أبو هريرة ما شبع رسول الله ص و أهله ثلاثة أيام متوالية من خبز حنطة حتى فارق الدنيا
و روى مسروق قال دخلت على عائشة و هي تبكي فقلت ما يبكيك قالت ما أشاء أن أبكي إلا بكيت مات رسول الله ص و لم يشبع من خبز البر في يوم مرتين ثم انهارت علينا الدنيا. حاتم الطائي
و إني لأستحيي صحابي أن يروا مكان يدي من جانب الزاد أقرعاأقصر كفي أن تنال أكفهم إذا نحن أهوينا و حاجاتنا معاأبيت خميص البطن مضطمر الحشا حياء أخاف الضيم أن أتضلعا(20/111)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 190فإنك إن أعطيت نفسك سؤلها و فرجك نالا منتهى الذم أجمعفأما قوله ع كان لا يتشهى ما لا يجد فإنه قد نهى أن يتشهى الإنسان ما لا يجد و قالوا إنه دليل على سقوط المروءة. و قال الأحنف جنبوا مجالسنا ذكر تشهي الأطعمة و حديث النكاح. و قال الجاحظ جلسنا في دار فجعلنا نتشهى الأطعمة فقال واحد و أنا أشتهي سكباجا كثيرة الزعفران و قال آخر أنا أشتهي طباهجة ناشفة و قال آخر أنا أشتهي هريسة كثيرة الدارصيني و إلى جانبنا امرأة بيننا و بينها بئر الدار فضربت الحائط و قالت أنا حامل فأعطوني مل ء هذه الغضارة من طبيخكم فقال ثمامة جارتنا تشم رائحة الأماني شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 296191لَوْ لَمْ يَتَوَعَّدِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ لَكَانَ يَجِبُ أَلَّا يُعْصَى شُكْراً لِنِعَمِهِقالت المعتزلة إنا لو قدرنا أن الوعيد السمعي لم يرد لما أخل ذلك بكون الواجب واجبا في العقل نحو العدل و الصدق و العلم و رد الوديعة هذا في جانب الإثبات و أما في جانب السلب فيجب في العقل ألا يظلم و ألا يكذب و ألا يجهل و ألا يخون الأمانة ثم اختلفوا فيما بينهم فقالت معتزلة بغداد ليس الثواب واجبا على الله تعالى بالعقل لأن الواجبات إنما تجب على المكلف لأن أداءها كالشكر لله تعالى و شكر المنعم واجب لأنه شكر منعم فلم يبق وجه يقتضي وجوب الثواب على الله سبحانه و هذا قريب من قول أمير المؤمنين ع. و قال البصريون بل الثواب واجب على الله تعالى عقلا كما يجب عليه العوض عن إيلام الحي لأن التكليف إلزام بما فيه مضرة كما أن الإيلام إنزال مضرة و الإلزام كالإنزال(20/112)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 297192وَ قَالَ ع لِلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ وَ قَدْ عَزَّاهُ عَنِ ابْنٍ لَهُ يَا أَشْعَثُ إِنْ تَحْزَنْ عَلَى ابْنِكَ فَقَدِ اسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ مِنْكَ الرَّحِمُ وَ إِنْ تَصْبِرْ فَفِي اللَّهِ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ خَلَفٌ يَا أَشَثُ إِنْ صَبَرْتَ جَرَى عَلَيْكَ الْقَدَرُ وَ أَنْتَ مَأْجُورٌ وَ إِنْ جَزِعْتَ جَرَى عَلَيْكَ الْقَدَرُ وَ أَنْتَ مَأْزُورٌ يَا أَشْعَثُ ابْنُكَ سَرَّكَ وَ هُوَ بَلَاءٌ وَ فِتْنَةٌ وَ حَزَنَكَ وَ هُوَ ثَوَابٌ وَ رَحْمَةٌ
قد روي هذا الكلام عنه ع على وجوه مختلفة و روايات متنوعة هذا الوجه أحدها و أخذ أبو العتاهية ألفاظه ع فقال لمن يعزيه عن ولد
و لا بد من جريان القضاء إما مثابا و إما أثيما
و من كلامهم في التعازي إذا استأثر الله بشي ء فاله عنه و تنسب هذه الكلمة إلى عمر بن عبد العزيز. و ذكر أبو العباس في الكامل أن عقبة بن عياض بن تميم أحد بني عامر بن لؤي استشهد فعزى أباه معز فقال احتسبه و لا تجزع عليه فقد مات شهيدا فقال عياض أ تراني كنت أسر ب و هو من زينة الحياة الدنيا و أساء به و هو من الباقيات الصالحات. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 193و هذا الكلام مأخوذ من كلام أمير المؤمنين ع. و من التعازي الجيدة قول القائلو من لم يزل غرضا للمنون يتركه كل يوم عميدافإن هن أخطأنه مرة فيوشك مخطئها أن يعودافبينا يحيد و أخطأنه قصدن فأعجلنه أن يحيدا
و قال آخر
هو الدهر قد جربته و عرفته فصبرا على مكروهه و تجلداو ما الناس إلا سابق ثم لاحق و فائت موت سوف يلحقه غدا
و قال آخر
