أبو الأصفر المنقوش أنفع للفتى من الأصل و العلم الخطير المقدم
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 229و ما مدح العلم امرؤ ظفرت به يداه و لكن كل مقو و معدو قال الشاعر
و لم أر بعد الدين خيرا من الغنى و لم أر بعد الكفر شرا من الفقر
و قال العتابي الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس و هو عندهم أرفع من السماء و أعذب من الماء و أحلى من الشهد و أزكى من الورد خطؤه صواب و سيئته حسنة و قوله مقبول يغشى مجلسه و لا يمل حديثه و المفلس عندهم أكذب من لمعان السراب و من رؤيا الكظة و من مرآة اللقوة و من سحاب تموز لا يسأل عنه إن غاب و لا يسلم عليه إذا قدم إن غاب شتموه و إن حضر طردوه مصافحته تنقض الوضوء و قراءته تقطع الصلاة أثقل من الأمانة و أبغض من السائل المبرم. و قال بعض الشعراء الظرفاء و أحسن كل الإحسان مع خلاعته
أصون دراهمي و أذب عنها لعلمي أنها سيفي و ترسي و أذخرها و أجمعها بجهدي و يأخذ وارثي منها و عرسي فيأكلها و يشربها هنيئا على النغمات من نقر و جس و يقعد فوق قبري بعد موتي و لا يتصدقن عني بفلس أحب إلي من قصدي عظيما كبيرا أصله من عبد شمس أمد إليه كفي مستميحصبح عبد خدمته و أمسي و يتركني أجر الرجل مني و قد صارت كنفس الكلب نفسي شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 230و قال أصحاب الفقر الغنى سبب الطغيان قال الله تعالى كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى و قال تعالى وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ و كان يقال الغنى يورث البطر و غنى النفس ر من غنى المال. و قال محمود البقال
الفقر خير فاتسع و اقتصد إن من العصمة ألا تجدكم واجد أطلق وجدانه عنانه في بعض ما لم يردو مدمن للخمر غاد على سماع عود و غناء غردلو لم يجد خمرا و لا مسمعا يرد بالماء غليل الكبدكم من يد للفقر عند امرئ طأطأ منه الفقر حتى اقتصد(20/131)


و كان يقال الفقر شعار الصالحين و الفقر لباس الأنبياء و لذلك قال البحتري
فقر كفقر الأنبياء و غربة و صبابة ليس البلاء بواحد
و كان يقال الفقر مخف و الغني مثقل. و
في الخبر نجا المخفون و ما أحسن قول أبي العتاهية
أ لم تر أن الفقر يرجى له الغنى و أن الغنى يخشى عليه من الفقر
و قد ذم الله تعالى المال فقال إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 231و كان يقال المال ملول المال ميال المال غاد و رائح طبع المال كطبع الصبي لا يوقف على وقت رضاه و لا وقت سخطه المال لا ينفعك حتى يفارقك و إلى هذا المعننظر القائل
و صاحب صدق ليس ينفع قربه و لا وده حتى تفارقه عمدا
يعني الدينار. و ما أحسن ما قاله الأول
و قد يهلك الإنسان حسن رياشه كما يذبح الطاوس من أجل ريشه
و قال آخر
رويدك إن المال يهلك ربه إذا جم و استعلى و سد طريقه و من جاوز الماء الغزير فمجه و سد طريق الماء فهو غريقه شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 326232وَ قَالَ لِسَائِلٍ سَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ سَلْ تَفَقُّهاً وَ لَا تَسْأَلْ تَعَنُّتاً فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيهٌ بِالْعَالِمِ وَ إِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَنِّتَ شَبِيهٌ بِالْجَاهِلِقد ورد نهي كثير عن السؤال على طريق الإعنات. و
قال أمير المؤمنين ع في كلام له من حق العالم ألا تكثر عليه بالسؤال و لا تعنته في الجواب و لا تضع له غامضات المسائل و لا تلح عليه إذا كسل و لا تأخذ بثوبه إذا نهض و لا تفش له سرا و لا تغتابن عنده أحدا و لا تنقلن إليه حديثا و لا تطلبن عثرته و إن زل قبلت معذرته و عليك أن توقره و تعظمه لله ما دام حافظا أمر الله و لا تجلس أمامه و إذا كانت له حاجة فاسبق أصحابك إلى خدمته(20/132)


