تهرم و تسقم يمله طبيبه و يعرض عنه حبيبه و ينقطع غمده و يتغير عقله ثم قيل هو موعوك و جسمه منهوك ثم جد في نزع شديد و حضره كل قريب و بعيد فشخص بصره و طمح نظره و رشح جبينه و عطف عرينه و سكن حنينه و حزنته نفسه و بكته عرسه و حفر رمسه و يتم منه ولده و تفرق منه عدده و قسم جمعه و ذهب بصره و سمعه و مدد و جرد و عري و غسل و نشف و سجي و بسط له و هيئ و نشر عليه كفنه و شد منه ذقنه و قمص و عمم و ودع و سلم و حمل فوق سرير و صلي عليه بتكبير و نقل من دور مزخرفة و قصور مشيدة و حجر منجدة و جعل في ضريح ملحود(20/81)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 142و ضيق مرصود بلبن منضود مسقف بجلمود و هيل عليه حفره و حثي عليه مدره و تحقق حذره و نسي خبره و رجع عنه وليه و صفيه و نديمه و نسيبه و تبدل به قرينه و حبيبه فهو حشو قبر و رهين قفر يسعى بجسمه دود قبره و يسيل صديده من منخره يسحق ته لحمه و ينشف دمه و يرم عظمه حتى يوم حشره فنشر من قبره حين ينفخ في صور و يدعى بحشر و نشور فثم بعثرت قبور و حصلت سريرة صدور و جي ء بكل نبي و صديق و شهيد و توحد للفصل قدير بعبده خبير بصير فكم من زفرة تضنيه و حسرة تنضيه في موقف مهول و مشهد جليل بين يدي ملك عيم و بكل صغير و كبير عليم فحينئذ يلجمه عرقه و يحصره قلقه عبرته غير مرحومة و صرخته غير مسموعة و حجته غير مقولة زالت جريدته و نشرت صحيفته نظر في سوء عمله و شهدت عليه عينه بنظره و يده ببطشه و رجله بخطوه و فرجه بلمسه و جلده بمسه فسلسل جيده و غلت يده و سيق فسحب وحده فورد جهنم بكرب و شدة فظل يعذب في جحيم و يسقى شربة من حميم تشوي وجهه و تسلخ جلده و تضربه زبنية بمقمع من حديد و يعود جلده بعد نضجه كجلد جديد يستغيث فتعرض عنه خزنة جهنم و يستصرخ فيلبث حقبة يندم. نعوذ برب قدير من شر كل مصير و نسأله عفو من رضي عنه و مغفرة من قبله فهو ولي مسألتي و منجح طلبتي فمن زحزح عن تعذيب ربه جعل في جنته بقربه و خلد في قصور مشيدة و ملك بحور عين و حفدة و طيف عليه بكئوس أسكن في حظيرة قدوس و تقلب في نعيم و سقي من تسنيم و شرب من عين سلسبيل و مزج له بزنجبيل مختم بمسك و عبير مستديم للملك مستشعر للسرر يشرب من خمور في روض مغدق ليس يصدع من شربه و ليس ينزف. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 143هذه منزلة من خشي ربه و حذر نفسه معصيته و تلك عقوبة من جحد مشيئته و سولت له نفسه معصيته فهو قول فصل و حكم عدل و خبر قصص قص و وعظ نص تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍزل به روح قدس مبين على قلب نبي مهتد رشيد صلت عليه رسل سفرة مكرمون(20/82)


بررة عذت برب عليم رحيم كريم من شر كل عدو لعين رجيم فليتضرع متضرعكم و ليبتهل مبتهلكم و ليستغفر كل مربوب منكم لي و لكم و حسبي ربي وحده
فصيلة الرجل رهطه الأدنون و كدح سعى سعيا فيه تعب و فرغته الواحدة من الفراغ تقول فرغت فرغة كقولك ضربت ضربة و سجى الميت بسط عليه رداء و نشر الميت من قبره بفتح النون و الشين و أنشره الله تعالى. و بعثرت قبور انتثرت و نبشت. قوله و سيق بسحب وحده لأنه إذا كان معه غيره كان كالمتأسي بغيره فكان أخف لألمه و عذابه و إذا كان وحده كان أشد ألما و أهول و روي فسيق يسحب وحده و هذا أقرب إلى تناسب الفقرتين و ذاك أفخم معنى. و زبنية على وزن عفرية واحد الزبانية و هم عند العرب الشرط و سمي بذلك بعض الملائكة لدفعهم أهل النار إليها كما يفعل الشرط في الدنيا و من أهل اللغة من يجعل واحد الزبانية زباني و قال بعضهم زابن و منهم من قال هو جمع لا واحد له نحو أبابيل و عباديد و أصل الزبن في اللغة الدفع و منه ناقة زبون تضرب حالبها و تدفعه. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 144و تقول ملك زيد بفلانة بغيألف و الباء هاهنا زائدة كما زيدت في كَفى بِاللَّهِ حَسِيباً و إنما حكمنا بزيادتها لأن العرب تقول ملكت أنا فلانة أي تزوجتها و أملكت فلانة بزيد أي زوجتها به فلما جاءت الباء هاهنا و لم يكن بد من إثبات الألف لأجل مجيئها جعلناها زائدة و صار تقديره و ملك حورا عينا. و قال المفسرون في تسنيم إنه اسم ماء في الجنة سمي بذلك لأنه يجري من فوق الغرف و القصور. و قالوا في سلسبيل إنه اسم عين في الجنة ليس ينزف و لا يخمر كما يخمر شارب الخمر في الدنيا. انقضى هذا الفصل ثم رجعنا إلى سنن الغرض الأول(20/83)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 267145وَ قَالَ ع لَمَّا بَلَغَهُ إِغَارَةُ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْأَنْبَارِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ مَاشِياً حَتَّى أَتَى النُّخَيْلَةَ وَ أَدْرَكَهُ النَّاسُ وَ قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَحْنُ نَكْفِيكَهُمْ فَقََ ع وَ اللَّهِ مَا تَكْفُونَنِي أَنْفُسَكُمْ فَكَيْفَ تَكْفُونَنِي غَيْرَكُمْ إِنْ كَانَتِ الرَّعَايَا قَبْلِي لَتَشْكُو حَيْفَ رُعَاتِهَا فَإِنِّي الْيَوْمَ لَأَشْكُو حَيْفَ رَعِيَّتِي كَأَنَّنِي الْمَقُودُ وَ هُمُ الْقَادَةُ أَوِ الْمَوْزُوعُ وَ هُمُ الْوَزَعَةُ
قال فلما قال هذا القول في كلام طويل قد ذكرنا مختاره في جملة الخطب تقدم إليه رجلان من أصحابه فقال أحدهما إني لا أملك إلا نفسي و أخي فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنين ننفذ فقال و أين تقعان مما أريد
السنن الطريقة يقال تنح عن السنن أي عن وجه الطريق و النخيلة بظاهر الكوفة و روي ما تكفوني بحذف النون و الحيف الظلم و الوزعة جمع وازع و هو الدافع الكاف. و معنى قوله ما تكفونني أنفسكم أي أفعالكم رديئة قبيحة تحتاج إلى جند غيركم شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 146أعين بهم على تثقيفكم و تهذيبكم فمن هذه حاله كيف أثقف به غيره و أهذب به سواه. و إن كانت الرعايا إن هاهنا مخففة من الثقيلة و لذلك دخلت اللام في جوابها و قد تقدم ذكرنا هذين الرجلين و إن أحدهما قال يا أمير المؤمنين أقول لك ما قاله العبد الصالح رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي فشكر لهما و قال و أين تقعان مما أريد(20/84)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 268147وَ قِيلَ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ حَوْطٍ أَتَاهُ ع فَقَالَ لَهُ أَ تَرَانِي أَظُنُّ أَنَّ أَصْحَابَ الْجَمَلِ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ فَقَالَ ع يَا حَارِ إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ وَ لَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ إِنَّكَ مْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ أَهْلَهُ وَ لَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ فَقَالَ الْحَارِثُ فَإِنِّي أَعْتَزِلُ مَعَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ ع إِنَّ سَعْداً وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ وَ لَمْ يَخْذُلَا الْبَاطِلَ
اللفظة التي وردت قبل أحسن من هذه اللفظة و هي أولئك قوم خذلوا الحق و لم ينصروا الباطل و تلك كانت حالهم فإنهم خذلوا عليا و لم ينصروا معاوية و لا أصحاب الجمل. فأما هذه اللفظة ففيها إشكال لأن سعدا و عبد الله لعمري إنهما لم ينصرا الحق و هو جانب علي ع لكنهما خذلا الباطل و هو جانب معاوية و أصحاب الجمل فإنهم لم ينصروهم في حرب قط لا بأنفسهم و لا بأموالهم و لا بأولادهم فينبغي شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 148أن نتأول كلامه فنقول إنه ليس يعني بالخذلان عدم المساعدة في الحرب بل يعني بالخذلان هاهنا كل ما أثر في محق الباطل إزالته قال الشاعر يصف فرسا
و هو كالدلو بكف المستقي خذلت عنه العراقي فانجذم(20/85)

123 / 150
ع
En
A+
A-