قال كان علي ع يعلمنا الصلاة على شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 135رسول الله ص فيقول اللهم داحي المدحوات و بارئ المسموكات و جبار القلوب على فطراتها شقيها و سعيدها اجعل شرائف صلواتك و نوامي بركاتك و رأفة تحياتك على محمد عبدك و رسولك الفاتح لما أغلق و الخاتم ل سبق و المعلن الحق بالحق و الدامغ جيشات الأباطيل كما حملته فاضطلع بأمرك لطاعتك مستوفزا في مرضاتك لغير نكل في قدم و لا وهن في عزم داعيا لوحيك حافظا لعهدك ماضيا على نفاذ أمرك حتى أورى قبسا لقابس آلاء الله تصل بأهله أسبابه به هديت القلوب بعد خوضات الفتن و الإثم موضحات الأعلام و نائرات الأحكام و منيرات الإسلام فهو أمينك المأمون و خازن علمك المخزون و شهيدك يوم الدين و بعيثك نعمة و رسولك بالحق رحمة اللهم افسح له مفسحا في عدلك و اجزه مضاعفات الخير من فضلك مهنآت غير مكدرات من فوز ثوابك المحلول و جزل عطائك المعلول اللهم أعل على بناء البانين بناءه و أكرم مثواه لديك و نزله و أتمم له نوره و اجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة مرضي المقالة ذا منطق عدل و خطة فصل و برهان عظيم
قال ابن قتيبة داحي المدحوات أي باسط الأرضين و كان الله تعالى خلقها ربوة ثم بسطها قال سبحانه وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها و كل شي ء بسطته فقد دحوته و منه قيل لموضع بيض النعامة أدحي لأنها تدحوه للبيض أي توسعه و وزنه أفعول و بارئ المسموكات خالق السموات وكل شي ء رفعته و أعليته فقد سمكته و سمك البيت و الحائط ارتفاعه قال الفرزدق إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز و أطول(20/76)


شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 136و قوله جبار القلوب على فطراتها من قولك جبرت العظم فجبر إذا كان مكسورا فلأمته و أقمته كأنه أقام القلوب و أثبتها على ما فطرها عليه من معرفته و الإقرار به شقيها و سعيدها قال و لم أجعل إجبارا هاهنا من أجبرت فلانا على الأمر إذا خلته فيه كرها و قسرته لأنه لا يقال من أفعل فعال لا أعلم ذلك إلا أن بعض القراء قرأ أهديكم سبيل الرشاد بتشديد الشين و قال الرشاد الله فهذا فعال من أفعل و هي قراءة شاذة غير مستعملة فأما قول الله عز و جل وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فإنه أراد و ما أنت عليهم بمسلط تسليط الملوك و الجبابرة الملوك و اعتبار ذلك قوله لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ أي بمتسلط تسلط الملوك فإن كان يجوز أن يقال من أجبرت فلانا على الأمر أنا جبار له و كان هذا محفوظا فقد يجوز أن يجعل قول علي ع جبار القلوب من ذلك و هو أحسن في المعنى. و قوله الدامغ جيشات الأباطيل أي مهلك ما نجم و ارتفع من الأباطيل و أصل الدمغ من الدماغ كأنه الذي يضرب وسط الرأس فيدمغه أي يصيب الدماغ منه و منه قول الله عز و جل بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ أي يبطله و الدماغ مقتل فإذا أصيب هلك صاحبه. و جيشات مأخوذ من جاش الشي ء أي ارتفع و جاش الماء إذا طمى و جاشت النفس. و قوله كما حمل فاضطلع افتعل من الضلاعة و هي القوة. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 137و قوله لغير نكل في قدم النكل مصدر و هو النكول يقال نكل فلان عن الأمر ينكل نكولا فهذا المشهور و نكل بار ينكل نكلا قليلة. و القدم التقدم قال أبو زيد رجل مقدام إذا كان شجاعا فالقدم يجوز أن يكون بمعنى التقدم و بمعنى المتقدم. قوله و لا وهن في عزم أي و لا ضعف في رأي. و قوله حتى أورى قبسا لقابس أي أظهر نورا من الحق يقال أوريت النار إذا قدحت ما ظهر بها قال سبحانه أَ فَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ. و قوله آلاء الله تصل(20/77)


