المشهورأن عليا ع ناشد الناس الله في الرحبة بالكوفة فقال أنشدكم الله رجلا سمع رسول الله ص يقول لي و هو منصرف من حجة الوداع من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه فقام رجال فشهدوا بذلك فقال ع لأنس بن مالك لقد حضرتها فما بالك فقال يا أمير المؤمنين كبرت سني و صار ما أنساه أكثر مما أذكره فقال له إن كنت كاذبا فضربك الله بها بيضاء لا تواريها العمامة فما مات حتى أصابه البرص
فأما ما ذكره الرضي من أنه بعث أنسا إلى طلحة و الزبير فغير معروف و لو كان قد بعثه ليذكرهما بكلام يختص بهما من رسول الله ص لما أمكنه أن شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 218يرجع فيقول إني أنسيته لأنه ما فارقه متوجها نحوهما إلا و قد أقر بمعرفته و ذكره فكيف يرجع بعساعة أو يوم فيقول إني أنسيته فينكر بعد الإقرار هذا مما لا يقع. و قد ذكر ابن قتيبة حديث البرص و الدعوة التي دعا بها أمير المؤمنين ع على أنس بن مالك في كتاب المعارف في باب البرص من أعيان الرجال و ابن قتيبة غير متهم في حق علي ع على المشهور من انحرافه عنه
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 318219إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا وَ إِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَى النَّوَافِلِ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِهَا عَلَى الْفَرَائِضِلا ريب أن القلوب تمل كما تمل الأبدان و تقبل تارة على العلم و على العمل و تدبر تارة عنهما. قال علي ع فإذا رأيتموها مقبلة أي قد نشطت و ارتاحت للعمل فاحملوها على النوافل ليس يعني اقتصروا بها على النافلة بل أدوا الفريضة و تنفلوا بعد ذلك و إذا رأيتموها قد ملت العمل و سئمت فاقتصروا بها على الفرائض فإنه لا انتفاع بعمل لا يحضر القلب فيه(20/126)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 319220فِي الْقُرْآنِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَ خَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَ حُكْمُ مَا بَيْنَكُمْهذا حق لأن فيه أخبار القرون الماضية و فيه أخبار كثيرة عن أمور مستقبلة و فيه أخبار كثيرة شرعية فالأقسام الثلاثة كلها موجودة فيه
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 320221رُدُّوا الْحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ فَإِنَّ الشَّرَّ لَا يَدْفَعُهُ إِلَّا الشَّرُّهذا مثل قولهم في المثل إن الحديد بالحديد يفلح و قال عمرو بن كلثوم
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
و قال الفند الزماني
فلما صرح الشر فأمسى و هو عريان و لم يبق سوى العدوان دناهم كما دانواو بعض الحلم عند الجهل للذلة إذعان و في الشر نجاة حين لا ينجيك إحساو قال الأحنف
و ذي ضعن أمت القول عنه بحلمي فاستمر على المقال و من يحلم و ليس له سفيه يلاق المعضلات من الرجال شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 222و قال الراجزلا بد للسؤدد من أرماح و من عديد يتقي بالراح و من سفيه دائم النباحو قال آخر
و لا يلبث الجهال أن يتهضموا أخا الحلم ما لم يستعن بجهول
و قال آخر
و لا أتمنى الشر و الشر تاركي و لكن متى أحمل على الشر أركب(20/127)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 321223وَ قَالَ ع لِكَاتِبِهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَلِقْ دَوَاتَكَ وَ أَطِلْ جِلْفَةَ قَلَمِكَ وَ فَرِّجْ بَيْنَ السُّطُورِ وَ قَرْمِطْ بَيْنَ الْحُرُوفِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْدَرُ بِصَبَاحَةِ الْخَطِّلاق الحبر بالكاغد يليق أي التصق و لقته أنا يتعدى و لا يتعدى و هذه دواة مليقة أي قد أصلح مدادها و جاء ألق الدواة إلاقة فهي مليقة و هي لغة قليلة و عليها وردت كلمة أمير المؤمنين ع. و يقال للمرأة إذا لم تحظ عند زوجها ما عاقت عند زوجها و لا لاقت أي ما التصقت بقلبه. و تقول هي جلفة القلم بالكسر و أصل الجلف القشر جلفت الطين من رأس الدن و الجلفة هيئة فتحة القلم التي يستمد بها المداد كما تقول هو حسن الركبة و الجلسة و نحو ذلك من الهيئات. و تقول قد قرمط فلان خطوه إذا مشى مشيا فيه ضيق و تقارب و كذلك القول في تضييق الحروف. فأما التفريج بين السطور فيكسب الخط بهاء و وضوحا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 322224أَنَا يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمَالُ يَعْسُوبُ الْفُجَّارِ قال معنى ذلك أن المؤمنين يتبعونني و الفجار يتبعون المال كما تتبع النحل يعسوبها و هو رئيسها
