنك تغطي الذهب بالفضة فقال جعفر ليس في كل مكان يكون الذهب خيرا من الفضة و لكن هل ترى عيبا قال نعم مخالطتها دور السوقة. و قيل ليزيد بن المهلب أ لا يبني الأمير دارا فقال منزلي دار الإمارة أو الحبس. و كان يقال في الدار لتكن أول ما يبتاع و آخر ما تباع. و مر رجل من الخوارج بآخر من أصحابهم و هو يبني دارا فقال من ذا الذي يقيم كفيلا و قالوا كل ما يخرج بخروجك و يرجع برجوعك كالدار و النخل و نحوهما فهو كفيل(20/151)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 362272وَ قِيلَ لَهُ ع لَوْ سُدَّ عَلَى رَجُلٍ بَابُ بَيْتٍ وَ تُرِكَ فِيهِ مِنْ أَيْنَ كَانَ يَأْتِيهِ رِزْقُهُ فَقَالَ ع مِنْ حَيْثُ يَأْتِيهِ أَجَلُهُليس يعني ع أن كل من يسد عليه باب بيت فإنه لا بد أن يرزقه الله تعالى لأن العيان و المشاهدة تقتضي خلاف ذلك و ما رأينا من سد عليه باب بيت مدة طويلة فعاش و لا ريب أن من شق أسطوانة و جعل فيها حيا ثم بنيت الأسطوانة عليه فإنه يموت مختنقا و لا يأتيه رزقه و لا حياته و لأن للحكماء أن يقولوا في الفرق بين الموضعين إن أجله إنما يأتيه لأن الأجل عدم الحياة و الحياة تعدم لعدم ما يوجبها و الذي يوجب استمرارها الغذاء فلما انقطع الغذاء حضر الأجل فهذا هو الوجه الذي يأتيه منه أجله و لا سبيل إلى ذكر مثله في حضور الرزق لمن يسد عليه الباب. فإذا معنى كلامه ع أن الله تعالى إذا علم فيمن يجعل في دار و يسد عليه بابها أن في بقاء حياته لطفا لبعض المكلفين فإنه يجب على الله تعالى أن يديم حياته كما يشاء سبحانه إما بغذاء يقيم به مادة حياته أو شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 273يديم حياته بغير سبب هذا هو الوجه الذي منه يأتيه أجله أيضا لأن إماتة الله المكلف أمر تابع للمصلحة لأنه لا بد من انقطاع التكليف على كل حال للوجه الذي يذكره أصحابنا في كتبهم فإذا كان الموت تابعا للمصلحة و كان الإحياء تابعا للمصلحة فقد أتى الإنسان رزقه يعني حياته من حيث يأتيه أجله و انتظم الكلام
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 363274وَ عَزَّى قَوْماً عَنْ مَيِّتٍ مَاتَ لَهُمْ فَقَالَ ع إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَ بِكُمْ بَدَأَ وَ لَا إِلَيْكُمُ انْتَهَى وَ قَدْ كَانَ صَاحِبُكُمْ هَذَا يُسَافِرُ فَقَالُوا نَعَمْ قَالَ فَعُدُّوهُ فِي بَعْضِ سَفَرَاتِ فَإِنْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ وَ إِلَّا قَدِمْتُمْ عَلَيْهِ
قد ألم إبراهيم بن المهدي ببعض هذا في شعره الذي رثى به ولده فقال(20/152)
يئوب إلى أوطانه كل غائب و أحمد في الغياب ليس يئوب تبدل دارا غير داري و جيرة سواي و أحداث الزمان تنوب أقام بها مستوطنا غير أنه على طول أيام المقام غريب و إني و إن قدمت قبلي لعالم بأني و إن أبطأت عنك قريب و إن صباحا نلتقي في مسائه صباح إلى قلبي الغداة ح شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 364275أَيُّهَا النَّاسُ لِيَرَاكُمُ اللَّهُ مِنَ النِّعْمَةِ وَجِلِينَ كَمَا يَرَاكُمْ مِنَ النِّقْمَةِ فَرِقِينَ إِنَّهُ مَنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجاً فَقَدْ أَمِنَ مَخُوفاً وَ مَنْ ضِّقَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ اخْتِبَاراً فَقَدْ ضَيَّعَ مَأْمُولًا
قد تقدم القول في استدراج المترف الغني و اختبار الفقير الشقي و أنه يجب على الإنسان و إن كان مشمولا بالنعمة أن يكون وجلا كما يجب عليه إذا كان فقيرا أن يكون شكورا صبورا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 365276يَا أَسْرَى الرَّغْبَةِ اقْصُرُوا فَإِنَّ الْمُعَرِّجَ عَلَى الدُّنْيَا لَا يَرُوعُهُ مِنْهَا إِلَّا صَرِيفُ أَنْيَابِ الْحِدْثَانِ أَيُّهَا النَّاسُ تَوَلَّوْا عَنْ أَنْفُسِكُمْ تَأْدِيبَهَا وَ اعْدِلُوا بِهَا عَنْ ضِرََةِ عَادَاتِهَا(20/153)
