إذا كنت بين الجهل و الحلم قاعدا و خيرت أنى شئت فالعلم أفضل و لكن إذا أنصفت من ليس منصفا و لم يرض منك الحلم فالجهل أمثل إذا جاءني من يطلب الجهل عامدا فإني سأعطيه الذي هو سائ شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 305205مَا أَهَمَّنِي أَمْرٌ أُمْهِلْتُ بَعْدَهُ حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَ أَسْأَلَ اللَّهَ الْعَافِيَةَهذا فتح لباب التوبة و تطريق إلى طريقها و تعليم للنهضة إليها و الاهتمام بها و معنى الكلام أن الذنب الذي لا يعاجل الإنسان عقيبه بالموت ينبغي للإنسان ألا يهتم به أي لا ينقطع رجاؤه عن العفو و تأميله الغفران و ذلك بأن يقوم إلى الصلاة عاجلا و يستغفر الله و يندم و يعزم على ترك المعاودة و يسأل الله العافية من الذنوب و العصمة من المعاصي و العون على الطاعة فإنه إذا فعل ذلك بنية صحيحة و استوفى شرائط التوبة سقط عنه عقاب ذلك الذنب. و في هذا الكلام تحذير عظيم من مواقعة الذنوب لأنه إذا كان هذا هو محصول الكلام فكأنه قد قال الحذر الحذر من الموت المفاجئ قبل التوبة و لا ريب أن الإنسان ليس على ثقة من الموت المفاجئ قبل التوبة إنه لا يفاجئه و لا يأخذه بغتة فالإنسان إذا كان عاقلا بصيرا يتوقى الذنوب و المعاصي التوقي(20/121)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 306206وَ سُئِلَ ع كَيْفَ يُحَاسِبُ اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَى كَثْرَتِهِمْ فَقَالَ كَمَا يَرْزُقُهُمْ عَلَى كَثْرَتِهِمْ فَقِيلَ كَيْفَ يُحَاسِبُهُمْ وَ لَا يَرَوْنَهُ فَقَالَ كَمَا يَرْزُقُهُمْ وَ لَا يَرَوْنَهُهذا جواب صحيح لأنه تعالى لا يرزقهم على الترتيب أعني واحدا بعد واحد و إنما يرزقهم جميعهم دفعة واحدة و كذلك تكون محاسبتهم يوم القيامة. و الجواب الثاني صحيح أيضا لأنه إذا صح أن يرزقنا و لا نرى الرازق صح أن يحاسبنا و لا نرى المحاسب. فإن قلت فقد ورد أنهم يمكثون في الحساب ألف سنة و قيل أكثر من ذلك فكيف يجمع بين ما ورد في الخبر و بين قولكم إن حسابهم يكون ضربة واحدة و لا ريب أن الأخبار تدل على أن الحساب يكون لواحد بعد واحد. قلت إن أخبار الآحاد لا يعمل عليها لا سيما الأخبار الواردة في حديث الحساب و النار و الجنة فإن المحدثين طعنوا في أكثرها و قالوا إنها موضوعة و جملة الأمر أنه ليس هناك تكليف فيقال إن ترتيب المحاسبة في زمان طويل جدا يتضمن لطفا في التكليف فيفعله الباري تعالى لذلك و إنما الغرض من المحاسبة صدق الوعد و ما سبق من القول و الكتاب العزيز لم ينطق إلا بالمحاسبة مجملة فوجب القول بالمتيقن المعلوم فيها و رفض ما لم يثبت
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 307207رَسُولُكَ تَرْجُمَانُ عَقْلِكَ وَ كِتَابُكَ أَبْلَغُ مَا يَنْطِقُ عَنْكَقالوا في المثل الرسول على قدر المرسل و قيل أيضا رسولك أنت إلا أنه إنسان آخر و قال الشاعر
تخير إذا ما كنت في الأمر مرسلا فمبلغ آراء الرجال رسولهاو رو و فكر في الكتاب فإنما بأطراف أقلام الرجال عقولها(20/122)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 308208مَا الْمُبْتَلَى الَّذِي قَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْبَلَاءُ بِأَحْوَجَ إِلَى الدُّعَاءِ مِنَ الْمُعَافَى الَّذِي لَا يَأْمَنُ الْبَلَاءَهذا ترغيب في الدعاء و الذي قاله ع حق لأن المعافى في الصورة مبتلى في المعنى و ما دام الإنسان في قيد هذه الحياة الدنيا فهو من أهل البلاء على الحقيقة ثم لا يأمن البلاء الحسي فوجب أن يتضرع إلى الله تعالى أنه ينقذه من بلاء الدنيا المعنوي و من بلائها الحسي في كل حال و لا ريب أن الأدعية مؤثرة و أن لها أوقات إجابة و لم يختلف المليون و الحكماء في ذلك
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 309209النَّاسُ أَبْنَاءُ الدُّنْيَا وَ لَا يُلَامُ الرَّجُلُ عَلَى حُبِّ أُمِّهِقد قال ع في موضع آخر الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم
و قال الشاعر
و نحن بني الدنيا غذينا بدرها و ما كنت منه فهو شي ء مجيب شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 310210إِنَّ الْمِسْكِينَ رَسُولُ اللَّهِ فَمَنْ مَنَعَهُ فَقَدْ مَنَعَ اللَّهَ وَ مَنْ أَعْطَاهُ فَقَدْ أَعْطَى اللَّهَهذا حض على الصدقة و قد تقدم لنا قول مقنع فيها. و
في الحديث المرفوع اتقوا النار و لو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة
