شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 334240إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ وَ اللَّهُ تَعَالَى جَدُّهُ سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَقد تقدم القول في الصدقة و فضلها و ما جاء فيها و قد ورد
في الأخبار الصحيحة أن أبا ذر قال انتهيت إلى رسول الله ص و هو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال هم الأخسرون و رب الكعبة فقلت من هم قال هم الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا و هكذا من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله و قليل ما هم ما من صاحب إبل و لا بقر و لا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت و أسمنه تنطحه بقرونها و تطأه بأظلافها كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضي الله بين الناس...
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 335241الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الْعُذْرِ أَعَزُّ مِنَ الصِّدْقِ بِهِروي خير من الصدق و المعنى لا تفعل شيئا تعتذر عنه و إن كنت صادقا في العذر فألا تفعل خير لك و أعز لك من أن تفعل ثم تعتذر و إن كنت صادقا. و من حكم ابن المعتز لا يقوم عز الغضب بذل الاعتذار. و كان يقال إياك أن تقوم في مقام معذرة فرب عذر أسجل بذنب صاحبه. اعتذر رجل إلى يحيى بن خالد فقال له ذنبك يستغيث من عذرك. و من كلامهم ما رأيت عذرا أشبه بذنب من هذا. و من كلامهم أضربه على ذنبه مائة و أضربه على عذره مائتين. قال شاعرهم
إذا كان وجه العذر ليس بواضح فإن اطراح العذر خير من العذر
كان النخعي يكره أن يعتذر إليه و يقول اسكت معذورا فإن المعاذير يحضرها الكذب(20/136)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 336242أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ أَلَّا تَسْتَعِينُوا بِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِلا شبهة أن من القبيح الفاحش أن ينعم الملك على بعض رعيته بمال و عبيد و سلاح فيجعل ذلك المال مادة لعصيانه و الخروج عليه ثم يحاربه بأولئك العبيد و بذلك السلاح بعينه. و ما أحسن ما قال الصابي في رسالته إلى سبكتكين من عز الدولة بختيار و ليت شعري بأي قدم تواقفنا و راياتنا خافقة على رأسك و مماليكنا عن يمينك و شمالك و خيلنا موسومة بأسمائنا تحتك و ثيابنا محوكة في طرازنا على جسدك و سلاحنا المشحوذ لأعدائنا في يدك
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 337243إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الطَّاعَةَ غَنِيمَةَ الْأَكْيَاسِ عِنْدَ تَفْرِيطِ الْعَجَزَةِالأكياس العقلاء أولو الألباب قال ع جعل الله طاعته غنيمة هؤلاء إذا فرط فيها العجزة المخذلون من الناس كصيد استذف لرجلين أحدهما جلد و الآخر عاجز فقعد عنه العاجز لعجزه و حرمانه و اقتنصه الجلد لشهامته و قوة جده
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 338244السُّلْطَانُ وَزَعَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِالوازع عن الشي ء الكاف عنه و المانع منه و الجمع وزعة مثل قاتل و قتلة و قد قيل هذا المعنى كثيرا قالوا لا بد للناس من وزعة. و قيل ما يزع الله عن الدين بالسلطان أكثر مما يزع عنه بالقرآن و تنسب هذه اللفظة إلى عثمان بن عفان. قال الشاعر لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم و لا سراة إذا جهالهم سادوا
و كان يقال السلطان القاهر و إن كان ظالما خير للرعية و للملك من السلطان الضعيف و إن كان عادلا. و قال الله سبحانه وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ قالوا في تفسيره أراد السلطان(20/137)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 339245وَ قَالَ ع فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِ بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ وَ حُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ أَوْسَعُ شَيْ ءٍ صَدْراً وَ أَذَلُّ شَيْ ءٍ نَفْساً يَكْرَهُ الرِّفْعَةَ وَ يَشْنَأُ السُّمْعَةَ طَوِيلٌ غَمُّهُ بَعِيدٌ هَمُّهُ كَثِيرٌ تُهُ مَشْغُولٌ وَقْتُهُ شَكُورٌ صَبُورٌ مَغْمُورٌ بِفِكْرَتِهِ ضَنِينٌ بِخَلَّتِهِ سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ وَ هُوَ أَذَلُّ مِنَ الْعَبْدِ