ضرى يضري ضراية مثل رمى يرمي رماية أي جرى و سال ذكره ابن الأعرابي و عليه ينبغي أن يحمل كلام أمير المؤمنين ع أي اعدلوا بها عن عاداتها الجارية من باب إضافة الصفة إلى الموصوف و هذا خير من تفسير الراوندي و قوله إنه من ضري الكلب بالصيد لأن المصدر من ذلك الضراوة بالواو و فتح الضاد و لم يأت فيه ضراية. و قوله يا أسرى الرغبة كلمة فصيحة و كذلك قوله لا يروعه منها إلا صريف أنياب الحدثان و ذلك لأن الفهد إذا وثب و الذئب إذا حمل يصرف نابه و يقولون لكل خطب و داهية جاءت تصرف نابها و الصريف صوت الأسنان إما عند رعدة أو عند شدة الغضب و الحنق و الحرص على الانتقام أو نحو ذلك. و قد تقدم الكلام في الدنيا و الرغبة فيها و غدرها و حوادثها و وجوب العدول عنها و كسر عادية عادات السوء المكتسبة فيها
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 366277لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ سُوءاً وَ أَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلًاهذه الكلمة يرويها كثير من الناس لعمر بن الخطاب و يرويها بعضهم لأمير المؤمنين ع و كان ثمامة يحدث بسؤدد يحيى بن خالد و ابنه جعفر و يقول إن الرشيد نكب علي بن عيسى بن ماهان و ألزمه مائة ألف دينار أدى منها خمسين ألفا و يلح بالباقي فأقسم الرشيد إن لم يؤد المال في بقية هذا اليوم و إلا قتله و كان علي بن عيسى عدوا للبرامكة مكاشفا فلما علم أنه مقتول سأل أن يمكن من السعي إلى الناس يستنجدهم ففسح له في ذلك فمضى و معه وكيل الرشيد و أعوانه إلى باب يحيى و جعفر فأشبلا عليه و صححا من صلب أموالهما خمسين ألف دينار في باقي نهار ذلك اليوم بديوان الرشيد باسم علي بن عيسى و استخلصاه فنقل بعض المتنصحين لهما إليهما أن علي بن عيسى قال في آخر نهار ذلك اليوم متمثلا
فما بقيا علي تركتماني و لكن خفتما صرد النبال(20/154)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 278فقال يحيى للناقل إليه ذلك يا هذا إن المرعوب ليسبق لسانه إلى ما لم يخطر بقلبه. و قال جعفر و من أين لنا أنه تمثل بذلك و عنانا و لعله أراد أمرا آخر فكان ثمامة يقول ما في الأرض أسود من رجل يتأول كلام عدوه فيه و يحمله على أحسن ممله. و قال الشاعر
إذا ما أتت من صاحب لك زلة فكن أنت محتالا لزلته عذرا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 367279إِذَا كَانَتْ لَكَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَاجَةٌ فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ ص ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حَاجَتَيْنِ فَيَقْضِيَ إِحْدَاهُمَا وَ يَمْنَعَ الُخْرَى هذا الكلام على حسب الظاهر الذي يتعارفه الناس بينهم و هو ع يسلك هذا المسلك كثيرا و يخاطب الناس على قدر عقولهم و أما باطن الأمر فإن الله تعالى لا يصلي على النبي ص لأجل دعائنا إياه أن يصلي عليه لأن معنى قولنا اللهم صل على محمد أي أكرمه و ارفع درجته و الله سبحانه قد قضى له بالإكرام التام و رفعة الدرجة من دون دعائنا و إنما تعبدنا نحن بأن نصلي عليه لأن لنا ثوابا في ذلك لا لأن إكرام الله تعالى له أمر يستعقبه و يستتبعه دعاؤنا. و أيضا فأي غضاضة على الكريم إذا سئل حاجتين فقضى إحداهما دون الأخرى إن كان عليه في ذلك غضاضة فعليه في رد الحاجة الواحدة غضاضة أيضا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 368280مَنْ ضَنَّ بِعِرْضِهِ فَلْيَدَعِ الْمِرَاءَقد تقدم من القول في المراء ما فيه كفاية و حد المراء الجدال المتصل لا يقصد به الحق. و قيل لميمون بن مهران ما لك لا تفارق أخا لك عن قلى قال لأني لا أشاريه و لا أماريه. و كان يقال ما ضل قوم بعد إذ هداهم الله تعالى إلا بالمراء و الإصرار في الجدال على نصرة الباطل. و قال سفيان الثوري إذا رأيتم الرجل لجوجا مماريا معجبا بنفسه فقد تمت خسارته(20/155)