و قال ص لو صدق السائل لما أفلح من رده
و قال أيضا من رد سائلا خائبا لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام
و كان ص لا يكل خصلتين إلى غيره كان يصنع طهوره بالليل و يخمره و كان يناول المسكين بيده. و قال بعض الصالحين من لم تكن نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته و ضرب بها وجهه. و قال بعضهم الصلاة تبلغك نصف الطريق و الصوم يبلغك باب الملك و الصدقة تدخلك عليه(20/123)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 311211مَا زَنَى غَيُورٌ قَطُّ قد جاء في الأثر من زنى زني به و لو في عقب عقبهو هذا قد جرب فوجد حقا و قل من ترى مقداما على الزنا إلا و القول في حرمه و أهله و ذوي محارمه كثير فاش. و الكلمة التي قالها ع حق لأن من اعتاد الزنا حتى صار دربته و عادته و ألفته نفسه لا بد أن يهون عليه حتى يظنه مباحا أو كالمباح لأن من تدرب بشي ء و مرن عليه زل قبحه من نفسه و إذا زال قبح الزنا من نفسه لم يعظم عليه ما يقال في أهله و إذا لم يعظم عليه ما يقال في أهله فقد سقطت غيرته
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 312212كَفَى بِالْأَجَلِ حَارِساً قد تقدم القول في هذا المعنى و كان ع يقول إن علي من الله جنة حصينة فإذا جاء يومي أسلمتني فحينئذ لا يطيش السهم و لا يبرأ الكلم
و القول في الأجل و كونه حارسا شعبة من شعب القول في القضاء و القدر و له موضع هو أملك به
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 313213يَنَامُ الرَّجُلُ عَلَى الثُّكْلِ وَ لَا يَنَامُ عَلَى الْحَرَبِ قال السيد و معنى ذلك أنه يصبر على قتل الأولاد و لا يصبر على سلب الأموال
كان يقال المال عدل النفس. و
في الأثر أن من قتل من دون ماله فهو شهيد
و قال الشاعر
لنا إبل غر يضيق فضاؤها و يغبر عنها أرضها و سماؤهافمن دونها أن تستباح دماؤنا و من دوننا أن تستباح دماؤهاحمى و قرى فالموت دون مرامها و أيسر أمر يوم حق فناؤها
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 314214مَوَدَّةُ الآْبَاءِ قَرَابَةٌ بَيْنَ الْأَبْنَاءِ وَ الْقَرَابَةُ أَحْوَجُ إِلَى الْمَوَدَّةِ مِنَ الْمَوَدَّةِ إِلَى الْقَرَابَةِكان يقال الحب يتوارث و البغض يتوارث و قال الشاعر
أبقى الضغائن آباء لنا سلفوا فلن تبيد و للآباء أبناء(20/124)
و لا خير في القرابة من دون مودة و قد قال القائل لما قيل له أيما أحب إليك أخوك أم صديقك فقال إنما أحب أخي إذا كان صديقا فالقربى محتاجة إلى المودة و المودة مستغنية عن القربى
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 315215اتَّقُوا ظُنُونَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْكان يقال ظن المؤمن كهانة و هو أثر جاء عن بعض السلف قال أوس بن حجر
الألمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى و قد سمعا
و قال أبو الطيب
ذكي تظنيه طليعة عينه يرى قلبه في يومه ما يرى غدا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 316216لَا يَصْدُقُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَكُونَ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِهِهذا كلام في التوكل و قد سبق القول فيه و قال بعض العلماء لا يشغلك المضمون لك من الرزق عن المفروض عليك من العمل فتضيع أمر آخرتك و لا تنال من الدنيا إلا ما كتب الله لك. و قال يحيى بن معاذ في جود العبد الرزق عن غير طلب دلالة على أن الرزق مأمور بطلب العبد. و قال بعضهم متى رضيت بالله وكيلا وجدت إلى كل خير سبيلا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 317217وَ قَالَ ع لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَ قَدْ كَانَ بَعَثَهُ إِلَى طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ لَمَّا جَاءَ إِلَى الْبَصْرَةِ يُذَكِّرُهُمَا شَيْئاً قَدْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي مَعْنَاهُمَا فَلَوَى عَنْ ذَلِكَ فَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي أُنْسِيتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ فَقَالَ ع إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَضَرَبَكَ اللَّهُ بِهَا بَيْضَاءَ لَامِعَةً لَا تُوَارِيهَا الْعِمَامَةُ
قال يعني البرص فأصاب أنسا هذا الداء فيما بعد في وجهه فكان لا يرى إلا متبرقعا(20/125)