أينا قدمت صروف الليالي فالذي أخرت سريع اللحاق غدرات الأيام منتزعات عنقينا من أنس هذا العناقابن نباتة السعدي
نعلل بالدواء إذا مرضنا و هل يشفي من الموت الدواءو نختار الطبيب و هل طبيب يؤخر ما يقدمه القضاءو ما أنفاسنا إلا حساب و ما حركاتنا إلا فناء
البحتري(20/113)


إن الرزية في الفقيد فإن هفا جزع بلبك فالرزية فيكاو متى وجدت الناس إلا تاركا لحميمه في الترب أو متروكالو ينجلي لك ذخرها من نكبة جلل لأضحكك الذي يبكيكا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 194و كتب بعضهم إلى صديق له مات ابنه كيف شكرك لله تعالى على ما أخذ من وديعته و عوض من مثوبته. و عزى عمر بن الخطاب أبا بكر عن طفل فقال عوضك الله منه ما عوضه منك فإن الطفل يعوض من أبويه الجنة. و في الحديث المرفوع من عزى مصابا كان له مثل أجره
و قال ع من كنوز السر كتمان المصائب و كتمان الأمراض و كتمان الصدقة
و قال شاعر في رثاء ولده
و سميته يحيى ليحيا و لم يكن إلى رد أمر الله فيه سبيل تخيرت فيه الفأل حين رزقته و لم أدر أن الفأل فيه يفيلو قال آخر
و هون وجدي بعد فقدك أنني إذا شئت لاقيت امرأ مات صاحبه
آخر
و قد كنت أرجو لو تمليت عيشة عليك الليالي مرها و انتقالهافأما و قد أصبحت في قبضة الردى فقل لليالي فلتصب من بدا لها
أخذه المتنبئ فقال
قد كنت أشفق من دمعي على بصري فاليوم كل عزيز بعدكم هانا
و مثله لغيره
فراقك كنت أخشى فافترقنا فمن فارقت بعدك لا أبالي
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 298195وَ قَالَ ع عِنْدَ وقُوُفِهِ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ ص سَاعَةَ دُفِنَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ الصَّبْرَ لَجَمِيلٌ إِلَّا عَنْكَ وَ إِنَّ الْجَزَعَ لَقَبِيحٌ إِلَّا عَلَيْكَ وَ إِنَّ الْمُصَابَ بِكَ لَجَلِيلٌ وَ إِنَّ بَعْدَكَ لَقَلِيلٌ
قد أخذت هذا المعنى الشعراء فقال بعضهم
أمست بجفني للدموع كلوم حزنا عليك و في الخدود رسوم و الصبر يحمد في المواطن كلها إلا عليك فإنه مذمومو قال أبو تمام
و قد كان يدعى لابس الصبر حازما فقد صار يدعى حازما حين يجزع
و قال أبو الطيب
أجد الجفاء على سواك مروءة و الصبر إلا في نواك جميلا
و قال أبو تمام أيضا
الصبر أجمل غير أن تلذذا في الحب أولى أن يكون جميلا(20/114)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 196و قالت خنساء أخت عمرو بن الشريدأ لا يا صخر إن أبكيت عيني لقد أضحكتني دهرا طويلابكيتك في نساء معولات و كنت أحق من أبدى العويلادفعت بك الجليل و أنت حي فمن ذا يدفع الخطب الجليلاإذا قبح البكاء على قتيل رأيت بكاءك الحسن الجميلا
و مثل قوله ع و إنه بعدك لقليل يعني المصاب أي لا مبالاة بالمصائب بعد المصيبة بك قول بعضهم
قد قلت للموت حين نازله و الموت مقدامة على البهم اذهب بمن شئت إذ ظفرت به ما بعد يحيى للموت من ألمو قال الشمردل اليروعي يرثي أخاه
إذا ما أتى يوم من الدهر بيننا فحياك عنا شرقه و أصائله أبى الصبر أن العين بعدك لم تزل يحالف جفنيها قذى ما تزايله و كنت أعير الدمع قبلك من بكى فأنت على من مات بعدك شاغله أ عيني إذ أبكاكما الدهر فابكيا لمن نصره قد بان عنا و نائله و كنت به أغشى القتال فعزنيه من المقدار من لا أقاتله لعمرك إن الموت منا لمولع بمن كان يرجى نفعه و فواضلهقوله فأنت على من مات بعدك شاغله هو المعنى الذي نحن فيه و ذكرنا سائر الأبيات لأنها فائقة بعيدة النظير. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 197و قال آخر يرثي رجلا اسمه جاريةأ جاري ما أزداد إلا صبابة عليك و ما تزداد إلا تنائياأ جاري لو نفس فدت نفس ميت فديتك مسرورا بنفسي و مالياو قد كنت أرجو أن أراك حقيقة فحال قضاء الله دون قضائياألا فليمت من شاء بعدك إنما عليك من الأقدار كان حذاريا
و من الشعر المنسوب إلى علي ع و يقال إنه قاله يوم مات رسول الله ص
كنت السواد لناظري فبكى عليك الناظرمن شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر
. و من شعر الحماسة(20/115)

129 / 150
ع
En
A+
A-