و لا أوكله و مع هذا فهو الخارج مع أخي محمد على أبيك المنصور أبي جعفر و القائل لأخي في قصيدة طويلة أولها
إن الحمامة يوم الشعب من وثن هاجت فؤاد محب دائم الحزن
يحرض أخي فيها على الوثوب و النهوض إلى الخلافة و يمدحه و يقول له
لا عز ركنا نزار عند سطوتها إن أسلمتك و لا ركنا ذوي يمن أ لست أكرمهم عودا إذا انتسبوا يوما و أطهرهم ثوبا من الدرن شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 93و أعظم الناس عند الناس منزلة و أبعد الناس من عيب و من وهن قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتها إن الخلافة فيكم يا بني حسن إنا لنأمل أن ترتد ألفتنا بعد التدابر و البغضاء و الإحن حتى يثاب على الإحسان محسننا و يأمن الخائف المأخوذ بالتنقضي دولة أحكام قادتها فينا كأحكام قوم عابدي وثن فطالما قد بروا بالجور أعظمنا بري الصناع قداح النبع بالسفنفتغير وجه الرشيد عند سماع هذا الشعر و تغيظ على ابن مصعب فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلا هو و بأيمان البيعة أن هذا الشعر ليس له و أنه لسديف فقال يحيى و الله يا أمير المؤمنين ما قاله غيره و ما حلفت كاذبا و لا صادقا بالله قبل هذا و إن الله عز و جل إذا مجده العبد في يمينه فقال و الله الطالب الغالب الرحمن الرحيم استحيا أن يعاقبه فدعني أن أحلفه بيمين ما حلف بها أحد قط كاذبا إلا عوجل قال فحلفه قال قل برئت من حول الله و قوته و اعتصمت بحولي و قوتي و تقلدت الحول و القوة من دون الله استكبارا على الله و استعلاء عليه و استغناء عنه إن كنت قلت هذا الشعر فامتنع عبد الله من الحلف بذلك فغضب الرشيد و قال للفضل بن الربيع يا عباسي ما له لا يحلف إن كان صادقا هذا طيلساني علي و هذه ثيابي لو حلفني بهذه اليمين أنها لي لحلفت فوكز الفضل عبد الله برجله و كان له فيه هوى و قال له احلف ويحك فجعل يحلف بهذه اليمين و وجهه متغير و هو يرعد فضرب يحيى بين كتفيه و قال يا ابن مصعب قطعت عمرك لا تفلح بعدها أبدا. قالوا فما برح(20/51)
من موضعه حتى عرض له أعراض الجذام استدارت عيناه شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 94و تفقأ وجهه و قام إلى بيته فتقطع و تشقلحمه و انتثر شعره و مات بعد ثلاثة أيام و حضر الفضل بن الربيع جنازته فلما جعل في القبر انخسف اللحد به حتى خرجت منه غبرة شديدة و جعل الفضل يقول التراب التراب فطرح التراب و هو يهوي فلم يستطيعوا سده حتى سقف بخشب و طم عليه فكان الرشيد يقول بعد ذلك للفضل أ رأيت يا عباسي ما أسرع ما أديل ليحيى من ابن مصعب
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 25195يَا ابْنَ آدَمَ كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ وَ اعْمَلْ فِي مَالِكَ مَا تُؤْثِرُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ مَنْ بَعْدَكَلا ريب أن الإنسان يؤثر أن يخرج ماله بعد موته في وجوه البر و الصدقات و القربات ليصل ثواب ذلك إليه لكنه يضن بإخراجه و هو حي في هذه الوجوه لحبه العاجلة و خوفه من الفقر و الحاجة إلى الناس في آخر العمر فيقيم وصيا يعمل ذلك في ماله بعد موته. و أوصى أمير المؤمنين ع الإنسان أن يعمل في ماله و هو حي ما يؤثر أن يجعل فيه وصية بعد موته و هذه حالة لا يقدر عليها إلا من أخذ التوفيق بيده
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 25296الْحِدَّةُ ضَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَنْدَمُ فَإِنْ لَمْ يَنْدَمْ فَجُنُونُهُ مُسْتَحْكِمٌكان يقال الحدة كنية الجهل. و كان يقال لا يصح لحديد رأي لأن الحدة تصدئ العقل كما يصدئ الخل المرآة فلا يرى صاحبه فيه صورة حسن فيفعله و لا صورة قبيح فيجتنبه. و كان يقال أول الحدة جنون و آخرها ندم. و كان يقال لا تحملنك الحدة على اقتراف الإثم فتشفي غيظك و تسقم دينك(20/52)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 25397صِحَّةُ الْجَسَدِ مِنْ قِلَّةِ الْحَسَدِمعناه أن القليل الحسد لا يزال معافى في بدنه و الكثير الحسد يمرضه ما يجده في نفسه من مضاضة المنافسة و ما يتجرعه من الغيظ و مزاج البدن يتبع أحوال النفس. قال المأمون ما حسدت أحدا قط إلا أبا دلف على قول الشاعر فيه
إنما الدنيا أبو دلف بين باديه و محتضره فإذا ولى أبو دلف ولت الدنيا على أثرهو روى أبو الفرج الأصبهاني عن عبدوس بن أبي دلف قال حدثني أبي قال قال لي المأمون يا قاسم أنت الذي يقول فيك علي بن جبله
إنما الدنيا أبو دلف
البيتين فقلت مسرعا و ما ينفعني ذلك يا أمير المؤمنين مع قوله في
أبا دلف يا أكذب الناس كلهم سواي فإني في مديحك أكذب
