عصيت ربي عذاب يوم عظيم و روى سعيد بن عمار عن أسماء بنت عبيد قال دخل عنبسة بن سعيد بن العاص على عمر بن عبد العزيز فقال يا أمير المؤمنين إن من كان قبلك من الخلفاء كانوا يعطوننا عطايا منعتناها و لي عيال و ضيعة فأذن لي أخرج إلى ضيعتي و ما يصلح عيالي فقال عمر إن أحبكم إلينا من كفانا مئونته فخرج عنبسة فلما صار إلى الباب ناداه أبا خالد أبا خالد فرجع فقال أكثر ذكر الموت فإن كنت في ضيق من العيش وسعه عليك و إن كنت في سعة من العيش ضيقه عليك. و روى عمر بن علي بن مقدم قال قال ابن صغير لسليمان بن عبد الملك لمزاحم إن لي حاجة إلى أمير المؤمنين عمر قال فاستأذنت له فأدخله فقال يا أمير المؤمنين لم أخذت قطيعتي قال معاذ الله إن آخذ قطيعة ثبتت في الإسلام قال فهذا كتابي بها و أخرج كتابا من كمه فقرأه عمر و قال لمن كانت هذه الأرض قال كانت للمسلمين قال فالمسلمون أولى بها قال فاردد علي كتابي قال إنك لو لم تأتني به لم أسألكه فأما إذ جئتني به فلست أدعك تطلب به ما ليس لك بحق فبكى ابن سليمان فقال مزاحم يا أمير المؤمنين ابن سليمان تصنع به هذا قال و ذلك لأن سليمان عهد إلى عمر و قدمه على إخوته فقال عمر ويحك يا مزاحم إني لأجد له من اللوط ما أجد لولدي و لكنها نفسي أجادل عنها. و روى الأوزاعي قال قال هشام بن عبد الملك و سعيد بن خالد بن عمر بن عثمان(18/93)
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 106بن عفان لعمر بن عبد العزيز يا أمير المؤمنين استأنف العمل برأيك فيما تحت يدك و خل بين من سبقك و بين ما ولوه عليهم كان أو لهم فإنك مستكف أن تدخل في خير ذلك و شره قال أنشدكما الله الذي إليه تعودان لو أن رجلا هلك و ترك بنين أصا و أكابر فغر الأكابر الأصاغر بقوتهم فأكلوا أموالهم ثم بلغ الأصاغر الحلم فجاءوكما بهم و بما صنعوا في أموالهم ما كنتما صانعين قالا كنا نرد عليهم حقوقهم حتى يستوفوها قال فإني وجدت كثيرا ممن كان قبلي من الولاة غر الناس بسلطانه و قوته و آثر بأموالهم أتباعه و أهله و رهطه و خاصته فلما وليت أتوني بذلك فلم يسعني إلا الرد على الضعيف من القوي و على الدني ء من الشريف فقالا يوفق الله أمير المؤمنين وَ لَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَ أَمْناً لِبِلَادِكَ وَ لَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَ اتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوٍّ لَكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْ ءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَينَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ وَ لَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ(18/94)
عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 107وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ فَلَا إِدْغَالَ وَ لَا مُدَالَسَةَ وَ لَا خِدَاعَ فِيهِ وَ لَا تَعْقِدْهُ عَقْداً تُجَوُّ فِيهِ الْعِلَلَ وَ لَا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ الْقَوْلِ بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَ التَّوْثِقَةِ وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللَّهِ طِلْبَةٌ لَا تَسْتَقِيلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَ لَا آخِرَتَكَ(18/95)