هذه كلمة قالها رسول الله ص بلفظين مختلفين تارة أنت يعسوب الدين و تارة أنت يعسوب المؤمنين و الكل راجع إلى معنى واحد كأنه جعله رئيس المؤمنين و سيدهم أو جعل الدين يتبعه و يقفو أثره حيث سلك كما يتبع النحل اليعسوب و هذا نحو قوله و أدر الحق معه كيف دار
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 323225وَ قَالَ لِبَعْضِ الْيَهُودِ حِينَ قَالَ لَهُ مَا دَفَنْتُمْ نَبِيَّكُمْ حَتَّى اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَقَالَ لَهُ إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنْهُ لَا فِيهِ وَ لَكِنَّكُمْ مَا جَفَّتْ أَرْجُلُكُمْ مِنَ الْبَحْرِ حَتَّى قُلْتُ لِنَبِيِّكُمْ اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ(20/128)
ما أحسن قوله اختلفنا عنه لا فيه و ذلك لأن الاختلاف لم يكن في التوحيد و النبوة بل في فروع خارجة عن ذلك نحو الإمامة و الميراث و الخلاف في الزكاة هل هي واجبة أم لا و اليهود لم يختلفوا كذلك بل في التوحيد الذي هو الأصل. قال المفسرون مروا على قوم يعبدون أصناما لهم على هيئة البقر فسألوا موسى أن يجعل لهم إلها كواحد منها بعد مشاهدتهم الآيات و الأعلام و خلاصهم من رق العبودية و عبورهم البحر و مشاهدة غرق فرعون و هذه غاية الجهل و قد روي حديث اليهودي على وجه آخر
قيل قال يهودي لعلي ع اختلفتم بعد نبيكم و لم يجف ماؤه يعني غسله ص فقال ع و أنتم قلتم اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ و لما يجف ماؤكم
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 324226وَ قِيلَ لَهُ ع بِأَيِّ شَيْ ءٍ غَلَبْتَ الْأَقْرَانَ قَالَ مَا لَقِيتُ أَحَداً إِلَّا أَعَانَنِي عَلَى نَفْسِه قال الرضي رحمه الله تعالى يومئ بذلك إلى تمكن هيبته في القلوب
قالت الحكماء الوهم مؤثر و هذا حق لأن المريض إذا تقرر في وهمه أن مرضه قاتل له ربما هلك بالوهم و كذلك من تلسبه الحية و يقع في خياله أنها قاتلته فإنه لا يكاد يسلم منها و قد ضربوا لذلك مثالا الماشي على جذع معترض على مهواة فإن وهمه و تخيله السقوط يقتضي سقوطه و إلا فمشيه عليه و هو منصوب على المهواة كمشيه عليه و هو ملقى على الأرض لا فرق بينهما إلا الوهم و الخوف و الإشفاق و الحذر فكذلك الذين بارزوا عليا ع من الأقران لما كان قد طار صيته و اجتمعت الكلمة أنه ما بارزه أحد إلا كان المقتول غلب الوهم عليهم فقصرت أنفسهم عن مقاومته و انخذلت أيديهم و جوارحهم عن مناهضته و كان هو في الغاية القصوى من الشجاعة و الإقدام فيقتحم عليهم و يقتلهم(20/129)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 325227وَ قَالَ ع لِابنْهِ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْفَقْرَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ فَإِنَّ الْفَقْرَ مَنْقَصَةٌ لِلدِّينِ مَدْهَشَةٌ لِلْعَقْلِ دَاعِيَةٌ لِلْمَقْتِنبذ من الأقوال الحكيمة في الفقر و الغنى
هذا موضع قد اختلف الناس فيه كثيرا ففضل قوم الغنى و فضل قوم الفقر فقال أصحاب الغنى قد وصف الله تعالى المال فسماه خيرا فقال إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي و قال ممتنا على عباده واعدا لهم بالإنعام و الإحسان وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ و قال وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً. و
قال النبي ص المال الحسب إن أحساب أهل الدنيا هذا المال
و قال ع نعم العون على تقوى الله المال
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 228قالوا و لا ريب أن الأعمال الجليلة العظيمة الثواب لا يتهيأ حصولها إلا بالمال كالحج و الوقوف و الصدقات و الزكوات و الجهاد. و قد جاء في الخبر خير المال سكة مأبورة أو مهرة مأمورة
و قالت الحكماء المال يرفع صاحبه و إن كان وضيع النسب قليل الأدب و ينصره و إن كان جبانا و يبسط لسانه و إن كان عيا به توصل الأرحام و تصان الأعراض و تظهر المروءة و تتم الرئاسة و يعمر العالم و تبلغ الأغراض و تدرك المطالب و تنال المآرب يصلك إذا قطعك الناس و ينصرك إذا خذلوك و يستعبد لك الأحرار و لو لا المال لما بان كرم الكريم و لا ظهر لؤم اللئيم و لا شكر جواد و لا ذم بخيل و لا صين حريم و لا أدرك نعيم. و قال الشاعر
المال أنفع للفتى من علمه و الفقر أقتل للفتى من جهله ما ضر من رفع الدراهم قدره جهل يناط إلى دناءة أصلهو قال آخر
دعوت أخي فولى مشمئزا و لبى درهمي لما دعوت
و قال آخر
و لم أر أوفى ذمة من دراهمي و أصدق عهدا في الأمور العظائم فكم خانني خل وثقت بعهده و كان صديقا لي زمان الدراهمو قال آخر(20/130)