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 98و مع قول بكر بن النطاح فيأبا دلف إن الفقير بعينه لمن يرتجي جدوى يديك و يأمله أرى لك بابا مغلقا متمنعا إذا فتحوه عنك فالبؤس داخله كأنك طبل هائل الصوت معجب خلي من الخيرات تعس مداخله و أعجب شي ء فيك تسليم إمرة عليك على طنز و أنك قاقال فلما انصرفت قال المأمون لمن حوله لله دره حفظ هجاء نفسه حتى انتفع به عندي و أطفأ لهيب المنافسة
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 25499وَ قَالَ ع لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ يَا كُمَيْلُ مُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَرُوحُوا فِي كَسْبِ الْمَكَارِمِ وَ يُدْلِجُوا فِي حَاجَةِ مَنْ هُوَ نَائِمٌ فَوَالَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ مَا مِنْ أَحَدٍ أَوْدَ قَلْباً سُرُوراً إِلَّا وَ خَلَقَ اللَّهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ السُّرُورِ لُطْفاً فَإِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَائِبَةٌ جَرَى إِلَيْهَا كَالْمَاءِ فِي انْحِدَارِهِ حَتَّى يَطْرُدَهَا عَنْهُ كَمَا تُطْرَدُ غَرِيبَةُ الْإِبِلِ(20/53)
قال عمرو بن العاص لمعاوية ما بقي من لذتك فقال ما من شي ء يصيبه الناس من اللذة إلا و قد أصبته حتى مللته فليس شي ء عندي اليوم ألذ من شربة ماء بارد في يوم صائف و نظري إلى بني و بناتي يدرجون حولي فما بقي من لذتك أنت فقال أرض أغرسها و آكل ثمرتها لم يبق لي لذةير ذلك فالتفت معاوية إلى وردان غلام عمرو فقال فما بقي من لذتك يا وريد فقال سرور أدخله قلوب الإخوان و صنائع أعتقدها في أعناق الكرام فقال معاوية لعمرو تبا لمجلسي و مجلسك لقد غلبني و غلبك هذا العبد ثم قال يا وردان أنا أحق بهذا منك قال قد أمكنتك فافعل. شرح نه البلاغة ج : 19 ص : 100فإن قلت السرور عرض فكيف يخلق الله تعالى منه لطفا قلت من هاهنا هي مثل من في قوله وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ أي عوضا منكم. و مثله فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طهيان
أي ليت لنا شربة مبردة باتت على طهيان و هو اسم جبل بدلا و عوضا من ماء زمزم
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 255101إِذَا أَمْلَقْتُمْ فَتَاجِرُوا اللَّهَ بِالصَّدَقَةِقد تقدم القول في الصدقة. و قالت الحكماء أفضل العبادات الصدقة لأن نفعها يتعدى و نفع الصلاة و الصوم لا يتعدى. و
جاء في الأثر أن عليا ع عمل ليهودي في سقي نخل له في حياة رسول الله ص بمد من شعير فخبزه قرصا فلما هم أن يفطر عليه أتاه سائل يستطعم فدفعه إليه و بات طاويا و تاجر الله تعالى بتلك الصدقة فعد الناس هذه الفعلة من أعظم السخاء و عدوها أيضا من أعظم العبادة
و قال بعض شعراء الشيعة يذكر إعادة الشمس عليه و أحسن فيما قال(20/54)
جاد بالقرص و الطوى مل ء جنبيه و عاف الطعام و هو سغوب فأعاد القرص المنير عليه القرص و المقرض الكرام كسو شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 256102الْوَفَاءُ لِأَهْلِ الْغَدْرِ غَدْرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ الْغَدْرُ بِأَهْلِ الْغَدْرِ وَفَاءٌ عِنْدَ اللَّهِمعناه أنه إذا اعتيد من العدو أن يغدر و لا يفي بأقواله و أيمانه و عهوده لم يجز الوفاء له و وجب أن ينقض عهوده و لا يوقف مع العهد المعقود بيننا و بينه فإن الوفاء لمن هذه حاله ليس بوفاء عند الله تعالى بل هو كالغدر في قبحه و الغدر بمن هذه حاله ليس بقبيح بل هو في الحسن كالوفاء لمن يستحق الوفاء عند الله تعالى
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 257103كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَ مَغْرُورٍ بِالسِّتْرِ عَلَيْهِ وَ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ وَ مَا ابْتَلَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَحَداً بِمِثْلِ الْإِمْلَاءِ لَهُ قال الرضي رحمه الله تعالى و قد مضى هذا الكلام فيما تقدم إلا أن فيه هاهنا زيادة جيدة
قد تقدم الكلام في الاستدراج و الإملاء و قال بعض الحكماء احذر النعم المتواصلة إليك أن تكون استدراجا كما يحذر المحارب من اتباع عدوه في الحرب إذا فر من بين يديه من الكمين و كم من عدو فر مستدرجا ثم إذ هو عاطف و كم من ضارع في يديك ثم إذ هو خاطف
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 258104 و من كلامه ع المتضمن ألفاظا من الغريب تحتاج إلى تفسير قوله ع في حديثهفَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ضَرَبَ يَعْسُوبُ الدِّينِ بِذَنَبِهِ فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ كَمَا يَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِيفِ
قال الرضي رحمه الله تعالى يعسوب الدين السيد العظيم المالك لأمور الناس يومئذ و القزع قطع الغيم التي لا ماء فيها(20/55)