شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 344252الدَّاعِي بِلَا عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلَا وَتَرٍمن خلا من العمل فقد أخل بالواجبات و من أخل بالواجبات فقد فسق و الله تعالى لا يقبل دعاء الفاسق و شبهه ع بالرامي بلا وتر فإن سهمه لا ينفذ
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 345253الْعِلْمُ عِلْمَانِ مَطْبُوعٌ وَ مَسْمُوعٌ وَ لَا يَنْفَعُ الْمَسْمُوعُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَطْبُوعُهذه قاعدة كلية مذكورة في الكتب الحكمية إن العلوم منها ما هو غريزي و منها ما هو تكليفي ثم كل واحد من القسمين يختلف بالأشد و الأضعف أما الأول فقد يكون في الناس من لا يحتاج في النظر إلى ترتيب المقدمات بل تنساق النتيجة النظرية إليه سوقا من غير احتياج منه إلى التأمل و التدبر و قد يكون فيهم من هو دون ذلك و قد يكون من هو دون الدون و أما الثاني فقد يكون في الناس من لا يجدي فيه التعليم بل يكون كالصخرة الجامدة بلادة و غباوة و منهم من يكون أقل تبلدا و جنوح ذهن من ذلك و منهم من يكون الوقفة عنده أقل فيكون ذا حال متوسطة و بالجملة فاستقراء أحوال الناس يشهد بصحة ذلك. و قال ع ليس ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع يقول إذا لم يكن هناك أحوال استعداد لم ينفع الدرس و التكرار و قد شاهدنا مثل هذا في حق أشخاص كثيرة اشتغلوا بالعلم الدهر الأطول فلم ينجع معهم العلاج و فارقوا الدنيا و هم على الغريزة الأولى في الساذجية و عدم الفهم(20/141)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 346254صَوَابُ الرَّأْيِ بِالدُّوَلِ يُقْبِلُ بِإِقْبَالِهَا وَ يُدْبِرُ بِإِدْبَارِهَاقال الصولي اجتمع بنو برمك عند يحيى بن خالد في آخر دولتهم و هم يومئذ عشرة فأداروا بينهم الرأي في أمر فلم يصلح لهم فقال يحيى أنا لله ذهبت و الله دولتنا كنا في إقبالنا يبرم الواحد منا عشرة آراء مشكلة في وقت واحد و اليوم نحن عشرة في أمر غير مشكل و لا يصح لنا فيه رأي الله نسأل حسن الخاتمة. أرسل المنصور لما هاضه أمر إبراهيم إلى عمه عبد الله بن علي و هو في السجن يستشيره ما يصنع و كان إبراهيم قد ظهر بالبصرة فقال عبد الله أنا محبوس و المحبوس محبوس الرأي قال له فعلى ذاك قال يفرق الأموال كلها على الرجال و يلقاه فإن ظفر فذاك و إلا يتوجه إلى أبيه محمد بجرجان و يتركه يقدم على بيوت أموال فارغة فهو خير له من أن تكون الدبرة عليه و يقدم عدوه على بيوت أموال مملوءة. قال سليمان بن عبد الملك ليزيد بن أبي مسلم صاحب شرطة الحجاج يوما لعن الله رجلا أجرك رسنه و خرب لك آخرته قال يا أمير المؤمنين رأيتني و الأمر عني مدبر و لو رأيتني و الأمر علي مقبل لاستكبرت مني ما استصغرت و لاستعظمت مني ما استحقرت
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 347255الْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ وَ الشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَىقد سبق القول في أن الأجمل بالفقير أن يكون عفيفا و ألا يكون جشعا حريصا و لا جادا في الطلب متهالكا و أنه ينبغي أنه إذا افتقر أن يتيه على الوقت و أبناء الوقت فإن التيه في مثل ذلك المقام لا بأس به ليبعد جدا عن مظنة الحرص و الطمع. و قد سبق أيضا القول في الشكر عند النعمة و وجوبه و أنه سبب لاستدامتها و أن الإخلال به داعية إلى زوالها و انتقالها و ذكرنا في هذا الباب أمورا مستحسنة فلتراجع و قال عبد الصمد بن المعذل في العفاف(20/142)