أمره أن يقبل السلم و الصلح إذا دعي إليه لما فيه من دعة الجنود و الراحة من الهم و الأمن للبلاد و لكن ينبغي أن يحذر بعد الصلح من غائلة العدو و كيده فإنه ربما قارب بالصلح ليتغفل أي يطلب غفلتك فخذ بالحزم و اتهم حسن ظنك لا تثق و لا تسكن إلى حسن ظنك بالعدو و كن كالطائر الحذر. ثم أمره بالوفاء بالعهود قال و اجعل نفسك جنة دون ما أعطيت أي و لو ذهبت نفسك فلا تغدر. و قال الراوندي الناس مبتدأ و أشد مبتدأ ثان و من تعظيم الوفاء خبره و هذا المبتدأ الثاني مع خبره خبر المبتدإ الأول و محل الجملة نصب لأنها خبر ليس و محل ليس مع اسمه و خبره رفع لأنه خبر فإنه و شي ء اسم ليس و من فرائض الله حال و لو تأخر لكان صفة لشي ء و الصواب أن شي ء اسم ليس و جاز ذلك و إن كان نكرة لاعتماده على النفي و لأن الجار و المجرور قبله في موضع الحال كالصفة فتخصص بذلك و قرب من المعرفة و الناس مبتدأ و أشبره و هذه الجملة المركبة من مبتدإ شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 108و خبر في موضع رفع لأنها صفة شي ء و أما خبر المبتدإ الذي هو شي ء فمحذوف و تقديره في الوجود كما حذف الخبر في قولنا لا إله إلا الله أي في الوجود و ليس يصح ما قال الراوندي من أن أشد مبتدأ ثان تعظيم الوفاء خبره لأن حرف الجر إذا كان خبرا لمبتدإ تعلق بمحذوف و هاهنا هو متعلق بأشد نفسه فكيف يكون خبرا عنه و أيضا فإنه لا يجوز أن يكون أشد من تعظيم الوفاء خبرا عن الناس كما زعم الراوندي لأن ذلك كلام غير مفيد أ لا ترى أنك إذا أردت أن تخبر بهذا الكلام عن المبتدإ الذي هو الناس لم يقم من ذلك صورة محصلة تفيدك شيئا بل يكون كلاما مضطربا. و يمكن أيضا أن يكون من فرائض الله في موضع رفع لأنه خبر المبتدإ و قد قدم عليه و يكون موضع الناس و ما بعده رفع لأنه خبر المبتدإ الذي هو شي ء كما قلناه أولا و ليس يمتنع أيضا أن يون من فرائض الله منصوب الموضع لأنه حال و يكون موضع الناس أشد رفعا لأنه(18/96)
خبر المبتدإ الذي هو شي ء. ثم قال له ع و قد لزم المشركون مع شركهم الوفاء بالعهود و صار ذلك لهم شريعة و بينهم سنة فالإسلام أولى باللزوم و الوفاء. و استوبلوا وجدوه وبيلا أي ثقيلا استوبلت لبلد أي استوخمته و استثقلته و لم يوافق مزاجك. و لا تخيسن بعهدك أي لا تغدرن خاس فلان بذمته أي غدر و نكث. قوله و لا تختلن عدوك أي لا تمكرن به ختلته أي خدعته. و قوله أفضاه بين عباده جعله مشتركا بينهم لا يختص به فريق دون فريق.
شرح نهج البلاغة ج : 17 ص : 109قال و يستفيضون إلى جواره أي ينتشرون في طلب حاجاتهم و مآربهم ساكنين إلى جواره فإلى هاهنا متعلقة بمحذوف مقدر كقوله تعالى فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ أي مرسلا قال فلا إدغال أي لا إفساد و الدغل الفساد و لا مدالسة أي لا خدي يقال فلان لا يوالس و لا يدالس أي لا يخادع و لا يخون و أصل الدلس الظلمة و التدليس في البيع كتمان عيب السلعة عن المشتري. ثم نهاه عن أن يعقد عقدا يمكن فيه التأويلات و العلل و طلب المخارج و نهاه إذا عقد العقد بينه و بين العدو أن ينقضه معولا على تأويل خفي أو فحوى قول أو يقول إنما عنيت كذا و لم أعن ظاهر اللفظة فإن العقود إنما تعقد على ما هو ظاهر في الاستعمال متداول في الاصطلاح و العرف لا على ما في الباطن. و روي انفساحه بالحاء المهملة أي سعته
فصل فيما جاء في الحذر من كيد العدو(18/97)