هذه صفات العارفين و قد تقدم كثير من القول في ذلك و كان يقال البشر عنوان النجاح و الأمر الذي يختص به العارف أن يكون بشره في وجهه و هو حزين و حزنه في قلبه و إلا فالبشر قد يوجد في كثير من الناس. ثم ذكر أنه أوسع الناس صدرا و أذلهم نفسا و أنه يكره الرفعة و الصيت و جاء في الخبر في وصفهم كل خامل نومة. و طول الغم و بعد الهم من صفاتهم و كذلك كثرة الصمت و شغل الوقت بالذكر و العبادة و كذلك الشكر و الصبر و الاستغراق في الفكر و تدبر آيات الله تعالى في خلقه و الضن بالخلة و قلة المخالطة و التوفر على العزلة و حسن الخلق و لين الجانب و أن يكون قوي النفس جدا مع ذل للناس و تواضع بينهم و هذه الأمور كلها قد أتي عليها الشرح فيما تقدم
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 340246الْغِنَى الْأَكْبَرُ الْيَأْسُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِهذه الكلمة قد رويت مرفوعة و قد تقدم القول في الطمع و ذمه و اليأس و مدحه. و
في الحديث المرفوع ازهد في الناس يحبك الله و ازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس
و من كلام بعضهم ما أكلت طعام واحد إلا هنت عليه. و كان يقال نعوذ بالله من طمع يدني إلى طبع. و قال الشاعر
أرحت روحي من عذاب الملاح لليأس روح مثل روح النجاح(20/138)
و قال بعض الأدباء هذا المعنى الذي قد أطنب فيه الناس ليس كما يزعمونه لعمري إن لليأس راحة و لكن لا كراحة النجاح و ما هو إلا كقول من قال لا أدري نصف العلم فقيل له و لكنه النصف الذي لا ينفع. و قال ابن الفضل
لا أمدح اليأس و لكنه أروح للقلب من المطمع
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 247أفلح من أبصر روض المنى يرعى فلم يرع و لم يرتو مما يروى لعبد الله بن المبارك الزاهد
قد أرحنا و استرحنا من غدو و رواح و اتصال بأمير و وزير ذي سماح بعفاف و كفاف و قنوع و صلاح و جعلنا اليأس مفتاحا لأبواب النج شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 341248الْمَسْئُولُ حُرٌّ حَتَّى يَعِدَنبذ من الأقوال الحكيمة في الوعد و المطل
قد سبق القول في الوعد و المطل و نحن نذكر هاهنا نكتا أخرى.
في الحديث المرفوع من وعد وعدا فكأنما عهد عهدا
و كان يقال الوعد دين الكرام و المطل دين اللئام. و كان يقال الوعد شبكة من شباك الأحرار يتصيدون بها المحامد. و قال بعضهم الوعد مرض المعروف و الإنجاز برؤه. و قال يحيى بن خالد الوعد سحاب و الإنجاز مطره. و
في الحديث المرفوع عدة المؤمن عطية
و عنه ع لا تواعد أخاك موعدا لتخلفه
و قال يحيى بن خالد لبنيه يا بني كونوا أسدا في الأقوال نجازا في الأفعال و لا تعدوا إلا و تنجزوا فإن الحر يثق بوعد الكريم و ربما ادان عليه. و كان جعفر بن يحيى يكره الوعد و يقول الوعد من العاجز فأما القادر فالنقد. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 249و في الحديث المرفوع مطل الغني ظلم
و قال ابن الفضل
أثروا و لم يقضوا ديون غريمهم و اللؤم كل اللؤم مطل الموسر
و قال الآخر
إذا أتت العطية بعد مطل فلا كانت و إن كانت سنيه(20/139)
و كان يقال المطل يسد على صاحبه باب العذر و يوجب عليه الأحسن و الأكثر و التعجيل يحسن سيئه و يبسط عذره في التقليل. و قال يحيى بن خالد لبنيه يا بني لا تمطلوا معروفكم فإن كثير العطاء بعد المطل قليل و عجلوا فإن عذركم مقبول مع التعجيل. و من كلام الحسن بن سهل المطل يذهب رونق البر و يكدر صفو المعروف و يحبط أجر الصدقة و يعقل اللسان عن الشكر و للتعجيل حلاوة و إن قلت العارفة و لذة و إن صغرت الصنيعة و ربما عرض ما يمنع الإنجاز من تعذر الإمكان و تغير الزمان فبادر المكنة و عاجل القدرة و انتهز الفرصة. و قال الشاعر
تحيل على الفراغ قضاء شغلي و أنت إذا فرغت تكون مثلي فلا أدعى بخادمك المرجى و لا تدعى بسيدنا الأجلو قال آخر
لو علم الماطل أن المطال فقد به يذهب طعم النوال و أن أعلى البر ما ناله طالبه نقدا عقيب السؤال عجل للسائل معروفه مهنا من طول قيل و قا شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 342250لَوْ رَأَى الْعَبْدُ الْأَجَلَ وَ مَصِيرَهُ لَأَبْغَضَ الْأَمَلَ وَ غُرُورَهُقد تقدم من الكلام في الأمل ما فيه كفاية و كان يقال وا عجبا لصاحب الأمل الطويل و ربما يكون كفنه في يد النساج و هو لا يعلم
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 343251لِكُلِّ امْرِئٍ فِي مَالِهِ شَرِيكَانِ الْوَارِثُ وَ الْحَوَادِثُأخذه الرضي فقال
خذ من تراثك ما استطعت فإنما شركاؤك الأيام و الوراث لم يقض حق المال إلا معشر نظروا الزمان يعيث فيه فعاثواو قد قال ع في موضع آخر بشر مال البخيل بحادث أو وارث
و رأيت بخط ابن الخشاب رحمه الله على ظهر كتاب لعبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد ثم لحادث أو وارث كأنه يعني ضنه به أي لا أخرجه عن يدي اختيارا(20/140)