سأقنى العفاف و أرضى الكفاف و ليس غنى النفس حوز الجزيل و لا أتصدى لشكر الجواد و لا أستعد لذم البخيل و أعلم أن بنات الرجاء تحل العزيز محل الذليل و أن ليس مستغنيا بالكثير من ليس مستغنيا بالقل شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 348256يَوْمُ الْعَدْلِ عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ الْجَوْرِ عَلَى الْمَظْلُومِشيئان مؤلمان أحدهما ينقضي سريعا و الآخر يدوم أبدا فلا جرم كان اليوم المذكور على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 349257الْأَقَاوِيلُ مَحْفُوظَةٌ وَ السَّرَائِرُ مَبْلُوَّةٌ وَ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ وَ النَّاسُ مَنْقُوصُونَ مَدْخُولُونَ إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ سَائِلُهُمْ مُتَعَنِّتٌ وَ مُجِيبُهُمْ مُتَكَلِّفٌ يَكَادُ أْضَلُهُمْ رَأْياً يَرُدُّهُ عَنْ فَضْلِ رَأْيِهِ الرِّضَا وَ السُّخْطُ وَ يَكَادُ أَصْلَبُهُمْ عُوداً تَنْكَؤُهُ اللَّحْظَةُ وَ تَسْتَحِيلُهُ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ
السرائر هاهنا ما أسر في القلوب من النيات و العقائد و غيرها و ما يخفى من أعمال الجوارح أيضا و بلاؤها تعرفها و تصفحها و التمييز بين ما طاب منها و ما خبث. و قال عمر بن عبد العزيز للأحوص لما قال
ستبلى لها في مضمر القلب و الحشا سريرة حب يوم تبلى السرائر(20/143)


إنك يومئذ عنها لمشغول. ذكر ع الناس فقال قد عمهم النقص إلا المعصومين ثم قال سائلهم يسأل تعنتا و السؤال على هذا الوجه مذموم و مجيبهم متكلف للجواب و أفضلهم رأيا يكاد رضاه تارة و سخطه أخرى يرده عن فضل رأيه أي يتبعون الهوى شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 258و يكادصلبهم عودا أي أشدهم احتمالا. و تنكؤه اللحظة نكأت القرحة إذا صدمتها بشي ء فتقشرها. قال و تستحيله الكلمة الواحدة أي تحيله و تغيره عن مقتضى طبعه يصفهم بسرعة التقلب و التلون و أنهم مطيعون دواعي الشهوة و الغضب و استفعل بمعنى فعل قد جاء كثيرا استغلظ العسل أي غل
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 350259قَالَ مَعَاشِرَ النَّاسِ اتَّقُوا اللَّهَ فَكَمْ مِنْ مُؤَمِّلٍ مَا لَا يَبْلُغُهُ وَ بَانٍ مَا لَا يَسْكُنُهُ وَ جَامِعٍ مَا سَوْفَ يَتْرُكُهُ وَ لَعَلَّهُ مِنْ بَاطِلٍ جَمَعَهُ وَ مِنْ حَقٍّ مَنَعَهُ أَصَابَهُ حَرَاماًَ احْتَمَلَ بِهِ آثَاماً فَبَاءَ بِوِزْرِهِ وَ قَدِمَ عَلَى رَبِّهِ آسِفاً لَاهِفاً قَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَ الآْخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ
قد تقدم شرح هذه المعاني و الكلام عليها أما الآمال التي لا تبلغ فأكثر من أن تحصى بل لا نهاية لها. و ما أحسن قول القائل
وا حسرتى مات حظي من وصالكم و للحظوظ كما للناس آجال إن مت شوقا و لم أبلغ مدى أملي كم تحت هذي القبور الخرس آمالو أما بناء ما لا يسكن فنحو ذلك و قال الشاعر
أ لم تر حوشبا بالأمس يبني بناء نفعه لبني نفيله يؤمل أن يعمر عمر نوح و أمر الله يطرق كل ليلهو أما جامع ما سوف يتركه فأكثر الناس قال الشاعر(20/144)


و ذي إبل يسعى و يحسبها له أخو تعب في رعيها و دءوب غدت و غدا رب سواه يسوقها و بدل أحجارا و جال قليب شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 351260مِنَ الْعِصْمَةِ تَعَذُّرُ الْمَعَاصِي قد وردت هذه الكلمة على صيغ مختلفة من العصمة ألا تقدر و أيضا من العصمة ألا تجد و قد رويت مرفوعة أيضا. و ليس المراد بالعصمة هاهنا العصمة التي ذكرها المتكلمون لأن العصمة عند المتكلمين شرطها القدرة و حقيقتها راجعة إلى لطف يمنع القادر على المعصية من المعصية و إنما المراد أن غير القادر في اندفاع العقوبة عنه كالقادر الذي لا يفعل
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 352261مَاءُ وَجْهِكَ جَامِدٌ يُقْطِرُهُ السُّؤَالُ فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ تُقْطِرُهُهذا حسن و قد أخذه شاعر فقال
إذا أظمأتك أكف اللئام كفتك القناعة شبعا و ريافكن رجلا رجله في الثرى و هامة همته في الثريافإن إراقة ماء الحياة دون إراقة ماء المحيا
و قال آخر
رددت لي ماء وجهي في صفيحته رد الصقال بهاء الصارم الجذم و ما أبالي و خير القول أصدقه حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دميو قال مصعب بن الزبير إني لأستحيي من رجل وجه إلي رغبته فبات ليلته يتململ و يتقلقل على فراشه ينتظر الصبح قد جعلني أهلا لأن يقطر ماء وجهه لدي إن أرده خائبا. و قال آخر
ما ماء كفيك إن أرسلت مزنته من ماء وجهي إذا استقطرته عوض(20/145)

135 / 150
ع
En
A+
A-