بأهله أسبابه يريد نعم الله تصل بأهل ذلك القبس و هو الإسلام و الحق سبحانه أسبابه و أهله المؤمنون به. قلت تقدير الكلام حتى أورى قبسا لقابس تصل أسباب ذلك القبس آلاء الله و نعمه بأهله المؤمنين به و اعلم أن اللام في لغير نكل متعلقة بقوله مستوفزا أي هو مستوفز لغير نكول بل للخوف منك و الخضوع لك. قال ابن قتيبة قوله ع به هديت القلوب بعد الكفر و الفتن موضحات الأعلام أي هديته لموضحات الأعلام يقال هديت الطريق و للطريق و إلى الطريق. و قوله نائرات الأحكام و منيرات الإسلام يريد الواضحات البينات يقال نار الشي ء و أنار إذا وضح. و قوله شهيدك يوم الدين أي الشاهد على الناس يوم القيامة و بعيثك رحمة أي مبعوثك فعيل في معنى مفعول. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 138و قوله افسح له مفسحا أي أوسع له سعة و روي مفتسحا بالتاءله في عدلك أي في دار عدلك يعني يوم القيامة و من رواه عدنك بالنون أراد جنة عدن. و قوله من جزل عطائك المعلول من العلل و هو الشرب بعد الشرب فالشرب الأول نهل و الثاني علل يريد أن عطاءه عز و جل مضاعف كأنه يعل عباده أي يعطيهم عطاء بعد عطاء. و قوله أعل على بناء البانين بناءه أي ارفع فوق أعمال العاملين عمله و أكرم مثواه أي منزلته من قولك ثويت بالمكان أي نزلته و أقمت به و نزله رزقه. و نحن قد ذكرنا بعض هذه الكلمات فيما تقدم على رواية الرضي رحمه الله و هي مخالفة لهذه الرواية و شرحنا ما رواه الرضي و ذكرنا الآن ما رواه ابن قتيبة و شرحه لأنه لا يخلو من فائدة جديدة. و منها
قوله ع خذ الحكمة أنى أتتك فإن الكلمة من الحكمة تكون في صدر المنافق فتلجلج في صدره حتى تسكن إلى صاحبها
قال ابن قتيبة يريد الكلمة قد يعلمها المنافق فلا تزال تتحرك في صدره و لا تسكن حتى يسمعها منه المؤمن أو العالم فيعيها و يثقفها و يفقهها منه فتسكن في صدره إلى أخواتها من كلم الحكمة. و منها(20/78)


قوله ع البيت المعمور نتاق الكعبة من فوقها
قال ابن قتيبة نتاق الكعبة أي مظل عليها من فوقها من قول الله سبحانه شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 139 وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ أي زعزع فأظل عليهم. و منها قوله ع أنا قسيم النار
قال ابن قتيبة أراد أن الناس فريقان فريق معي فهم على هدى و فريق علي فهم على ضلالة كالخوارج و لم يجسر ابن قتيبة أن يقول و كأهل الشام يتورع يزعم ثم إن الله أنطقه بما تورع عن ذكره فقال متمما للكلام بقوله فأنا قسيم النار نصف في الجنة معي و نصف في النار قال و قسيم في معنى مقاسم مثل جليس و أكيل و شريب. قلت قد ذكر أبو عبيد الهروي هذه الكلمة في الجمع بين الغريبين قال و قال قوم إنه لم يرد ما ذكره و إنما أراد هو قسيم النار و الجنة يوم القيامة حقيقة يقسم الأمة فيقول هذا للجنة و هذا للنار
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 140خطبة منسوبة للإمام علي خالية من حرف الألفو أنا الآن أذكر من كلامه الغريب ما لم يورده أبو عبيد و ابن قتيبة في كلامهما و أشرحه أيضا و هي خطبة رواها كثير من الناس له ع خالية من حرف الألف(20/79)


قالوا تذاكر قوم من أصحاب رسول الله ص أي حروف الهجاء أدخل في الكلام فأجمعوا على الألف فقال علي ع حمدت من عظمت منته و سبغت نعمته و سبقت غضبه رحمته و تمت كلمته و نفذت مشيئته و بلغت قضيته حمدته حمد مقر بربوبيته متخضع لعبوديته متنصل من خطيئته متفرد بتوحيده مؤمل منه مغفرة تنجيه يوم يشغل عن فصيلته و بنيه و نستعينه و نسترشده و نستهديه و نؤمن به و نتوكل عليه و شهدت له شهود مخلص موقن و فردته تفريد مؤمن متيقن و وحدته توحيد عبد مذعن ليس له شريك في ملكه و لم يكن له ولي في صنعه جل عن مشير و وزير و عن عون معين و نصير و نظير علم فستر و بطن فخبر و ملك فقهر و عصي فغفر و حكم فعدل لم يزل و لن يزول لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ و هو بعد كل شي ء رب متعزز بعزته متمكن بقوته متقدس بعلوه متكبر بسموه ليس يدركه بصر و لم يحط به نظر قوي منيع بصير سميع رءوف رحيم عجز عن وصفه من يصفه و ضل عنعته من يعرفه شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 141قرب فبعد و بعد فقرب يجيب دعوة من يدعوه و يرزقه و يحبوه ذو لطف خفي و بطش قوي و رحمة موسعة و عقوبة موجعة رحمته جنة عريضة مونقة و عقوبته جحيم ممدودة موبقة و شهدت ببعث محمد رسوله و عبده و صفيه و نبيه و نجيه و حبيبه خليله بعثه في خير عصر و حين فترة و كفر رحمة لعبيده و منة لمزيده ختم به نبوته و شيد به حجته فوعظ و نصح و بلغ و كدح رءوف بكل مؤمن رحيم سخي رضي ولي زكي عليه رحمة و تسليم و بركة و تكريم من رب غفور رحيم قريب مجيب وصيتكم معشر من حضرني بوصية ربك و ذكرتكم بسنة نبيكم فعليكم برهبة تسكن قلوبكم و خشية تذري دموعكم و تقية تنجيكم قبل يوم تبليكم و تذهلكم يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته و خف وزن سيئته و لتكن مسألتكم و تملقكم مسألة ذل و خضوع و شكر و خشوع بتوبة و تورع و ندم و رجوع و ليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه و شبيبته قبل هرمه و سعته قبل فقره و فرغته قبل شغله و حضره قبل سفره قبل تكبر و(20/80)

122 / 150
ع
En
A+
A-