و قال ابن سيرين لسائل سأله سل أخاك إبليس إنك لن تسأل و أنت طالب رشد. و قالوا اللهم إنا نعوذ بك أن تعنت كما نعوذ بك أن نعنت و نستكفيك أن تفضح كما نستكفيك أن نفضح. و قالوا إذا آنس المعلم من التلميذ سؤال التعنت حرم عليه تعليمه
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 327233وَ قَالَ ع لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي شَيْ ءٍ لَمْ يُوَافِقْ رَأْيَهُ لَكَ أَنْ تُشِيرَ عَلَيَّ وَ أَرَى فَإِذَا عَصَيْتُكَ فَأَطِعْنِالإمام أفضل من الرعية رأيا و تدبيرا فالواجب على من يشير عليه بأمر فلا يقبل أن يطيع و يسلم و يعلم أن الإمام قد عرف من المصلحة ما لم يعرف. و لقد أحسن الصابي في قوله في بعض رسائله و لو لا فضل الرعاة على الرعايا في بعد مطرح النظرة و استشفاف عيب العاقبة لتساوت الأقدام و تقاربت الأفهام و استغنى المأموم عن الإمام
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 328234وَ رُوِيَ أَنَّهُ ع لَمَّا وَرَدَ الْكُوفَةَ قَادِماً مِنْ صِفِّينَ مَرَّ بِالشِّبَامِيِّينَ فَسَمِعَ بُكَاءَ النِّسَاءِ عَلَى قَتْلَى صِفِّينَ وَ خَرَجَ إِلَيْهِ حَرْبُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الشِّبَامِيِّ وَ كَانَ مِنْ وُجُو قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُ أَ يَغْلِبُكُمْ نِسَاؤُكُمْ عَلَى مَا أَسْمَعُ أَ لَا تَنْهَوْنَهُنَّ عَنْ هَذَا الرَّنِينِ وَ أَقْبَلَ حَرْبٌ يَمْشِي مَعَهُ وَ هُوَ ع رَاكِبٌ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ فَإِنَّ مَشْيَ مِثْلِكَ مَعَ مِثْلِي فِتْنَةٌ لِلْوَالِي وَ مَذَلَّةٌ لِلْمُؤْمِنِ
قد ذكرنا نسب الشباميين فيما اقتصصناه من أخبار صفين في أول الكتاب. و الرنين الصوت و إنما جعله فتنة للوالي لما يتداخله من العجب بنفسه و الزهو و لا ريب أيضا في أنه مذلة للمؤمن فإن الرجل الماشي إلى ركاب الفارس أذل الناس(20/133)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 329235وَ قَالَ ع وَ قَدْ مَرَّ بِقَتْلَى الْخَوَارِجِ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ بُؤْساً لَكُمْ لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ فَقِيلَ لَهُ مَنْ غَرَّهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ الشَّيْطَانُ الْمُضِلُّ وَ النَّفْسُ الْمَّارَةُ بِالسُّوءِ غَرَّتْهُمْ بِالْأَمَانِيِّ وَ فَسَحَتْ لَهُمْ فِي الْمَعَاصِي وَ وَعَدَتْهُمُ الْإِظْهَارَ فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ النَّارَ
يقال بؤسى لزيد و بؤسا بالتنوين لزيد فبؤسى نظيره نعمى و بؤسا نظيره نعمة ينتصب على المصدر. و هذا الكلام رد على المجبرة و تصريح بأن النفس الأمارة بالسوء هي الفاعلة. و الإظهار مصدر أظهرته على زيد أي جعلته ظاهرا عليه غالبا له أي وعدتهم الانتصار و الظفر
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 330236اتَّقُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ فِي الْخَلَوَاتِ فَإِنَّ الشَّاهِدَ هُوَ الْحَاكِمُإذا كان الشاهد هو الحاكم استغنى عمن يشهد عنده فالإنسان إذن جدير أن يتقى الله حق تقاته لأنه تعالى الحاكم فيه و هو الشاهد عليه(20/134)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 331237وَ قَالَ ع لَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ حُزْنَنَا عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ سُرُورِهِمْ بِهِ إِلَّا أَنَّهُمْ نُقِصُوا بَغِيضاً وَ نُقِصْنَا حَبِيباًقد تقدم ذكر مقتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنه و قال ع إن حزننا به في العظم على قدر فرحهم به و لكن وقع التفاوت بيننا و بينهم من وجه آخر و هو أنا نقصنا حبيبا إلينا و أما هم فنقصوا بغيضا إليهم. فإن قلت كيف نقصوا و معلوم أن أهل الشام ما نقصوا بقتل محمد شيئا لأنه ليس في عددهم. قلت لما كان أهل الشام يعدون في كل وقت أعداءهم و بغضاءهم من أهل العراق و صار ذلك العدد معلوما عندهم محصور الكمية نقصوا بقتل محمد من ذلك العدد واحدا فإن النقص ليس من عدد أصحابهم بل من عدد أعدائهم الذين كانوا يتربصون بهم الدوائر و يتمنون لهم الخطوب و الأحداث كأنه يقول استراحوا من واحد من جملة جماعة كانوا ينتظرون موتهم
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 332238وَ قَالَ ع الْعُمُرُ الَّذِي أَعْذَرَ اللَّهُ فِيهِ إِلَى ابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةًأعذر الله فيه أي سوغ لابن آدم أن يعتذر يعني أن ما قبل الستين هي أيام الصبا و الشبيبة و الكهولة و قد يمكن أن يعذر الإنسان فيه على اتباع هوى النفس لغلبة الشهوة و شرة الحداثة فإذا تجاوز الستين دخل في سن الشيخوخة و ذهبت عنه غلواء شرته فلا عذر له في الجهل. و قد قالت الشعراء نحو هذا المعنى في دون هذه السن التي عينها ع. و قال بعضهم
إذا ما المرء قصر ثم مرت عليه الأربعون عن الرجال و لم يلحق بصالحهم فدعه فليس بلاحق أخرى الليالي شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 333239مَا ظَفِرَ مَنْ ظَفِرَ الْإِثْمُ بِهِ وَ الْغَالِبُ بِالشَّرِّ مَغْلُوبٌقد قال ع نحو هذا و ذكرناه في هذا الكتاب
من قصر في الخصومة ظلم و من بالغ فيها أثم(20/135)

133 / 150
ع
En
A+
A-